أبان الجزائريون مرة أخرى عن عمق تلاحمهم في الضراء، وبأن المحن لا تزيدهم سوى التوحد أكثر نساء ورجالا، خاصة من قبل المواطنين الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى المناطق المتضررة من أجل مساندة إخوانهم في التصدي للنيران، حيث إشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي أول أمس الإثنين بالدعاء والإبتهال لله تعالى أن تكون النيران المتّقدة في عدة ولايات من الوطن وعلى الأخص في مداشر وقرى منطقة القبائل العزيزة على كل جزائري، والتي تحولت بين عشية وضحاها إلى ألسنة لهب في السماء، بردا وسلاما عليهم وعلى بلادنا ككل. وفي الوقت الذي كانت فيه القلوب تتمزق لوعة وألما للصور والفيديوهات التي كانت تبثها صفحات مدونين عبر الشبكة العنكبوتية، لمواطنين تركوا كل شيء وراءهم فرارا من ألسنة النيران التي حاصرت الكثير منهم في منازلهم، إنطلقت عدة سيارات لمتطوعين من الولايات المجاورة على شاكلة الجزائر العاصمة نحو المناطق المتضررة خاصة تيزي وزو، وبها شباب متطوع لإخماد النيران بسواعدهم الفتية، في حين توجهت أيضا شاحنات خواص محملة بصهاريج المياه نحو غرب البويرة وذراع الميزان و آث واسيف، للوقوف إلى جانب إخوانهم في ملحمة شعبية قلّما نشاهدها في دول أخرى ماعدا الجزائر، المعروفة منذ القدم بطيبة قلب أهلها وإنسانيتهم إزاء الغريب فما بالك بأبناء الوطن الواحد. وفي جانب آخر تكفل مواطنون آخرون بتغذية المتضررين، حيث توجهت سيارات خواص محملة بالمؤونة والماء نحو المناطق التي تجمعت بها العائلات، خاصة النساء والأطفال، إضافة إلى تزويد الجرحى بالدواء ، حيث كانت هذه القوافل تصل إلى المنطقة تباعا. وفي جانب آخر فتحت مقرات جمعيات محلية أبوابها لإيواء العائلات المنكوبة منها Rotaract Club Kabylie الكائن مقرها مقابل مستشفى تيزي وزو ، إضافة إلى فنادق خواص وقاعات حفلات وزوايا دينية، فيما وضع أحد المحسنين 39 شقة في خدمة العائلات المنكوبة مع تأمين النقل لها، كما أفادت بذلك صفحات زملائنا الصحفيين على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يوضح أكثر أن الجزائريين «قوّامون» وقت الأزمات ولا يبخلون على بعضهم بأي شيء. الجدير بالذكر أن الجزائريين عاشوا ليلة بيضاء أول أمس الإثنين بسبب الحرائق التي شهدتها عدة ولايات من الوطن، والتي وصل عددها حسب المديرية العامة للغابات إلى أزيد من 103 حريقا موزعا على 14 ولاية من الوطن، فبالإضافة إلى تيزي وزو التي كانت الأكثر تضررا نجد أيضا كلا من تبسة، أم البواقي، سطيف، جيجل، المدية، بجاية، البليدة، خنشلة، البويرة، قالمة، برج بوعريريج، بومرداس، تيارت وسكيكدة. وتحولت معظم المنازل إلى رماد، وتشردت العديد من العائلات بعدما قضت النيران على مداشر بأكملها. وكانت المديرية العامة للغابات قد إستبعدت في تصريح لمسؤولها الأول، أن يكون ارتفاع درجة الحرارة هو السبب الوحيد لإندلاع هذه الحرائق، بل أجمع الكل بما فيهم مسؤولون سامون في الدولة، على أن العملية «إجرامية» بإمتياز، ومن المؤكد أن يكون وراءها أشخاص يحاولون زرع الفتنة في البلاد بإستهداف منطقة القبائل دون غيرها. * إجماع على الطابع الإجرامي للحرائق كما أن الحرائق التي وقعت لا يختلف عليها إثنان بأنها غير عادية وليست عفوية، وذلك بسبب تعدد نقاط إشتعالها، وكذا التوقيت الذي كان موحدا أي في نفس التوقيت تقريبا، إضافة إلى سرعة انتشارها التي تعجب لها العام قبل الخاص، والتي إضطرت عدة عائلات في مداشر وقرى تيزي وزو إلى مغادرة منازلها في ساعات متقدمة من النهار، عندما أحست بإقتراب النيران منها، في صورة ذكرتنا بالجرائم الإستعمارية الفرنسية إبان فترة إحتلالها لبلادنا، في حين خرج الأهالي لإطفاء النيران في محاولة للسيطرة عليها حتى قبل وصول شاحنات الإنقاذ. وفي الوقت الذي أعرب فيه الرئيس التونسي قيس سعيد لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون عن تضامنه مع الشعب الجزائري معزيا عائلات الضحايا، كان هناك أيضا إنزال وزاري بولاية تيزي وزو، يتقدمه السيد كمال بلجود وزير الداخلية والجماعات المحلية، ووزير الفلاحة والتنمية الريفية عبد الحميد حمداني، ووزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة كوثر كريكو، الذين إلتقوا بالأهالي وقدموا تعازي رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون والوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان لعائلات الضحايا، مع إعطاء وعود بإرسال خبراء لحصر الخسائر والتكفل بالتعويضات، مع إعطاء تعليمات بالتكفل العاجل بالمتضررين.