تعتبر الفنادق المكان الأضمن للمبيت غير أن الأثمان المرتفعة لهذه الأخيرة جعلت العديد من الناس يفرون من غلائها الفاحش إذ حسب نوع الفندق فهناك فنادق أين تكون أسعار الليلة الواحدة ملتهبة وتتدرج حسب نوعية الخدمات المقدمة لكن عموما الأثمان لا تقل عن 800دج فيضطر الكثير من المسافرين للنظر إلى زاوية اخرى وهي الحمّامات فالغاية تبرر الوسيلة وإيجاد مأوى بأثمان ميسورة ليس بالشيء الهين خصوصا على الغرباء والمسافرين من ولايات أخرى فيضطرون الى المبيت في محطات الحافلات أو حتى في محطة القطار لكن هذا لا يضمن لهم الأمن والسلامة من السرقات والإعتداءات علما أن هذه الفئة هي المستهدف الرئيسي لكل عملية سرقة وأحيانا حتى الإعتداء بالأسلحة البيضاء ما جعل المبيت في الشارع أكثر خطورة خصوصا في الشتاء. أما عن الخدمات المقدمة في الحمامات هي ضمان المبيت بسعر بسيط لا يتجاوز في »150«دج لكن المدة محدودة إذ من بعد صلاة المغرب إلى الفجر... ينعم العديد بليالي دافئة بينما يتمنى البعض الحصول على الأمن والاستقرار لا لشيء بل لضمان البقاء على قيد الحياة ليوم آخر في مصارعة الزمن وتناسي هموم الحياة وليس العثور على بر الأمان بالأمر الهين عليهم فظاهرة مسرحها الحمّامات وأبطالها مواطنون دون مأوى أو »الزوافرة« صراعات نفسية وتخوفات من المستقبل ومثال عن هذه الملاجيء الليلية حمامات بأحياء مختلفة فالمبيت داخل قاعاتها يعتبر نعيما بالنظر الى جحيم المبيت في الشارع فلو نظرت الى الإمكانيات المادية الميؤوس منها لجميع مرتادي الحمامات وضعف ميزانيتهم إذا ما قارناها بالأسعار المعمول بها والمحددة في الفنادق فسترجح الكفة لقضاء ليلة بالحمّام. فهذا الأخير واحد من الملاجيء التي تستقطب عددا كبيرا من المواطنين فمنهم من يبيت لليلة واحدة ومنهم من إعتاد النوم به فإعتبره سقفه الذي يحميه من برودة الشتاء لافتقار معظم مرتادي الحمام لأماكن للعيش أو أن ظروفهم الإجتماعية لا تسمح لهم بذلك فتجدهم في النهار إما يعملون أو يتسولون وفي الليل يستقرون... وهذه هي يومياتهم.. ومن جهة اخرى تكون هناك اجراءات أمنية مشددة من طرف صاحب الحمّام والمتمثلة في المبيت بشرط ترك بطاقة تثبيت الهوية لتفادي وقوع أي مشاكل بين النزلاء كما أنه تغلق الأبواب تفاديا لدخول أي غريب. كما صرح أحد الشباب في العقد الثاني أنه عندما يضع رأسه بعد يوم من المشاق والتعب فإن النوم لا يداعب عينيه والتفكير المتواصل يشغل باله إذ أنه اليوم وجد سقفا يحميه لكن ماذا عن الغد؟! فهو فتى مرّ بتجربة إجتماعية جد قاسية ما جعله يغادرالمنزل العائلي وواصل رحلته بين أحضان الشارع لكن الحرية التي طمح إليها لم تجلب له سوى المعاناة والندم وشغله الشاغل بعد يوم من الأعمال المختلفة إذ يعمل جمالا وأحيانا اخرى يجمع المواد القابلة للتحليل من النفايات وأحيانا عاطلا... والدنانير التي يحصل عليها بالكاد يصرفها بين الأكل والمبيت... فمرارة وغرابة وليس الوحيد بل هناك الكثير من هذه الفئة التي تخلت عن حضن العائلة لترتمي بين أحضان المعاناة ومسيرة العشاق أو الإعتماد على النفس في سن مبكرة كما ذكر عن بعض من تعرّف عليهم وهم ليسوا من الولاية بل جاؤوا من ولايات مجاورة للبحث عن فرص عمل والكثير منهم فشلوا في المهمة... أجل كان يروي بنبرة صوت تدل على حجم المعاناة وجرعة المرارة ولما حدثته عن العودة الى كنف الأسرة رد: »وبأي حال؟!«.. وأحد النزلاء الذي يتردد عند الحاجة إلى النوم بالحمّام أكد بعض العراقيل غير أنه صرح أنه آمن وخصوصا أنه في ولاية وهران لأجل إكمال المسير في الصباح الى ولاية سيدي بلعباس فالظروف جعلته يستأجر للمبيت ليلة واحدة بالمكان الذي أسماه »فندق المساكين« لأن إمكانياته المادية لم تسمح له بإستأجار غرفة بالنزل. إذن عموما ليالي الحمّام تعج بالحركة كالنهار غير أن المهمة تختلف فهنا يتعلق الأمر بالمبيت وغير بعيد عن الشعور بالأمان والطمئنينة التي تفتقر إليها الأماكن العمومية الاخرى فيفضل العديد البقاء بالحمامات وجلها تقوم بهذا العمل الذي يعتبر خارجا عن مجال خدماتها إلا أنه يقدم خدمة أخرى من شأنها أن تكون مساعدة لحالات يستحسنها الكثير ومن الحمّامات الكثيرة التي يقوم بهذا العمل على غرار الحمام القديم بالبحيرة الصغيرة.