الفطرة الإنسانية تأبى الظلم والهوان ضرورة شعور كل إنسان بكرامته وحريته ومساواته لغيره ممّن يريد أن يفرض عليه سلطته، لا يكاد يشذّ عن هذا الشعور إلاّ إنسان متبلد الحسّ، فقد أعظم مقومات الإنسانية وصار الى الحيوان أو الجماد أقرب ولقد قيل في هذا السياق: »من استغضب ولم يغضب فهو حمار«. والرجل الحرّ يؤثر الموت على حياة الذل ويفضل العيش الخشن مع الكرامة على العيش الناعم مع الظلم والإهانة، يقول الشاعر الحكيم: لا تسقني ماء الحياة بذلّة ❊ بل فاسقني بالعز كأس الحنظل ماء الحياة بذلّة كجهنم ❊ وجهّنم بالعزّ أطيب منزل عرف العرب هذا الإباء في جاهليتهم إذ كانوا ينفرون من الذلّ ويأبون الظلم ويدفعونه بكل ما أوتوا من قوة، كما يقول زهير بن أبي سلمى: ❊ ومن لم يذد عن حوضه بسنانه ❊ يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم وجاء الإسلام وهو دين الفطرة يقوّي في الناس شعورالحرية والحفاظ على الكرامة وإباء الظلم ورفض الذل، ولقد شرع الإسلام دفع الظلم والوقوف ضد المعتدين على الحريات والحقرق، فقرّر في القرآن الكريم أن من صفات المؤمنين عدم قبول الضّيم وعدم الإستسلام للظلم قال تعالى : »والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون « قال رجل للنبي عليه السلام: أرأيت لو قاتلني شخص، قال له الرسول: قاتله، قال الرجل: أرأيت لو قتلته، قال: هو في النار، قال: أرأيت لو قتلني : قال أنت شهيد...« هذا ديننا وهذه تعاليمه لا تصادم الفطرة، أما تعاليم النصرانية المحرّفة البعيدة عن منهج السماء فتقول :»من ضربك في خدك الأيمن فأدر له خدّك الأيسر« إنّ سلوكات الجاهلية وهي في طيشها وحمقها أفضل من هذه التوجيهات التي تجعل الفرد يستمرىء الإهانة والمذلة، يقول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلن أحد علينا ❊ فنجهل فوق جهل الجاهلينا بل كان بعضهم يرى أنه لا بد من البدء بالظلم للغير حتى يرهب جانبه ولا يفكر في الإعتداء عليه على حد قول زهير بن أبي سلمى »ومن لا يظلم الناس يظلم«. إنّ غضبة الحق تنسجم مع الفطرة وتنسجم مع تعاليم ديننا ومن هنا كان الجهاد فريضة لرد العدوان ودفع الظلم قال تعالى »وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم « وقال النبي عليه السلام: »من قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد« وإذا وقع الظلم فالإستسلام له محرّم مادام رفعه مستطاعا، قال تعالى فيمن تخلفوا عن الهجرة ورضوا بالإقامة في مكة مستضعفين أذلاء وسط قريش والطواغيت قال تعالى : »إنّ الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم حهنّم وساءت مصيرا«. هذا إستنفار من اللّه لكل ظالم معتد وخاصة إذا كان الإعتداء على الأوطان، أمّا إذا كان الإعتداء على الأشخاص باللسان أو باليد فهنا الدفاع واجب وقد يلام على عدم الرد، كما قال الشاعر، إيليا أبو ماضي: ❊ إني لأغضب للكريم ينوشه ❊ من دونه وألوم من لم يغضب إنّ هناك سلوكا أرقى إذا تعلق الأمر بالأشخاص وهو العفو عند المقدرة وكظم الغيظ يفعلون هذا لأنه دين، قال تعالى :» والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس« ولقوله »وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما« لا شكّ أنّ هذه مرتبة عالية وهي مرتبة الإحسان، واللّه يحب المحسنين.