إن الإستماع لأغاني النجوم أحمد وهبي بصوت ألمع نجوم الراي والأغنية الجزائرية على غرار الشاب خالد وفضيل اللذان قدما هذا التراث على ركح أشهر المسارح العالمية لا سيما الأوروبية ما هو إلا إشارة واضحة عن عمق هذه الشخصية الفنية التي نجحت في تقديم طابع خاص بها يترجم بكل أصالة تراث مدينة وهران من خلال كلمات موزونة ولحن طربي أصيل ينمّ عن موهبة حقيقية تستحق لقب »الكروان« دون منازع. ولأن وهبي يعني »وهران« فقد كانت أعماله بمثابة غنيمة ثمينة للجيل الجديد الذي أحسن الإختيار وراهن على نجاح مشروع فني يمكن أن يعود عليه بنجاح كبير، فاتجه لإعادة هذه الأغاني من جديد مع الإحتفاظ بالكلام الموزون واللحن الجميل، وأدخل عليها بعض التعديلات الفنية لمواكبة الموسيقى الحديثة مما يجعلها تتناغم مع ما يسمى »بالعصرنة الفنية« وبالفعل فقد نجح هذا المشروع وشدّت الأعين جميعها نحو هؤلاء الفنانين من الجيل الجديد تحت إسم »نجوم الراي« وكتبت الصحف العالمية عن ميلاد هذا اللون الغنائي الجديد الذي يعتمد على الدربوكة والبندير، فكان طابعا فنيا جديدا على الأجانب الذين أحبّوا الموسيقى وتجاوبوا مع وقع هذه الآلات الموسيقية الشعبية فكانت أغنية »وهران وهران« التي أداها الشاب خالد بمثابة القنبلة الفنية التي شهدها الجمهور الأوروبي وزاد الإهتمام بعد الإستماع لأغنية »بخته« و»علاش تلوموني« إضافة إلى »يمينة« وغيرها من الأغاني الوهرانية التي حملت نبض أحمد وهبي وإحساسه في كل كلمة تقال وفي كل لحن يُعزف، مما جعل الكل يتساءل عن صاحب هذه الكلمات وهذه الموسيقى الراقية التي خرجت عن الروتين وما اعتاد الناس على سماعه، فكان »الراي« هو البوّابة الحقيقية لاشتهار جميع الأغاني الوهرانية القديمة ووصولها إلى العالمية أو يمكن القول أن هذا النجاح هو الجائزة الحقيقية للراحل أحمد وهبي، الذي أفنى حياته لأجل تطوير الفن الجزائري وإيصاله إلى مرحلة معينة من الشهرة والنجاح في الوسط العربي، لتشاء الأقدار أن تكون أعماله ناجحة ليس فقط في الدول العربية بل حتى العالمية. ولا يتعلق الأمر بالشاب خالد فقط بل أيضا فنانين آخرين فضّلوا الرجوع إلى التراث الجزائري على غرار الشاب فضيل الذي غنّى لوهران هو أيضا ووقف جنبا إلى جنب مع ملك الراي ليغنوا »يا ذا الغزال«، إضافة إلى الفنان العالمي رشيد طه والشاب نجيم... وغيرهم، من المواهب الجزائرية التي سارت على الدرب واتخذت من أحمد وهبي شعارها في تأدية التراث وتقديمه للعالم في طبعة فنية عصرية وفريدة من نوعها، وكغيره من الفنانين فإن الشاب »نصرو« كان من السبّاقين للغناء مع الراحل وهبي فلم يغنّ له بعد رحيله بل زاره في بيته وغنى معه »يا وعدي« ليكون هذا الفيديو كليب هو الصورة الأخيرة له أمام جمهوره، الذي شاهد معاناته الصحية بكل وضوح لكنه اكتشف فيه حبّه لفنه وشوقه لعوده رغم مرضه، فلم يمانع في الغناء بهذا الشكل أمام عشّاقه، بل بالعكس غنى بما تبقى له من أنفاس بدافع الشغف والحبّ للفن وكان كريما ومعطاءً لغاية الرمق الأخير، دون أن يشتكي أو يعارض، فكانت ابتسامته الضعيفة بشرى له وتعبيرا منه عن فرحه بما قدمه طيلة مشواره الفني. ولأن الشاب »نصرو« كان من عشاق المرحوم فلم يجد أغنية »يا وعدي« كافية لتعزيز مشاعره نحو هذا العملاق فقدم أغنية »فات اللي فات« وهي من أشهر الأغاني التراثية لوهبي أين ظهر فيها بعوده الجميل وهندامه الأجمل ولم يكن يعلم أنه في يوم ما سيكون معبود الجماهير الجزائرية والعالمية وأن اسمه سيطع في سماء أوروبا بأكملها، ليقول أنا »ابن وهران وفنّي هو تراثها«. إن وصول أغانيه للعالمية ليس ضربة حظ بل هو قدرٌ محتومٌ لفنان كافح كثيرا لأجل الوصول إلى القمة وإثبات فنه الراقي النابع من حضارة الباهية، لتشاء الأقدار أن تظهر أصوات أخرى وتحمل المشعل الذي تركه ورحل عنا، فبعد أن جَهِدَ لتأسيس الأغنية الوهرانية ووسّعها على نطاق عربي كبير ها هي تصل إلى العالمية وتغنّى في أشهر المهرجانات الموسيقية والتظاهرات الدولية، وأول أغنية تؤدى أمام هذه الجماهير هي »وهران رُحْت خسارة«، ليرتبط اسمها مع »أحمد وهبي« الذي صار دون شك مفخرة للفن الجزائري الذي لم يرحل إلا وهو مطمئن على أعماله وما خلّفه من تراث ولن تتوقف الرحلة عند خالد أو مامي بل ستسير القافلة نحو مواهب شبانية أخرى ليأتي دورهم في حمل الشعل والحفاظ على هذا الموروث الثمين الذي أذهل الأجانب والأشقاء العرب وجعل الجميع يتحدث عن وهبي وفنّه الأصيل.