مزايا عديدة تكتنزها بلدية ستيديا وتبهر بها الزائر إليها حتى أن الألمان ذات يوم استوطنوها ليجعلوا منها جنة بما تتوفر عليه من مياه وأراضي خصبة وساحل ساحر قديدر عليها أموالا طائلة إذا ما استغل أحسن استغلال فالتاريخ ما زال يحمل في الروايات الشعبية والوثائق القليلة التي تم العثور عليها أسرار بلدة ستيديا التي اشتهرت قديما بوفرة مياهها لكثرة الينابيع التي كانت حافزا لقيام قرية بأكملها وذلك ما جعل قبائل ألمانية تحط الرحال بها. الألمان الذين هاجروا بلدهم الأصلي عن طريق ميناء »دانكارك« بفرنسا إلى الشمال الوهراني سنة 1846 وقبل وصولهم إلى ستيديا كانوا قد ذاقوا أهوالا وبأسا شديدا في البر والبحر من الحدود الألمانية الفرنسية وصولا إلى محطتهم الأخيرة ستيديا مرورا بالمرسى الكبير في وهران. وفضلا عن أسرارها التاريخية فإن بلدة ستيديا تقع فلكيا في خط الطول الذي يحدده المرصد الفلكي الشهير الموجود في مدينة غرينتش بإنكلترا جنوب غرب العاصمة لندن وبذلك سمي خط غرينش كل هذه المميزات الطبيعية والتاريخية والفلكية التي تنفرد بها بلدة ستيديا جعلتنا ندرجها في اهتماماتنا للتعرف على واقعها الحالي والأوضاع الاجتماعية لسكانها الذين يتحلون بحسن الضيافة والكرم الحاتمي . فعلى طول المسافة ال 15 كلم الفاصلة ما بين مدينة مستغانم وستيديا وعبر الطريق المزدوج السريع كانت تظهر لي من زجاج السيارة وعلى امتداد البصر حقول وأراضي خضراء خاصة مساحة الكروم والتي تم غرسها منذ سنوات في اطار تجديد شجيرات العنب بمختلف أنواعه بأراضي المنطقة بإعتبارها فلاحية خصبة لإنتاج العنب ولا سيما عنب الخمور لكن لفظة ستيديا وقصة الألمان بها ظلت تقتحمان مخيلتي فصرفت النظر عن الطبيعة وجمالها الأخاذ واستغرقت أفكر في معني الكلمة والقصة وبمجرد وصولي كان لي لقاء مع بعض شيوخ المنطقة الذين لا زالت ذاكرتهم تحتفظ بما سمعوه وروي لهم أب عن جد وما استخلصته من الحديث معه أن لفظة ستيديا وإن لم يعرف لحد الآن معناها الحقيقي فهي لفظة بربرية وهو يدل على أن قبائل بربرية عاشت بالمنطقة قبل الفتوحات الإسلامية ولكن الإستعمار الفرنسي أثناء وجوده بالقرية أطلق عليها اسم جورج كليمانسو وهو أحد القادة الفرنسيين إلا أن السكان لم يتأخروا في استرجاع اسمها الأصلي ستيديا بعد سنة 1962 . كيف استوطن الألمان ستيديا؟ كل هذا حدث في ستيديا قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية قبائل ألمانية تحط الرحال بالمنطقة بتسهيلات من طرف السلطة العسكرية الفرنسية التي كانت تحتل الجزائر ومنحتهم الجنسية الفرنسية حتى صاروا ضمن قوائم الأقدام السوداء الفرنسية حتى ساعة رحيل كل الفرنسيين من الجزائر غداة استرجاع السيادة الوطنية إذن فما هي قصة الألمان المهاجرين من الحدود الألمانية الفرنسية مرورا بدانكارك إلى المرسى الكبير ثم ستيديا إذ قبل الحرب الألمانية الفرنسية كان سكان المناطق الحدودية ويقدرون بعشرات الآلاف قد عاشوا فقرا مدقعا فعل فيهم فعلته حتى داهمهم الجوع وأدى بهم ذلك إلى الإنحلال الاجتماعي والأخلاقي حتى اتجه بعضهم بل الكثير منهم نحو التسول والشحاذة وإلى البغاء واللواط