رأيته في مقر الجمهورية بوهران، هذا الجميل الذي أحالتي معناه على رؤى نقدية بهاجس يصنع الفرجة ..كبيرا هو وجميلا ..يُسعدك منظره وكاريزما تناديك كي تحبه رغما عنك ..رسمنا لبعضنا فرحا في مقر يومية الجمهورية حينما أزور زميلي آنذاك الإعلامي السابق فارس عبد القادر ربي يذكره بالخير ..هناك كنت أراه في قاعة التحرير تعجبني طقوسه وحيويته ورؤاه ولمسته التي عايشتها جيدا ..في ثنايا زخم تفكير كاتب ..نعيش معه نشوة انتصار واعدة لكبير في النقد والإعلام المحترف .. بقى بختي بن عودة بقى في داخلي يتغلغل فلسفة ورؤى نقدية ومحطات من معارف يكتسبها الرجل في سياق الحياة ..نعم هكذا عرفته وارتبطت به روحيا في مقر الجاحظية ...نعم عشقته وعشقت لمسته هذا الذي يبدو عشقني بدوره من تفاصيلي وحراكي اليومي معه في ثنايا يوميات رسمها المعنى الجميل .. كان ملتصقا بالروائي العالمي عمي طاهر وطار يلازمه في وكر الجاحظية وكنت على مقربة منهما أحبه في صمت ..نعم عشقت بختي بن عودة هذا الأصيل الذي سكنتني باتولوجيته، وعشقت حتى حمضه النووي رؤية جينيالوجية من كبير لنا في ساحة الإعلام .. كنت على صلة بحراكه الإبداعي الجميل ...كنا نشرب معا شاي نادي الجاحظية ..وكلنا على أمل أن نعيش الاحتراق والهاجس حينما كنا كان على صلة جادة بتخمين عمي الطاهر وطار الذي كان يناديه عشرات المرات في اليوم لضبط عنوان أو تثوير فكرة أو ملامسة هاجس يدخل في صلب الإستراتيجية الوطارية التي جعلت من جمعية بسيطة مؤسسة قائمة بذاتها ..بختي بن عودة كان هاجسه تجسيد وضبط معالم إلى محكم لمنشورات الجاحظية ..أن يضبط بفطنته ..فهرس مجلة التبيين ..وأن يحضر لرحلته إلى العلمة حيث جاءته دعوة من هناك، تؤكد له ضرورة التواجد ..فعدم تواجد بختي بن عودة في أروقة المجمع الثقافي بالعلامة و الذي تم بناؤه خصيصا لأجل الأيام الأدبية للعلمة حينما كانت النشاطات تقام في أروقة المسرح البلدي القديم ..مسرح يقول التاريخ أنه رقصت فيه الراحلة المصرية الشهيرة " سامية جمال" واشترى لها محبوها هناك في العلمة ..هدايا عديدة من بينها حذاء جميل تم شراؤه لها بعد أن تمزق حذاؤها الأول .. في العلمة ..كانوا ينتظرون بختي بن عودة مهندس الملتقى فهو نجم الملتقى الأول ..وهو من يضع اللبنات الأساسية لترسيم وعي ووهج ملتقى كنا نحج إليه كي نعيش إرهاص الراهن الأدبي ونلتقي معا نعيش نكهة اللقاء ..مازالت صورته هناك تجمعني به وبجمال فوغالي نعيش إلى ولغة المحبة ..هناك عشنا المعنى الجميل تماما مثلما عشته معه ..حينما التقيت شاعرنا الجميل قريبيس بن قويدر هناك حينما زار العلمة لأجل بختي بن عودة ..و كلاما حالما أنه " جاء العلمة محمولا على نار.." ...يرصد محطات جميلة له مع فيلسوف النقد بختي بن عودة ..الذي ومن كثرة محبته لي ..قال رحمه الله للشاعر بن قويدر ..لا تخف ..سأزوركم في سيدي عيسى أنت ومهدي ..ولو اقتضى الأمر أنني آتي ماشيا إليكم من وهران ..كلمة كانت ترن في أذني دائما حينما أتذكر هذا الكبير .. كنت أحبه وكان يحبني ..ومن محبتنا ..كنت آخر من أجرى معه حوارا صحفيا في الجزائر ..كم كنت أعتز بنفسي أن أكون أنا الأخير من يحاوره قبل أن تغتاله أيادي الغدر ..وضبت جيدا الحوار الصحفي .. وكنت زمنها في آخر أيامي في الشروق الثقافي ..زمن مشؤوم حينما تم توقيفي نهائيا في مؤسسة الشروق العربي ..كنت حزينا كوني لم أنشر الحوار في الشروق الثقافي التي توقفت ..حزنت كيف لي لا أنشر حوارا لأعز صديق وآخ لي في الحياة ..وضعت الحوار في محفظتي التي لا تفارقني ..وقلت سأبحث عن جريدة تنشره فهو آخر حوار للراحل أولا ..وثانيا كنت متأكدا بأنه من المحطات المهنية الخالدة أن أحاور بختي بن عودة ..