عود الكاتب والشاعر الجزائري عبد الرزاق بوكبة إلى قرائه بعمل مختلف من خلال مجموعة قصصية بعنوان "كفن للموت"،وهو عمل مغرق في التجريب عبر 15 قصة ترفض البناء التقليدي. المجموعة القصصية الأولى لعبد الرزاق بوكبة التي صدرت عن "دار العين" بمصر، تقع في 136 صفحة من القطع المتوسط، وتقدم الكاتب في تجربة أدبية جديدة لا تشبه تجاربه السابقة إلا من حيث التمرد على الشكل والبناء. وعبر 15 قصة اختار بوكبة شخصية الزبير وسارة ليكونا بطلي القصص كلها بحضور واع لأم الزبير، ما جعل المجموعة تبدو وكأنها قصة واحدة فرخت قصصا بأشكال وحالات متعددة. ويفتتح الكاتب المجموعة بنص "القصة أولا" ويختتمها ب "القصة أخيرا" وهما أشبه بقوسين لباقي قصص المجموعة الثلاثة عشر، وفيهما نوع من التبرير لهذه التجربة للقارئ ولسارة والزبير أيضا بل ولبوكبة نفسه. ويورط الكاتب نفسه في المجموعة لا ككاتب فقط بل كمكتوب، فهو يضع نفسه كأحد شخوص القصص، ويتعرض كما الزبير وسارة إلى مواقف ويحدد مسار القصص مرتين: وبوصفه كاتبا وبطلا مشاركا. "كفن للموت" هو عمل احتفائي بالموت، اليتم، المرأة، الحب والرحيل، وهي مواضيع القصص غالبا بدءا من "الهاتف" التي تختفي فيها سارة بعد سقوط طائرة ويستلم الزبير جثتها، رغم ذلك ينتظر أن يطلع صوتها من هاتفه المسجى على الطاولة. وفي نص "الحذاء" يترك الكاتب للقارئ أن يختار بين مجموعة احتمالات تحدث للزبير الذي ضيع حذاء أمه في رحلة حافلة بعد أن سحبه من قدمي حبيبته سارة، فيدعو بوكبة القراء إلى المشاركة في كتابة مخرج القصة. وفي قصة "الزجاجة" كما في قصتي "الأرجوحة" و"الرصاصة" حالة سوريالية من اللقاء والتشظي بين البطلين الرئيسيين، حب عنيف وعارم يدفع إلى المجهول. ويترك بوكبة بطليه يتصرفان بكثير من الحرية، حتى يشعر القارئ أحيانا أنهما متمردان عن النص ويمضيان في وجهة عشوائية، بل أنهما يأخذان الحق في نقد مصيرهما فيكون لسان حالهما "إننا في الحقيقة لا نعيش حياة مؤقتة بل موتا مكررا". وهناك الكثير من الجمل التقريرية والإخبارية التي وضعها الكاتب عن قصد، لكنه نجح في إدراجها كفواصل أو كممهلات لمسارات النص إجمالا، وربما تكون إشارة ذكية إلى واقعنا الذي امتلأ بالتقارير والأخبار. ولم ينج نص بوكبة من المسرح الذي كان حاضرا كتجربة في مساره بشكل واضح من خلال قصة "الستار"، وضمنيا عبر أغلب القصص عندما يتحول خطاب الجميع إلى خطاب ركحي مونولوغي صارخ. وتبدو قصص بوكبة الغائمة ذات الأجواء العبثية السوريالية التي تصدم القارئ الذي اعتاد الكتابات الكلاسيكية، بل وغير اعتيادية في العناوين الفرعية الكثيرة التي تشبه تقسيم بحث علمي دون رتابة. وصدر لعبد الرزاق بوكبة عدة تجارب في أجناس أدبية مختلفة بدأها بالشعر وانتهى إلى القصة مرورا بالرواية والمسرح والزجل، عمل بالإعلام والتنشيط الثقافي وهو الآن متفرغ للكتابة، حاز على جائزة بيروت 39 عن كتابه "أجنحة لمزاج الذئب الأبيض".