تجلسني الأقدار مرغما أمام أرواق أخرى، لأبحث عنك بين الكلمات ،لأكتب عنك ما أعرفه تاركا ما لا أعرفه للمجهول عساه يخبر عنك. يوم كان للبرد ،تخبو فيه الحركات فيه شيء من طعم رحيلك ... فيه شيء من أيام عطلك لنهايات أسابيعك الجميلة الناعسة ... وبدايات حنيني إليك . يوم من أيام عطلة الأسبوع ،رأيت فيه كيف كنت تستيقظين متأخرة ،ليستيقظ النهار فرحا بك ،رأيت كيف النوافذ المصفوفة في وطنك مغلقة نائمة ،على زجاجها يرتسم ضباب الصبح وسهرة الليلة الحالمة ، وعلى الخيوط كانت أشياؤك معلقة،تنتظر بشغف لمسة من حنان يديك ،لترتبيها في خزانتك ... آه أيتها الخزانة كم أنت محظوظة،كم من الوقت قضيتي مع السمراء ،كم حادثتك وكم حادثتيها ، وكم لامستك ... وكم كحلت ناظريك بها ،وكم من الحنان قد أفرغت عليك ، وأعرف كم أنت حزينة اليوم لأنها تركتك. خالية الدروب اليوم ... شاحبة الأماكن،تنتظر تباشير تفتح جفونك وآيات رموشك،ومارا أنا... يدثرني البرد ويحملني للعودة من حيث أقبلت في هذا اليوم من فصل الخريف ومن فصولك الذابلة هنا ... الموضوعة تذكارا في متحف الماضي الدفين ،متحف لا يزوره سواي ولا يملك مفاتحه سواي ولا يرى تحفه المعروضة غيري . تذكرت عندما تخبرين عن ذهابك في مثل هذا اليوم ،وكنت أحاول جاهدا أن أتخيل تفاصيل عودتك إلى ديارك ، جاهدا كنت أحاول، مستفسرا حائرا،أسأل نفسي متى تستيقظين؟ ... وكيف تتهيئين؟ وكيف تخرجين؟ وماذا تحملين؟و برفقة من كنت تتلألئين؟وأي طرق كنت تسلكين؟ وكيف هم من يرونك؟ و ماذا يصيبهم؟و أي أعراض تتركينها عليهم؟وأي حافلة تزفك؟و إلى أي أم كنت تحنين؟ اليوم رأيت بعضا من هذه التفاصيل ... رأيتها في غيابك بعد سنوات عجاف أكلتهن الأسئلة السمينة الغثة ... رأيت حقائبك كيف تحملينها على طول الطريق الباردة ... الماطرة ورودا في موكبك الحافل ... رأيت خطواتك المميزة ... المثقلة بالأمتعة ... المسرعة الخائفة من اكتشاف كنز الجمال المودع فيك ... الساعية إلى البيت الآمن الذي فيه تطلقين فرحك وابتساماتك وتعرضين فيه حسنك المخفي الباهر. في خضم هذه التفاصيل التي أتخيلها ... تلتف بي الدروب وتتقاذفني الوجهات ،فلا أملك وسط شكي سوى أن أعود من حيث أتيت ... فأجد قلمي يسألني عنك ... فأخبره أنك لست هنا وأنك قد مضيت في طريقك دون وداع ودون رجوع....دون أن تلتفتي.....فيبكي قلمي بحرقة فوق الأوراق البيضاء.