تشكّل الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 12 جوان المقبل حدثا سياسيا مفصليا ومهما يحمل الجديد ، لاسيما أنه يتزامن مع تغييرات سياسية تضمن أكبر قدر ممكن من الشفافية والنزاهة و الابتعاد عن المال الفاسد والغش والتزوير وهي مساوئ ألفناها وطبعت الانتخابات في العقود والسنوات الماضية ، فالجزائر المقبلة على تدشين مرحلة جديدة من تسيير الحكم السياسي ، قد راجعت دستورها ساعية إلى التصحيح و التعديل والفصل بين السلطات و توسيع هامش الاستقلالية . و تبنت قانون انتخابات عضويا جديدا لتوطين الشفافية والنزاهة واستقطاب كل الجزائريين للمشاركة في الاستحقاق النيابي سواء كهيئة ناخبة أو مرشحين تمهيدا لبناء جزائر كل الجزائريين ودولة قانون تنبذ كل أشكال الفساد والتزوير . و من أجل تحقيق ذلك جاء دستور 2020 والقانون العضوي الجديد للانتخابات بتغييرات مهمة تشمل دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي تتولى تنظيم العملية من الألف إلى الياء وكذا إقرار المحكمة الدستورية التي حلت محل المجلس الدستوري الذي كان من بين مهامه المصادقة على نتائج الانتخابات و تلقي الطعون و الفصل فيها و الرد على عرائض نواب الأمّة ، فالمحكمة الدستورية التي أقرها الدستور الجديد تتمتع بصلاحيات واسعة و استقلالية و وفق مواد الدستور تم تعديل تشكيلة أعضائها وطريقة تعيينهم وتوسيع الرقابة الدستورية التي تمارسها ومارسها قبلها المجلس الدستوري إلى أوامر و رقابة توافق القوانين والتنظيمات. ضمان استقرار المؤسسات وتوسيع الرقابة إلى الأوامر إن التعديل الدستوري لسنة 2020 اعتبر المحكمة الدستورية مؤسسة دستورية مستقلة تتولى الرقابة على دستورية القوانين وضبط سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية وصلاحيات أخرى ، بما في ذلك أداء دور مهم في إقرار نتائج الانتخابات وهي المهمة التي كانت مخولة للمجلس الدستوري في السابق ، وبذلك كلفت بضمان احترام الدستور و قد احتفظت ببعض الخصائص التي ميزت تشكيلة المجلس الدستوري مع بعض التغيير في تركيبة تشكيلة المحكمة الدستورية مقارنة مع المجلس الدستوري ، ووضع عدد من شروط العضوية بالمحكمة الدستورية والتي لم يكن منصوصا عليها في تشكيلة المجلس الدستوري ، هذا فضلا عن النظام القانوني لعضو المحكمة الدستورية ، لاسيما الضمانات الممنوحة للعضو بما يضمن استقلالية المحكمة الدستورية من الناحية العضوية تجاه السلطات العامة في الدولة وتوسيع الرقابة الدستورية إلى أوامر و رقابة توافق القوانين والتنظيمات . و هكذا فإن المحكمة الدستورية التي نص عليها تعديل الدستور المصوَّت عليه في أول نوفمبر 2020 تتمتع بصلاحيات أوسع تمكنها من ضمان استقرار المؤسسات وجعل البلاد في منأى عن أي أزمات محتملة ، ومن بين صلاحياتها أيضا النظر في حالات الدفع بعدم الدستورية في الحالات المتعلقة بالنصوص التشريعية والتنظيمية التي لها علاقة بحريات المتقاضي ، ومنحت لها صلاحية التدخل في النقاش السياسي لفض النزاعات بين المؤسسات الدستورية ، هذا فضلا عن دور مميز تؤديه خلال انتخابات 12 جوان و هو أول موعد انتخابي ينظم تحت ظل دستور وقانون عضوي للانتخابات جديدين و عليه فإن الجزائريين يترقبون الجديد الذي ستضيفه المحكمة الدستورية في مجال الانتخابات بعد أن توسعت صلاحياتها و استقلالية قرارها ، حيث ستكون تلك الانتخابات هي المحك والتجربة للوقوف على حسن أداء هذه الهيئة الدستورية . ونشير هنا إلى أن حل المجلس الدستوري وتحوله إلى محكمة دستورية يتم خلال عام وفق نص الدستور الجديد. قيمة مضافة ودور قانوني مهم تعتبر المحكمة الدستورية سياسيا قيمة مضافة من صلاحياتها التدخل في النقاش السياسي لتفادي شلل المؤسسات الدستورية مما من شأنه أن يجر البلاد إلى أزمات سياسية لا تحمد عقباها لكونها ستتولى مهاما جديدة من بينها الفصل في الخلافات التي قد تحدث بين السلطات الدستورية بالشكل الذي يقي البلاد من الأزمات السياسية التي قد تحدث ، والتي قد تؤدي إلى شلل إحدى السلطات أو المؤسسات الدستورية أو تعطل إحداها، وفي نفس السياق هناك إمكانية إخطار المحكمة الدستورية من قبل الجهات المخولة قانونا مثل رئيس الجمهورية و رئيس مجلس الأمة و رئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة و ذلك من أجل تفسير الأحكام الدستورية وهو ما من شأنه المحافظة على استقرار البلاد و تجنيبها الكثير من الأزمات التي قد تنجر عن أي لبس أو سوء تفسير وبالتالي المساهمة في ضمان عدم استيلاء أو اعتداء أي سلطة ، عن قصد أو عن غير قصد ، على صلاحيات أخرى. كما أن المحكمة الدستورية ستعمل وفق مواد الدستور الجديد للحفاظ على التوازن بين السلطات والفصل المرن بينها وحماية أبرز المبادئ الديمقراطية المكرسة فيه والتي تشمل التداول على السلطة و صون حقوق و حريات المواطن و حماية المعارضة و غيرها ، ومن بين المهام الجديدة للمحكمة الدستورية باعتبارها مؤسسة مستقلة : السهر على ضبط سير المؤسسات و نشاط السلطات العمومية و هو ما يخولها لتوفير ضمانات أخلقة الحياة العامة في الجزائر، و مما لا شك فيه أن الانتخابات في الجزائر قد أثارت الكثير من الجدل و كثر الحديث حولها و ما يحدث فيها من تزوير وغش ولهذا فإن جزائر ما بعد الحراك الشعبي قد قررت طي صفحات ممارسة الفساد سياسيا كان أو اقتصاديا و لأجل هذا فقد تدعمت بترسانة قانونية وتبنت هيئات دستورية وسلطات من شأنها قطع الطريق أمام كل محاولات غش وفساد وخاصة ما تعلق بالهيئات المنتخبة التي قصرت كثيرا في حق الشعب سابقا ، وقد آن الأوان لتراجع سلوكها و تتلون بلون مطالب الشعب لا بمصالحها و بناء على ذلك فإن المسئولية الملقاة على عاتق المحكمة الدستورية في كل مهامها بما في ذلك الإقرار والتصديق على نتائج الانتخابات هي جد كبيرة و تاريخية و مصيرية في الوقت نفسه في بناء دولة القانون وإرساء قواعد الجزائر الجديدة .