... لست أدري كيف مرّ ذلك اليوم الذي افتقدنا فيه الزميل غرداوي محمد الذي كان أخا وصديقا وأبا أيضا... كانت الساعة حوالي الثامنة صباحا من يوم 26 أكتوبر 2005، لما كلّمتني زميلتنا »عائشة زمام«... تفاجأت لمكالمتها المبكرة، لم تمهلني ثواني لأستفسرها عن فحوى المكالمة حتى سارعت بالتوضيح »خبر ليس بالجميل، غرداوي توفاه اللّه...« لم أصدق مسمعي ودارت الأرض بي، »هل الخبر حقيقة«؟ ركبت طاكسي وتوجهت مباشرة إلى جريدة »الجمهورية« فالخبر وصلني وأنا أوصل إبني الأكبر إلى روضة مسجد أبي بكر الصديق... ثواني أو دقائق لست أدري ووصلت ورمقت في المدخل الرئيسي زميلتنا »عاصم فاطمة« وهي مجهشة بالبكاء، ساعتها فقط أدركت أن خبر الوفاة حقيقة... لم تقدر رُكبَتَيّ على حملي إلى الطابق الأول لتقفّي الخبر وأسباب الوفاة حتى لايتمكن الإنهيار مني، فالجو كان كئيبا والزملاء كانوا على وقع الصدمة والفاجعة، اتفقت أنا وعاصم على التوجه مباشرة إلى منزل المرحوم، ومرة أخرى تأكدت أن خبر الوفاة حقيقة، وتقطعت قلوبنا هناك ونحن نراقب التحضيرات النهائية لمراسم الدفن وحال ووضع زوجته وأبنائه وخاصة البنت الصغرى لم تتعد الرّبيعين من العمر. هذا اليوم الرمضاني بفاجعته الكبرى ذكّرنا بيوم رمضاني آخر كان يوم 17 فيفري 1995 لما افتقدنا الأخ والزميل زعيتر جمال الدين وما أثقلهما من يومين في حياتنا ويومياتنا الصحفية المثقلة والقاسية... ... ما كان يجمعنا بغرداوي محمد، تعدى القلم والورقة والعنوان المضبوط، وحتى لا أنسى وحفظا للجميل كان يبدو للذي يعرفه للوهلة الأولى صعب الإندماج والمعاملة لكن سرعان ما تتغير هذه الصورة إلى الأجمل، فكان فؤادا عظيما وكبيرا وفريدا وكان عقلا موسوعة، وأتذكر أنني قرأت له ذات يوم تحقيقا بخط اليد والحق يقال لم أعثر ولا على خربشة أو خطأ نحوي، فقلت في قرارة نفسي كل هذه العظمة يختزنها غرداوي... وبعدها علمت أنه يسهر الليل كثيرا للقراءة والتفتيش في الكتب وهو ما زوّده بعقل نظيف وبمعلومات مرتّبة كان لنا الحظ في أن نقترب منها. تواضع المرحوم قرّبنا كثيرا من عائلته، زوجته وأبنائه وكنا ثلاثة مفضلات لديه، مع مر الوقت أصبح يقتسم معنا مناسباته السعيدة، كَم مِن مرة حمل لنا »حقّنا« من حلوى العيد مهيّأة في أجمل حلة، وجاءنا بمكسرات »النّاير« لكلّ منّا نحن الثلاثة نصيبها، كل كيس أجمل من الآخر... وكم من مرة دعانا إلى أعياد ميلاد أبنائه وأتذكر عيد ميلاد سارة الذي استضافتنا فيه زوجته نحن الثلاثة بقلب واسع وكبير، كبر عظمة المرحوم غرداوي... ... أرأيتم ما كان يجمعنا بالمرحوم أكبر من أن يوصف أو تسرده أنامل يد، ولهذه الأسباب رفضت الكتابة عن ذكرى غرداوي لأنني لا أطيق الكتابة عن فراق غالٍ وعزيز، لكن زميلنا »عدة محمد« أجبرني وأيقظ في نفسي الدّفين الأليم، فرحمك اللّه أيها الصديق العزيز والزميل المثال، وعزاؤنا في خلفِك الصّالح إن شاء اللّه فلذات كبد أمهم العظيمة والمثالية وعزاؤنا أيضا في تلاميذتك بجريدة »الجمهورية«، فالجنّة مثواك ومثوانا بإذن الله.