كانت الثورة الجزائرية وهي في أوج عطائها،تصنع الحدث الثوري والسياسي،مثلما تصنع الإبداع الفكري والثقافي،لقد كانت قبلة الثوار ومصدر الهام المثقفين،ألهبت حماس المبدعين الجزائريين ممن عايشوها،مثلما تجاوب معها أحرار أدباء العرب ممن تحمسوا لها. فتولد على كل ذلك أدبا ثوريا جزائريا،شعرا ونثرا،ومن الأمثلة الإبداعية على ذلك،يمكن أن نقرأ في مجال القصة القصيرة – مثلا – مجموعة "نفوس ثائرة" لعبد الله الركيبي،أو قصة "نوة" أو"محو العار" للطاهر وطار. مثلما نقرأ لعثمان سعدي وعبد الحميد بن هدوقة وغيرهما. أما فيما يخص الشعر الثوري فيمكن أن نطلع على ديوان"اللهب المقدس" لشاعر الثورة أو ديوان"النصر للجزائر"لأبي القاسم سعد الله كما نقرا لغيرهما. ومن الشعر العربي نجد "ديوان الجزائر" للشاعر السوري سليمان العيسى،كما نقرأ ديوان"أوراس"لأحمد عبد المعطي حجازي،وفي المسرح الشعري نعرض ل:"مأساة جميلة" لعبد الرحمان الشرقاوي.مثلما نقرأ قصائد أخرى عن الثورة الجزائرية لشعراء عرب كبدر شاكر السياب ونزار قباني ومحمد الفيتوري وغيرهم.مع ملاحظة أن الأدباء العرب قد خلدوا الثورة الجزائرية شعرا أكثر مما عرضوا لها في النثر،فيكفي أن نشير إلى أن المراجع قد أحصت ما يزيد على السبعين قصيدة شعر ألفت – فقط – على المناضلة جميلة بحيرد.مثلما ألفت دواوين شعرية كاملة على الثورة الجزائرية. في حين قلما نجد توظيفا للثورة في الرواية العربية،أما القصة القصيرة فالأمر لا يختلف كثيرا فبالكاد تجد قصة فيها إشارة إلى الثورة في مجموعة قصصية؛ويمكن الإشارة إلى مجموعة"عيناك قدري"للكاتبة السورية غادة السمان،والتي احتوت أكثر من قصة على الثورة. كانت الثورة الجزائرية ثورة تحرير عادلة وقوية ناصرت الإنسان الجزائري ودفعت عنه الغبن والتسلط المرير فكان أن تجاوب معها الجميع بما فيهم الفنانون والأدباء. لقد ألهمت الثورة التحريرية الجيل الذي عايش الثورة،مثلما تجاوب معها الجيل اللاحق من فترة الستينيات وما تلاها،وانعكس ذلك جليا في آدابهم خاصة عندما ظهر فن الرواية في بداية السبعينات؛حيث أخذ هذا الفن شحناته الأولى من بطولات الثورة،واستمر على هذا النحو حتى فترة الثمانينات من القرن الماضي. يبدو أن لعامل الزمن مفعوله في التجاوب مع الثورة أدبيا،فكلما ابتعدنا زمنيا عليها كلما قل توظيف موضوعاتها،بل وقلت الشحنة العاطفية التي كانت تلف بطولاتها،وبدا التعامل معها أكثر عقلانية ونضج،حيث أصبحت تظهر مواضيع الثورة كمرجعيات وكتأثيث تيماتي وطني،يدعو إلى التأمل والاعتبار بدل الدهشة والإعجاب . أما إذا أردنا أن نحدد إلهامية الثورة للجيل الجديد فسنجد أن الأمر خاضع لمعطيات مختلفة،منها ما يختص بالكاتب المبدع؛فيما يتعلق بمخزونه التاريخي وما علق بذاكرته عن الثورة وكذا موقفه منها؛على أساس أن الثورة الجزائرية كحدث بطولي وتاريخي لم تفقد بريقها وألقها،ومازالت ملهمة للكثيرين،كما لازال بها هوامش كثيرة يمكن تفعيلها وتوظيفها في العمل الأدبي،خاصة ما كان مسكوت عليه من أحداث وقعت أثناء حراك الثورة وتفاعلها،فالجيل الجديد مع ما لديه من جرأة،فبإمكانه استغلال بعض من هامش الحرية المكتسب حاليا ليرفع القداسة المبالغ فيها عن الثورة، حتى يوظف ما كان طابويا ثوريا في وقت سابق.إذ أننا نعتقد بأن هناك صيغ فنية مختلفة يمكن أن يستغلها المبدع تسمح له بتأثيث عمله الأدبي بتيمات الثورة ومرجعياتها. وبقدر ما يكون الأديب متحكم في أدواته الإبداعية والفنية بقدر ما يكون بعيدا على التقريرية والتقليد، وهما من العوامل التي قد تصيب العمل الأدبي بالجمود وبالتالي السقوط الفني في مواجهة القارئ الجديد والذي له رؤى مختلفة عن الثورة الجزائرية .