توجد كتب كثيرة في المكتبات الوطنية تؤرخ لمفاوضات إيفيان ولظروف إنعقادها وللدور الذي لعبه الساسة الجزائريون في ذلك المضمار الدبلوماسي المعقد وبراعتهم في التفاوض والسجال السياسي لكن الكتاب الذي بين أيدينا لصاحبه المجاهد السيد بن عبورة محمد يأتي بعد صدور كتاب له يحمل عنوان »مسار مقاوم وهراني« حيث يوثق الكتاب الجديد لصاحبه والمعنون »أواس« »وهران في حيرة« (1961 1962) لأحداث دامية في سنتي 61 و62 مبرزا المقاومة التي تحلى بها سكان وهران التي كانت قليلة العدد بالمواجهة مع القمع الوحشي للأوروبيين (الأقدام السوداء) لا سيما بعد الندوة الصحفية للجنرال ديغول بفرنسا في أفريل 1961 التي إعرف فيها بحق الشعب الجزائري في الإستقلال فأحدث ذلك التصريح شرفا كبيرا في أوساط الأوروبية بوهران فكانت درة فعلها وحشية في أحيائهم بترديد كلمات مدوية »الجزائر فرنسية« ومن هنا فكتاب سي بن عبورة يندرج في إطار واجب الذاكرة مبرهنا بالنسبة لمن لم يعيشوا تلك الفترة بوهران بالثمن الفادح الذي دفعه سكان المدينة بالدم والدموع ضد الأعمال القمعية للجماعات البربرية للمنظمة المسلحة السرية »أواس« وبعد أن تحدث عن النبدة التاريخية لوهران وماضيها الحضاري تكلم المؤلف حول الغزو الفرنسي للجزائر منذ 5 جويلية 1830 وكيف كانت السلطات الإستعمارية الفرنسية وقتها تطبق فعلا سياسة الأرض المحروقة من قتل الأهالي وتشريدهم وحرق مزارعهم، التهجير السري، النفي، إفساد الخلية الإجتماعية مصادرة المساكن العربية إلى ذلك من الأعمال الإجرامية التي تفنن فيها جنرالات فرنسا وغلاتها أمثال لاموريسيار بوجو، سان أرونو إلى ذلك من المظاهر الوحشية المقززة التي لا يسمح بها شرف الإنسانية وروى المؤلف المحرقة التي تعرض لها سكان إحدى المناطق من غرب الوطن في بدايات الفترة الإستعمارية وكيف يروي جنرال فرنسي سفاح قطعه لرؤوس الجزائريين وأيديهم وتعليقها في حربة البندقية لترويع الناس وإظهار جبروتهم الملطخ بدماء الأبرياء والمواطنين أولاد البلد الحقيقيين فهم أوروبيون شذاذ الآفاق لا أحل لهم يذكر فقط غزاة جاؤوا لإحتلال أرض طاهرة مسلمة ليست لهم وقسم المؤلف كتابه القيم الذي يعدم بها يؤرخ لتلك الفترة من وقف إطلاق النار إلى فصول وهي مقاومة الشعب الجزائري ورموزه منذ الغزو الفرنسي وما فرضه عساكر الإستدمار من منهجية التقتيل الجماعي وتعرض بعدها في فصل آخر إلى تاريخ مدينة وهران ونشأتها التاريخية وأطماع الأندلسيين ثم الإسبان وملوكهم والبرتغاليين أيضا وتكلم أيضا عن محاصرة وهران من قبل الإسبان إلى أن سقطت في أيدي الإستعمار الفرنسي وفي فصل آخر يدخل المؤلف إلى مدينة وهران وخلايا التنظيم الثوري بها وتثبيت المد النضالي بها من خلال شبكات حضرية مثل شبكة سي عبد الحميد وسي عبد الباقي ثم المقاومة والهجومات البطولية لفدائيي وهران من 61/1/1 إلى 10 مارس 62 هذه المقاومة المشرفة وثقها بتواريخ مضبوطة، تؤكد زمن وساعة كل هجوم فدائي على المعمرين من الأوروبيين في أحياء وهران ثم إنتقل بعدها إلى المرحلة الحساسة في مدينة وهران والمعنوية وهران في جحيم »أواس« مبرزا كيفية ظهور هذه المنظمة الإرهابية ثم كيفية العمل التي كانت تقوم به »أواس« من خلال مجرميها والخونة ثم عرض المؤلف بالتفصيل الهيكل التنظيمي لمنظمة القطاع السياسي والإداري لوهران كعينة عليه حي الدرب وكيف كان ينشط فيه الفدائيون والفدائيات عبر رمز »Y60« وأمانة هذا القطاع الذي يعد الوتر الحساس في التنظيم من خلال التقارير اليومية التي حاز بعدها عن العمل الفدائى والتوجيهات الموجهة للفدائيين للقيام بالهجومات وتطرق إلى ما أسماه باليوم الأطول (جوان 1962) مبرزا أن سكان وهران عاشوا الجحيم من 1961 إلى 1962 من خلال إنعدام الأمن بسبب جرائم تلك المنظمة السرية الإرهابية، التي كانت تعارض تماما فكرة إستقلال الجزائر عن طريق الجنرالات جوهور وصالان وآخرين وشرح أيضا مخطط العقيد أرغود الذي أراد عزل مدينة وهران وإفراغها من سكانها المسلمين وإستعمالها كورقة ضغط في المفاوضات التي كانت جارية بإيفيان ولكن النظرة الإستراتيجية للعقيد عثمان كانت بالمرصاد من خلال تعليماته الموجهة للشبكات الثورية الوهرانية لفك العزلة وضرب المواقع الفرنسية ورموزها . وفي سياق تلك الأحداث يروي المؤلف ما قام به المناضلون من مجهودات جبارة من أجل تنظيم إستفتاء تقرير المصير وروى ذلك الإستعراض الكشفي الوطني التي قامت به عناصر الكشافة الإسلامية لكن سرعان ما سمعوا طلقات الرصاص ولم تبق سوى أيام معدودات من إعلان نتائج الإستفتاء .... أن مجرمي »أواس« قاموا بتخويف ومحاولة قتل الجزائريين في ساحة »ڤرقينطا« وفصل كيف إستعد الفدائيون لتلك الإستفزازات بضبط النفس هذا وقال المجاهد سي بن عبورة أن فرحة الإستقلال كانت كبيرة وتيقنا أننا حينها يجب علينا قيادة مصير بلادنا بأيدينا .