ظاهرة الهجرة غير الشرعية أو »الحرڤة« كما يسميها عامة الناس، تنوعت أسباب إنتشارها في العالم العربي وبالأخص بالجزائر وفي المناطق الغربية والشمالية، دوافعها متنوعة ومختلفة أهمها بالدرجة الأولى البطالة، تدني مستوى المعيشة، أو حتى بالنسبة للعاملين الذين يتقاضون مراتب جد زهيدة، وأمام هذه الأوضاع إستفحل الفقر المدقع بشكل كبير ما أدى الى ظهور »الحرڤة« فمعظم الإحصائيات تشير الى أن فئة الشباب التي توجد في دائرة (المغامرة) هي الأكثر هجرة، فلم يقتصر فقط على فئة الرجال بل تعدى حتى النساء اللواتي ركبن البحر للوصول الى الضفة الأخرى أو »الجنة الموعودة« فمعظم من إنتقيناهم من خلال المعاينة التي قمنا بها إكتشفنا أنّ جل الذين خاطروا بحياتهم عاشوا في ظروف صعبة، البعض منهم لا سند لهم والبعض الآخر لا يملكون وشهادات أو (ديبلومات) وآخرين اشتغلوا بشركات لكن سرعان ما إنتهت عقودهم وإضطر بذلك أصحاب مؤسساتهم الإستغناء عنهم وحتى طردهم أو توقيفهم عن العمل دون مراعاة أدنى شروط. »إيدير« نموذج من الذين إستقيناهم، يبلغ من العمر 21 سنة روى لنا تجربته التي قادته الى »الحرڤة «حيث جرب ولأول مرة الهجرة غير الشرعية في فيفري 2011، بمعية مجموعة من أصدقائه والذي بلغ عددهم (12) كانت ليلة خريفية، هادئة إختارها »إيدير« لتكون أول مغامرة الى المجهول بعد 4 ساعات ونصف قبل الوصول الى مرفأ أين قامت مصالح شرطة الحدود بالقبض عليهم عند الحدود الإسبانية وهي نفس المحاولة قام بها بنفس السنة في جويلية آلت مصيرها العودة أيضا الى أرض الوطن بعدما تم فرض عليه غرامة مالية، وعن المبلغ الذي دفعه الشاب قال أن السفرية كلفته من 6 الى 8 مليون سنتيم، حيث تم دفع المبلغ للمكلفين بهذه المهمة التي لم يرد الإفصاح عن أسمائهم إذ أكد من ناحية أخرى، أن المغامرة كانت جد صعبة، لكن هذا لن يوقفه عن المحاولة مرة أخرى، إذ لم يجد عملا مناسبا علما أنه وضع ملفه للإستفادة من شاحنة ب "ONSEJ" »بأنساج« لكن لا حياة لمن تنادي، فالوساطة هي سيدة الموقف حسبه لأنه لحد الآن لم يتكلفو بملفه، حيث يرجو من مدير التشغيل أن ينظر الى وضعيته لحل الأزمة التي طالت أمدها. كريم (34 سنة) هو الآخر ذاق ويلات ومرارة »الحرڤة« بعد مغامرة لم تكن هينة في قاع البحر (3) مرات وهو يحاول الوصول الى إسبانيا لكن كلها باءت بالفشل إلا واحدة منها، عاش أثناءها فترة صعبة لا سيما عندما وجد نفسه مع مجموعة من الشباب تختلف جنسياتهم في منطقة تدعى »الخربة« بإسبانيا مخصصة للمهاجرين غير الشرعيين الذين لا يملكون أى وثائق رسمية، قال أن معظم »الحراڤة « الذين وجدهم كانوا يعملون بالفلاحة، يقطفون البرتقال بمبالغ زهيدة تتراوح ما بين 30 أو 40 أورو، ولكي تحصل على هذا الشغل لا بد أولا أن تكون لك وساطة أو »أكتاف« وأن هناك من المالي وبلدان أخرى، يتزاحمون كل صباح أمام الحافلة التي كانت تقلهم الى المزارع الإسبانية، بعدما عايش كل هذه الظروف، قرر كريم الإتصال بأخيه الذي يقطن بفرنسا بباريس أن يزوده بالمبلغ المالي المناسب وكان له ذلك هذه المرة فإنطلق في جولة أخرى أو بالأحرى »حرڤة على البر« أين تم نقله بواسطة »الكلونديستان« الى غاية باربينيو الفرنسية، قضى فترة أسبوع بمعية صديقه الذي يرافقه طوال فترة الرحلة الشاقة التي دامت أكثر من شهر، مدة زمنية سمحت له بإكتشاف الظروف السيئة التي كان يعيشها »الحراڤة«؟ هذه المرحلة كانت آخر مطاف »لكريم« لأنه تم القبض عليه أمام ( مقهى) الذي كان يتناول فيه فطوره الصباحي هو حاليا متواجد (بوهران) أين رضخ للأمر الواقع وإختيار أن يأسس عائلة وأن »يأكل خبز بلاده« على أن يذل في بلاد الغربة. هذان النموذجان إخترناهما ليرويا ما يؤول إليه »الحراڤ« الذي يعاني من الأمرين (البطالة) في بلاده وإنعدام (الحقوق) خارج البلد، وأمام هذه الوضعية التي تعددت أشكالها فإن الحل الوحيد يبقى العناية والإهتمام بفئة الشباب وإعطائهم الفرصة لإبراز مواهبهم من الناحية الثقافية وتوفير لهم الشغل الذي يحفظ كرامتهم ويصونها هذا من الناحية الإجتماعية أما من الجهات الأخرى فالرعاية بالفئة الأكثر إنتشارا بالجزائر هو المفتاح الأنسب للرفع من مستوى المعيشة وتقليل (البطالة) التي زادت ب (12.5 ٪) بالجزائر سنة 2010.