سئل نهار أمس في منتدى الجمهورية والي وهران عن حال هذه المدينة، التي يبدو وكأنها عجزت عن تنظيف نفسها رغم النوايا الحسنة والمجهودات التي يبذلها عمال النظافة، لكن لا شيء تغيّر فكيف نبني بناء ومعول الهدم له بالمرصاد. الوالي أجاب إجابة مقتضبة ولكنها في الصميم، لأن ما ينقصنا ليس النظافة إنما الحس المدني والإحساس بالمسؤولية وبروح التحضر الغائب في الواقع ليس في وهران وحدها ولكن بكل المدن لا سيما الكبرى. فالتحضير الذي ميّز السكان على امتداد العقود، واكبهم في ملبسهم ومعيشتهم مظاهرهم بالخصوص، لم يواكبهم في سلوكاتهم التي لا تزال سمات البداوة واللامبالاة تغلب عليها، وهكذا يعجبك الرجل وهو يرتدي أبهى الحلل ويحمل حقيبة ويمتطي سيارته للإلتحاق بمكتبه، ولكنه لا يكلّف نفسه عناء حمل نفاياته المنزلية الى مكانها المخصص ويتركها في الزاوية أمام العمارة، أو منظر تلك المرأة التي تلبس آخر صيحات الموضة، وترمي بمخلفاتها من النافذة، وهكذا... هذا غيض من فيض، فسلوكاتنا لم تتبدل، نرمي كل ما يقع بأيدينا، في الشارع، في الحديقة، في الطريق، لا نعبأ بأحد ولا يهمنا لا منظر، تلك الأكوام المتراكمة، ولا تلك القارورات المرمية أو الأكياس البلاستيكية، ولا حال البيئة التي نعيش فيها، فالأنانية وحب الذات وغياب روح التمدن بات يلازمنا، وكأننا جبلنا على هذه العادات لدرجة تأصلت وتجذرت فينا ولا يمكننا التخلص منها، فالعيب إذن ليس في هذا المسؤول أو ذاك أو عامل النظافة إنما العيب فينا نحن كسكان لا نحافظ على المكان الذي نعيش فيه، فانعكس الإهمال على محيطنا ككل وعلى مدننا التي شوهت الأوساخ منظرها وطمست معالمها، وجعلتنا محل استهزاء من قبل بعض الأجانب، وتحضرني هنا ملاحظة وجهها لي أحد الفرنسيين زار وهران، فتعجب لكثرة المتسولين والأوساخ، فقال الفقر وأتفهمه، أما الأوساخ أمام العمارات وفي كل مكان هذا ما لم أهضمه ولا يقبله العقل. هكذا إذن أصبح حالنا بسبب إهمال قواعد النظافة بالمحيط واقتصارها على البيت أو الشقة التي يعيش بهار الفرد، فحتى العمارات التي هي ملكية مشتركة تعاني الإهمال، وكأن أمرها لا يهم السكان ككل مادام كل واحد يدخل شقته ويغلق بابه عليه هذه هي «المواطنة» لا أحد يبالي بالآخر وبما يجري حوله، بالعمارة أو الحي، المهم «تخطى راسي وتفوت». ومادام الأمر كذلك، والأوضاع تزداد سوءا في غياب أي حس أو وازع أخلاقي، يبقى الأمل معقودا على الردع والعقاب من أجل إلزام كل واحد حدوده وإجباره على التقيد بواجبات المواطنة والمحافظة على البيئة، وهذا بسن قوانين ردعية لا تسثني أحدا، حتى وإن تعلق الأمر برمي ورقة، كما هو الحال بسنغفورة أنظف مدينة في العالم، بسنها قانونا يفرض على كل مواطن يتسبب في تلويت الشارع ولو برمي ورقة غرامة قدرها 320 أورو، وهكذا تحولت الى أنظف مدينة في العالم، فهلا نتعظ ونجعل من وهران ليس أنظف مدينة إنما مدينة نظيفة.