لكسب لقمة العيش وفي الوقت الذي اشتد بهم الإملاق راودتهم فكرة الهجرة من حدود ألمانيا إلى الشمال الافريقي لكن الشخص أو الأشخاص الذين أرادوا نقلهم عبر البحر فيما بعد أنهم أشخاص محتالون جمعوا منهم الأموال ثم اختفوا تاركين الآلاف من الألمان في ميناء دانكارك الشيء الذي عقد أوضاعهم أكثر فكان الحل الوحيد بالنسبة لهم هو المغامرة في عرض البحر والوسيلة التي اهتدوا إليها هي مغادرة ميناء دانكارك في إتجاه وهران على متن زوارق وسفن شراعية وقد قدر المغامرون بالآلاف من الألمان رجال ونساء وشباب وأطفال رضع ولطول المسافة التي تزيد عن 600 كلم تعرض الجميع في عرض البحر إلى عواصف بحرية دمرت عدة زوارق وهلك منهم مئات الأشخاص أما ماتبقى من سفن شراعية وزوارق فعانت الويلات من جراء العواصف والأهوال الأمر الذي دفع بالكثير من الركاب إلى إلقاء أمتعتهم في البحر وبقي هدفهم الوحيد هو النجدة بأجسامهم وأنفسهم لأن الزوارق كان ثقلها بالأمتعة يهددها بالغرق وهلاك معظم المسافرين وكان وصولهم إلى ميناء المرسى الكبير بوهران في حالة يرثى لها نتيجة أهوال المغامرة وبعد أيام من مكوثهم في المرسى الكبير قررت السلطة العسكرية وكان ذلك في سنة 1846 ترحيلهم على متن باخرة ضخمة من وهران إلى ستيديا مرورا بميناء أرزيو ومن سوء حط أولئك الأمان المغامرين أن الباخرة التي تقلهم من أرزيو في اتجاه ميناء مستغانم قد تحطمت لأسباب بقيت مجهولة قرب ساحل بلدية المحڤن وهلك عدد كبير منهم وواصل الباقون رحلتهم عن طريق البرمشيا على الأقدام في اتجاه ستيديا وأثناء الطريق توفي عدد آخر من الأطفال والعجزة علما أن النازحين لم يكونوا على دراية بالمنطقة بل كان همهم الوحيد هو الاستقرار بالمنطقة وبمكان تتوفر فيه أدنى شروط الحياة مثل المياه وبما أن بلدة ستيديا كانت مشهورة بوقرة المياه فيما كادوا يدخلون إليها حتى أدركوا إستراتيجية المنطقة وخاصة المياه المتوفرة فيها والتي إستهوتهم لحط رحالهم فيها فكان لهم ما أرادوا ومكثوا بالمنطقة سنين الى أن إندلعت الحرب الفرنسية الألمانية عام 1870 وبعدها فرضت عليهم فرنسا الجنسية الفرنسية فتجنس معظمهم بذلك واعتبروا مواطنين فرنسيين، فما كان على سلطات الإحتلال الفرنسي إلا أن تمنحهم أراضي الجزائريين المسلوبة والمصادرة منهم وإندمجوا مع المعمرين المحتلين وبالتالي صاروا في قوائم الأقدام السوداء الى غاية نهاية إحتلال فرنسا للجزائر. مدار غرينيش بلفت إنتباه الزوار في مدخل بلدة ستيديا عبر الطريق السريع تلفت إنتباه الزائر لوحة كتب عليها "مدار غرينيش" وإن كان القليل يعرف أن ستيديا تقع ضمن مسار المدار الفلكي الذي تقع فيه مدينة غرينيتش الإنجليزية فالكثير ممن يترددون على نفس البلدة هم لا يدركون القصد من وضع هذه اللوحة دون أضافة المعلومات الوافية فمن المستحسن هو الإشارة ولو في جدارية كبيرة الى المرصد الفلكي الشهير الموجود بمدينة غرينيش غرب جنوبلندن عاصمة بريطانيا وأن بلدة ستيديا تقع في نفس مدار غرينيش مع مجموعة من مدن وقرى في بلدان أخرى. إن موقع بلدية ستيديا يمتاز بخصوبة أراضيها الفلاحية الصالحة لإنتاج الخضروات الخضروات المبكرة مثل