في قاعة تحريرنا، كنت دائما أتملّص من الإستجابة لكتابة التعازي وكُنّا دوما نُلْصِقُها بزميلنا وأخينا المتقاعد محمد اسماعين، ونطيّب خاطرَه بكلمات جميلة ونعترف له بجودة كتاباته، كيف لا وهو التقي الوَرع إبن الإمام الحَبر. اليوم، لا هروب فاسماعين غير موجود وأَجِدُني لا أَكتبُ تعزية بل رثاءً، وقد إغروْرَقت مقلَتَيّ دموعا بمجرد أن تزاحمت صوّرُهم أمامي. من أينَ أبدأ؟ من غرداوي؟ بركان العِلم الصامت؟ أم مِن جمال الدين زعيتر، الحس المرهف والوجه الجميل الذي تمنّته كل بنات حَوّاء؟ أم من الخالدي محمد (فلس) ابن فلسطين التي أبت أن تنكسر؟ أم شرفاوي محمد. مِخْبَر النكث والضحك ونحن في مهماتنا لإنجاز إستطلاع أو تحقيق؟ وهل تراني أنسى أب اسمهان الأديب الذي رحل دون أن يوَدّع، أخي الذي لم تلده أمي بختي بن عودة، ثم هل أنسى نصروش ورفيقة دربه تذكرني به كل صباح. تحريرنا حُبْلٌ بأقلام صنعت التمَيّز زمن الصحافة العمومية، إدَارتنا سارت على المنهج نفسه ومصلحتنا التقنية، وهنا تتجلى أمامي صورة عمي عبد الحميد زاير بهامته وكبريائه وروحه النقابية، وهل ننسى بوكروشة محمد، وبن صافي وقويدر بن سالم ولا أريد أن أطيل في ذكر الأسماء لأنه أكد أنني نسيت الكثير منهم، مِن مَن عاصرتهم، أو الذين سبقوني وجعلوا من هذه «الجمهورية» الحضن الدافئ فلم تتخلى عنهم فهم اختاروها وهي كانت الأُمَ الوَدود التي فتحت صدرها للجميع. لن أنس عَوّان ابن (ريو سلادو) العصامي الذي تعرّب رغمًا عنه لأنّه أراد أن يدلي بدلوه في لغة «الضاد» وكان له ما أراد، وهل أنسى بوكعباش، وفرّان محمد (طامسه) واسألوا عنه عدة محمد (أطال الله لنا في عمره) وبالمناسبة أقول له: حتى أروقة الجريدة تتقفى آثارك فَهَلاّ عُدْت يا أخي !! أحبائي الأحياء، والأموات استسمحكم عذرا فلا أريد أن أطيل حتى لا يزيد الجرح المفتوح إنفتاحًا، فقط أقول، إن الذكرى للإنسان عمرٌ ثانٍ، وهناك أموات أحياء في قلوبنا وأحياء أموات لا ذكرى لهم في ذاكرتنا...