صدفة إتجهت إلى دار الصحافة البشير عطار بساحة أول ماي.. هناك وللصدف الجميلة ..التقيت صديقي الإعلامي الجميل السعيد نمسي الذي تحول من يومية " الخبر " إلى أسبوعية " الوقت " الصادرة بالعربية والتابعة آنذاك لمؤسسة يومية الوطن باللغة الفرنسية EL WATAN ...، السعيد نمسي الذي كان يشتغل في يومية الخبر ..وكنا معا يوما في مجلة " الوحدة " الخالدة ..كنا عشرة ومحبة أخوية تستمر لحد الآن مع كل كبار مجلة الوحدة ..قلت له ..سي السعيد تفضل ..هذا آخر حوار أجريته مع الراحل بختي بن عودة ..مسك الحوار ..لم يناقش ولم يطالع ..دخل مكتبا صغيرا ..أعطاني حقوقي في ظرف ثانيتين من الزمن .. 3000دج حقوقي ..يا الله ..ما هذا.. مبلغ يستحيل أن يناله إعلامي مهما كان في تلك الفترة ..؟؟..لم أناقش ولم أتساءل ..عاملني السعيد النمسي كأنني أشتغل في صحيفة " القبس" أو " الشرق الأوسط" ..فرحت وسعدت لكوني دخلت أول يوم بطالة في حياتي لأنال مبلغا يساعدني كي أشتري علبة سجائر " هوقار " وكلي.. فرحت لكوني دخلت عالما لم أكن أتوقع دخوله على الإطلاق .. نعم وهو كذلك أنت مع فيلسوف النقد والإعلام المحترف ذلك الناقد والكاتب والأستاذ ..واحدا من الذين يستحيل تعويضهم في ساحة الحياة ..هناك في وكر الجاحظية وعبر يافطة وضعها الكبير الطاهر وطار.. كان لك أن تعيش مضمون حكاية بنسوج تحمل تخمين العباقرة ..يافطة بعنوان فيه الإيحاء والجمالية والإضافة عنوان : " لا إكراه في الرأي" تعطيك مؤشرا تصالحيا أنك تعيش مع جيل رائد مميز ..جيل الأنتليجيسيا ..فبختي بن عودة يحيلك على أدونيس وجاك دريدا ..وعبد الكبير الخطيبي ...يلازم الكبار في سياقات إبداعية ونقدية وفلسفية.. حينما ارتسم لبختي بن عودة أن يعيش إرهاص كبار يزورهم في شوارع باريس هناك في أوروبا ، كان بختي بن عودة يسهر على أن يجمع ما تسنّى له من عملة صعبة، يجمع زمنها فرنكات فرنسية ، ليزور عباقرة الغرب الكبار ..كيف ولا وهو الذي كان يراسل ويهاتف عالم السيمياء والدلالات صديقه الحميمي ..جاك دريدا يلازمه و يهاتفه يوميا هكذا كانت شاهدة على ذلك شاعرتنا الدكتورة الروائية ربيعة جلطي حينما التقت جاك دريدا يحيلها على صديقه الجميل بختي بن عودة .. تقول الكاتبة ربيعة جلطي كلاما مؤثرا حينما التقت جاك دريدا الكبير : " ويعود ليحدثني عن صوت بختي المليء بالأمل في مكالماته له من الجزائر عبر الهاتف، عن مراسلاته، عن مشروع الملتقى الذي كان مزمعا إقامته بقصر الثقافة والفنون بوهران.. كنت أشاهد هذا المفكر الكبير الذي أدهشتْ نظرياتُه وأفكارُه عالم البحث في العالم، يتضاءل من الألم، ويتوارى صوته خلف وجع دفين ..مدّ جاك دريدا يده نحو محفظته الجلدية السوداء، فتحها، وأمام عينيّ المندهشتين أخرج رسائل المرحوم بختي بن عودة الموجهة إليه وبخط يده.. قال لي بابتسامة حزينة إنه لم يفهم فحوى بعضها لحد الآن على الرغم من قراءته المتكررة لها، وإنها لا تفارقه أبدا في جميع تنقلاته.." .. نعم هو الكبير في محفل الإضافات صديقي الراحل الذي بقيت مندهشا حينما سمعت من الأخبار أنه تم اغتياله في وهران بتاريخ : 1995/05/22 ...كان يلعب الكرة ..وكان يستعيد حيويته كي يرسم إطلالة على نص أو ومضة ترافقه كما العادة كي يرسمها انصهارا جادا في فضاء الإضافات ..غبي هذا قتله ..هو لا يعرف أنه كان مثل الماغول قضى على مكتبة بغداد وعلى حضارة كانت على وشك أن تولد رؤية حداثية لكاتب كبير ..بكى لأجله كاتب عالمي اسمه " جاك دريدا " يرسم لنا وللآخر حكاية ..كاتب كان وشك أن يهندس نظرية جديدة في عالم النقد والسيمياء ..هذا الذي قال لي في العلمة ..سآتي سيدي عيسى من وهران ولو ماشيا على الأقدام ..رحمة الله عليه كبيرا في محفل الإضافات ..