أكد الناقد المسرحي المصري " سعيد نصر سليم " في تصريح خاص للجمهورية أن عرض " طقوس الموت و الحياة " للمخرج المصري " مازن الغرباوي" لقي استحسانا كبيرا من لدن الجمهور الجزائري ، الذي تابع باهتمام المسرحية التي قدمت مؤخرا على ركح " بشطارزي " خلال فعاليات الطبعة التاسعة للمهرجان الدولي للمسرح المحترف بالجزائر العاصمة ، مشيرا إلى أن نجاح العرض سببه عدة عوامل أهمها الرؤية الفنية التي أبدع المخرج في توظيفها ،و أسلوب الإخراج الذي بدا واضحا منذ المشهد الأول بعيدا عن أي تشويش أو فوضى ، كما أن هذا الأخير لم يستخدم أيّة تقنيّة سينمائية ،ولا حتّى خِدَع ٍ مسرحية لتمويه المشاهد، بل بالعكس قدم عرضا خال من أي إبهار أو ضعف أو انهيار - على حد تعبيره -، وهذا ليس بالأمر الجديد عن المخرج " مازن الغرباوي " - يضيف محدثنا - فالمعروف عنه إجادته في انتقاء الفنانين والفنيين ، كما أن الرؤية الفنية لمنهج وأسلوب الإخراج لديه واضحة وصافية في ذهنه ، وغير مُشَوّشَة ، وهو لا يترك شيئا ً للظروف أو المصادفة . مزج بين الشاعرية و الموضوعية وفيما يتعلق بنص المسرحية التي كتبها الدكتور " عصام عبد العزيز " ، يشير الناقد " سعيد نصر " إلى أنه كان بسيطا ، انسيابيا ، وشاعريا ، حيث قدم بلغة راقية من غير افتعال ، حيث أكد من خلال مشاهده أن الغيرة عِند المرأة هي غريزة فطرت بها ، ومن الطبيعي أن يتمخض عنها هذا النوع من الصراعات الإنسانية ، كما حاول كاتب النص – حسب الناقد – أن ْ يؤكد لنا بذكاء أنّ الثائر لا يُمكِن أن ْ يخون .. وأن موقفه الثوري لا يتجزأ ... ولا يتناقض مع نفسه لا اجتماعيا و لا سياسيا ً ولا حتى وطنيا ... وفي المجمل النص كان جيدا من حيث الصياغة ، الحوار والكلمات ...وهو ما يجعله - يضيف الناقد - أشبه بزورق يسبح بنا في نهر مِنَ الموسيقى ، يتدفق مِنْ بداية العرض ، وحتى النهاية ، دون توقف .. موسيقى سحرتنا .. بهرتنا .. سرقتنا مِنْ أنفسنا ..ً ولأنّ المخرج الفنان البارع ، ومايسترو العرض ، وربان السفينة " مازن الغرباوي" ، كانَ يُمسك بالدفة ، والمجداف ، و نوتيّا ً يقظا ً لإيقاع العرض ، كل شيء عند " مازن الغرَباوي " بميزان ، وحسابات ، وعينه وحِسّه ُ على الإيقاع العام ، وكأنه ترزيّ ماهر يُطرّز ُ تُحفة ً من " الدانتيلا " .. وبعقل فنان ٍ واع ٍ يقظ كان قويا ً وجسورا ً ، مقداما ً ومتمكنا ً .. واعيا ً ، وواثقا ً . تميز في الآداء و براعة في انتقاء الأزياء أما فيما يخص أداء الممثلين فقد أثنى الناقد المصري " سعيد سليم " على الظهور المتميز للفنانة " نُهى لُطفي " ، واصفا إياها بالممثلة الاستعراضية الشاملة و شديدة الموهبة ، حيث استطاعت هذه الأخيرة – حسبه – أن تلفت انتباه الحضور بشخصية الأرملة الشابّة الرقيقة ، التي لم تخلع رداء العُرس بعد ، لتشهد فجيعة موت زوجها الثائر، فالأداء الذي قدمته " نهى جعل كلّ مَنْ في الصالة يتعاطف مع مأساتها ويشعر بعجزها ... جعلتهم ينزفون معها شجنا ً... ويتوجَّعون معها ألما ً، وما زاد في حرارة المشهد المأساوي هو ظهور الأرملة الثانية التي جسدتها الفنانة القديرة "وفاء الحكيم " ، والتي ظهرت على الركح بثوب أسود يدل على الحداد و الحزن ، وراحت تبكي وتلطم على وفاة نفس الزوج، وهنا تبدأ معركة الصراع بين الأرملتين اللتان اشتعلت بينهما مشاعر الغيرة على رجل ميت متهم بالخيانة الزوجية ، مما يخلق سوء الفهم الذي يؤججُ النزاع بينهما ويلهب نار الحرب بينهما ، لكن سرعان ما تكتشف الأرملتان براءة الزوج الفقيد الثوري من الخيانة ، ويزول الشك اتجاهه.. ولأن الأزياء مكملة لشخوص العرض المسرحي فقد كشف محدثنا أنها كانت رائعة ومناسبة ، إذ تم اقتناؤها بعناية تامة حتى تعكس لوحات فنية راقية ، وتخلق حسا جماليّا ، وشاعرية أكثر على أجواء العرض رغم مشاهده المأساوية ، حيث قام المخرج بتوظيف اللونين الأبيض، والأسود ، دلالة على نفسية الشخصيتين المتصارعتين و المتناقضتين في الفكر و الرؤية و الموقف . سيمفونية " الضوء واللون " وفي ذات الصدد صرح محدثنا أن السينوغرافيا التي وظفها الدكتور " أحمد عبد العزيز " جاءت شفّافة ، رائعة و شديدة الرومانسية ... حيث أنها " بددت وحشة المقابر ، ورهبة الموت .. وما زاد في جماليتها – يضيف السيد سليم " هو اللوحات الإبداعية الراقصة التي صممتها " كريمة بدير" موظفة بذلك الفكر و الخيال و الإبداع ، حيث لم تبخل هذه الأخيرة بما أجادت به ِ موهبتها ، وقريحتها ، وخيالها الثريِّ ، خاصة لوحة " التانجو" الراقصة التي ظهرت فيها الممثلة " نُهى لُطفي " و الممثل " ميدو آدم " ..دون أن ننسى بطبيعة الحال سيمفونية " الضوء واللون " التي استخدمها " رامي بنيامين " في لوحاته الفنية ، حيث قدّم عزفاً بالضوء دون إبهار ودون إقحام .. واعتمد بالأساس على " الضوء الأحمر" الذي يرمز للاستشهاد ، والأزرق الذي يرمز إلى " الحلم " برومانسيته ، وشاعريته ، أما الأبيض فقد رمز للنقاء و الشفافية ، وعليه فقد أجاد في توظيفها لواقع الحال والأحداث ، و الذي كان له بالغ الأثر والتأثير في نفسية المشاهدين .