من محاسن الصدف أن الجزائر تستعد لاستضافة الألعاب المتوسطية في طبعتها ال19, في الفترة الممتدة بين 25 جوان و 5 جويلية من العام المقبل 2022؛ و هي الفترة التي تتزامن مع إحياء الذكرى الستين لعيدي الشباب و الاستقلال. و هو عامل جوهري لتحفيز جميع الجزائريين و الجزائريات للمساهمة كل من موقعه, في التعريف بالوجه المشرق للجزائر المستقلة و ما حققته من إنجازات في جميع المجالات, في عهد الحرية التي تم استرجاعها بتضحيات غير قابلة للتقييم. و ما دامت الصدفة كانت في تحديد تاريخ الألعاب المتوسطية خير من ألف حساب و ميعاد ,فلا بد أن تستثمر الصدفة السانحة إلى أقصى الحدود المعقولة للتعريف على الأقل بتاريخ الجزائر بمختلف حقبه لأن التاريخ هو منذ الأزل عبارة عن سلسلة أحداث مشاعة , و لن يستفيد منها إلا من يحوزها بملكية فكرية موثقة و موثوقة المصادر , تجعل منها مادة صالحة للتوظيف التربوي و الثقافي و السياسي و العسكري و في غيرها من مجالات الحياة البشرية , و منها بطبيعة الحال المجال الرياضي , و في جميع هذه الأحوال , فإن الجهل بالتاريخ مضر دائما. فالاستقلال الذي تحتفل الجزائر في جويلية المقبل بمرور60 عاما من عمره , في خضم احتضانها ألعاب البحر المتوسط في طبعتها ال19 ,لا بد أن يكون له النصيب الأوفر من التظاهرات التي تثمنه برسائل معبرة تكشف لضيوف الجزائر مدى اعتزاز كل شرائح المجتمع, بالاعتماد على المرجعية التاريخية لصياغة شعارات التظاهرات و تشكيل اللافتات , و انتقاء الصور المرفوعة في التظاهرات الرياضية و الشعبية , فيما يشبه عودة جيل اليوم إلى حضن التاريخ الوطني لاستمداد القوة و الخبرة و خاصة التفاني في خدمة الوطن. إن عيد الاستقلال العام المقبل سيصادف يوم اختتام الألعاب المتوسطية,مما يتيح للشعب الجزائري بجميع أفراده و شرائحه إحياء هذه المناسبة بالطريقة العفوية التلقائية التي عهدناه عليها خلال السنوات الأولى من الاستقلال , عندما كانت زغاريد الفرح تنبعث من الشرفات نابعة من القلب , لتفرح قلوبا أخرى عرفت معنى الاستقلال أو معنى ثورة التحرير . و عندما كان الأطفال ببراءتهم يهرولون في الشوارع حاملين الأعلام الوطنية( و ليس رايات أخرى ) صارخين بحياة الجزائر , و عندما كانت المهرجانات و الألعاب الشعبية تستقطب جميع أفراد الشعب في الساحات العمومية و في جميع مدن وقرى الجزائر (و ليس في العاصمة و أمام البريد المركزي على وجه التخصيص) . و عندما كنا لا نصبح صبيحة أي عيد وطني إلا و على كل باب وكل شرفة منزل , أعلام وطنية ترفرف معلنة بأن المنزل أو الشرفة هما لجزائري يحب وطنه . يومئذ كان الشعب الجزائري برمته يشعر بمتعة الاحتفال بأعياده الوطنية , لأنها أعياده قبل أن تكون أعياد الدولة و أجهزتها , و كان يستغل العطل المدفوعة الأجر التي تمنحها الدولة في هذه المناسبات للتعبير عن شعوره الوطني بالطريقة التي تتناسب و عظمة الحدث الوطني في سائر السنين و أهمية الحدث الرياضي بمناسبة الألعاب المتوسطية . و لعل العودة إلى حضن التاريخ ستجعل الشباب الجزائري يدرك , أن عيد الاستقلال أعظم من فوز رياضيي الجزائر بمعظم الميداليات الذهبية لهذه الألعاب , لأنه لولا الاستقلال , لما سنحت لهم المشاركة في مثل هذه التظاهرات الرياضية العالمية فوق أرض الجزائر الطاهرة , فالاستقلال سبب وجود الفرق الوطنية في كل الرياضات , ولكل ما ومن يحمل وصف «وطني» في هذه البلاد.فلنجعل ضيوف الجزائر و من خلالهم بقية الشعوب, يدركون هذه الحقيقة.