الطماطم والفلفل وغيرها لكون تربتها حارة كما أن أراضي ستيديا مشهورة بكروم العنب وخاصة بعد تجديد الأشجار الهرمة بأخرى أكثر إنتاجا على مدى سنوات طويلة وزيادة على ذلك هناك مساحات لزرع مختلف أنواع الحبوب وكذا غرس الأشجار المثمرة وتصلح أراضيها لإنتاج البقول الجافة كالحمص واللوبياء والجلبان. ونظرا لصلاحية أراضي ستيديا في إنتاج العنب تم تنفيذ برنامج تجديد أشجار الكروم تشمل مساحة 470 هكتار تابعة لتسيير الديوان الوطني لتسويق منتوجات الكروم وقد دخلت في الإنتاج منذ سنة 2004 إذ ساعد على ذلك وجود معصرة خاصة بالعنب ويبلغ عدد الفلاحين المنتجين للعنب ببلدية ستيديا أكثر من 50 فلاحا، ومعظم الفلاحين هم بحاجة الى الدعم الفلاحي. هذا ونجد معظم سكان بلدية ستيديا والبالغ تعدادهم حسب الإحصائيات الأخيرة أكثر من 21 ألف نسمة يعتمدون في معيشتهم على الفلاحة وتربية المواشي والدواجن وعلى مختلف أنواع الصناعات التقليدية، وينتظر من السلطات الولائية إقامة مشاريع تخص طبيعة المنطقة كوحدات لتربية الدجاج سواء الخاص بإنتاج البيض أو بإنتاج اللحوم البيضاء. مستقبل واعد في البحر فضلا عما يمكن أن يدره البر من خيرات على منطقة ستيديا خلال السنوات القادمة بفضل خصوبة الأراضي وتواجد المياه الجوفية فإن الآخر يشكل مصدر رزق وثروة هائلة لو عرف المسؤولون كيف يستغلون البحر وينجزون مشاريع خاصة بموارد البحر وخاصة تصبير السمك الذي يمثل ثروة هامة، ولكسب الرزق وتحسين الموارد المالية للبلدية لا بد من تحفيز المستثمرين لإنجاز وحدات ومرافق سياحية على طول الشاطئين اللذين تتوفر عليهما ستيديا مثل الفنادق والبنغالوهات والمطاعم والمقاهي وحظائر السيارات ومحلات التسلية والترفيه والألعاب نقول هذا بعدما لاحظنا في عين المكان النقص في المنجزات والمرافق والتي لا تلائم العرض وكل الخدمات المطلوبة في موسم الإصطياف، علما بأن الشاطىء القديم يتربع على مساحة 48 هكتارا وعلى 2 كلم طول وبإمكانه إستقبال 3000 مصطاف يوميا وما يؤهل شاطئي ستيديا لذلك وللتطوير أكثر هو محاذاته لمحيط الطريق السريع الرابط ما بين مستغانمووهران. ميناء جهوي للصيد البحري ينتظر أن تنطلق قريبا الأشغال الكبرى لإنجاز ميناء للصيد البحري بساحل ستيديا وقد قدرت مديرية الأشغال العمومية لولاية مستغانم تكاليف هذا المشروع بمبلغ 40 مليار دج ومن شأن هذا الميناء أن يخفف الضغط على موانىء مستغانمووهران والغزوات لأنه يستقبل البواخر من الحجم الكبير، وقد حددت مدة الإنجاز ب 14 شهرا وعند إستغلاله يصبح جاهزا لإستقبال سفن صيد السمك، وللتذكير فإن ساحل منطقة ستيديا يتوفر على إمكانيات طبيعية وبحرية وثروة سمكية معتبرة، مما يساعد على توسيع الميناء المرتقب الى مرفأ لقوارب النزهة والسياحة فضلا عن نشاطه الأصلي في الصيد البحري. وقبل مغادرتنا هذه البلدة الهادئة إنتهزنا الفرصة وتحدثنا مع بعض السكان الذين إلتقت آراؤهم وأفكارهم بل وطموحاتهم حول الإمكانيات الطبيعية الهائلة والتي بإمكانها إخراج المنطقة من خانة البلديات الفقيرة الى مصاف البلديات الغنية وهذا في حالة عزم مسؤولي البلدية على طلب المزيد من المشاريع التنموية.