أصبحت مسابقة القصة القصيرة واحدة من أهم المواعيد الأدبية في أجندة العديد من المؤسسات الثقافية والجمعيات الفكرية بالجزائر بإعتبارها مجالا مفتوحا أمام المبدعين وبوابة حقيقية للكشف عن المواهب والأقلام الواعدة التي تبحر بخيالها في صفحات بيضاء لتخط قصصا مؤثرة تجمل في لبّها معاناة إنسان أرهقه الإنتظار وأتعبه الجفاء أو قصة حب جمعت بين قدرين مختلفين سرعان ما يسدل الستار على أحداثها بأنامل كاتبها، وقصص أخرى ولدت من رحم الخيال الواسع لهذه المواهب التي وجدت نفسها مجبرة على ولوج عالم المسابقات علها تجد من يقرأ أفكارها بين السطور ويفتح أمامها فضاء واسعا لدخول الحلقة الأدبية التي لا زالت بحاجة لمن يدعمها وثيري من عطائها وذالك تحت لواء الأدب الجزائري والفكر العربي. ومن أبرز المسابقات في القصة القصيرة تلك التي تنظمها مؤسسة فنون وثقافة سنويا حيث تستقبل كل موسم العدد الكبير من المترشحين من مختلف ولايات الوطن، وقد عرفت هذه المسابقة رواجا كبيرا في الفترة الأخيرة بحكم العدد الهائل للقصص التي تصل المؤسسة حيث استقبلت هذه الأخيرة في الدورة السابقة أكثر من 63 قصة قصيرة منهم 44 كاتبا من الذكور والباقي من فئة النساء والذين يتراوح أعمارهم بين 18 سنة و76 سنة موزعين على 20 ولاية، علما أن هذه الدورة تعد السادسة من نوعها وجاءت تحت شعار أول نوفمبر 55 سنة من بعد، والأهم من ذلك أنه تم تتويج 10 فائزين تمكنوا من إذهال لجنة التحكيموالتأثير في أعضائها بالأسلوب الممتاز ورونق الكلمات الأدبية المعبرة وكذا طريقة السرد التي إتسمت بالجمالية والحس الإبداعي الراقي، علما أن هذه المسابقة لا تختص في القصة القصيرة المكتوبة باللغة العربية بل بلغات أخرى أيضا وهي الفرنسية والمحلية وكذا الأمازيغية، وقد تمكنت الكاتبة الموهوبة آمال فرحاني خلال الدورة السابقة من إفتكاك الجائزة الأولى في صنف اللغة العربية أما الفرنسية فقد كانت الجائزة من نصيب يوسفي عبد السلام المحلية أو الدارجة كما يقال فقد حجبت من طرف اللجنة لتسلم الجائزة الثانية لتومي عبد السلام أما الشاب الموهوب عمارة شريف فقد نجح في تصدر قائمة المترشحين الذين كتبوا قصصا قصيرة باللغة الأمازيغية. ومن جهتها فإن للجمعية الوطنية "المرأة في إتصال" قد أولت هي الأخرى إهتمامها بالمواهب الشابة في كتابة القصة القصيرة لا سيما المرأة وسطرت مسابقة وطنية ترمي لإدراج الفائزين ضمن مسابقة القصة المتوسطية التي انطلقت سنة 2002 من خلال اتفاق رسمي ومعتمد بين هذه الجمعية وفوروم نساء المتوسط لمارسيليا ولا زال هذا الإتفاق ساري المفعول لغاية 2011 مما يعني أن هذه المنافسة لا زالت قائمة وهي تجربة فريدة من نوعها في عالم المسابقات المشتركة بين الشعوب، مما يجعل الجمعية تتلقى سنويا عدد كبير من القصص القصيرة تتراوح ما بين 20 إلى 50 قصة عبر كامل التراب الوطني ومن كل الأعمار علما أن بعض الناجحات تجاوز عمرهن 60 سنة. وقد إتضح من خلال هذه المشاركات أن الجزائر تحتكم على مستوى ثقافي جيد بدليل أن أغلبية المترشحين من أصحاب الميول الأدبية ولهم تحكم لغوي جيد يسمح لهم بايصال أفكارهم بكل سهولة للقارئ وأهم نجاح حقق في هذه المسابقات هو ترجمة النصوص العربية ونشرها في فرنسا إلى جانب النصوص الفائزة باللغة الفرنسية إضافة إلى أن هذه المشاركات قد عززت من حركية النشر داخل الجزائر وخارجها مثل فرنسا من خلال جمعية "فوروم نساء المتوسط" التي تكفلت بنشر قصص الفائزين في المسابقة. ومن ناحية أخرى فلا تمكن الإنكار أن هذه المسابقات الأدبية قد ساعدت الكثير من الأقلام والمواهب الشبابية لدخول عالم الكتابة القصصية والروائية وأصبح لها اليوم مكانتها في الساحة الأدبية الجزائرية والعربية وحتى الأوروبية، فقد استطاع عدد كبير منهم أن يبرزوا في هذا المجال أمثال السيدة " يمينة سعدي" التي نشرت رواية " البراءة المسلوبة" باللغة الفرنسية، وأيضا عائشة بنت المعمورة التي نشرت عدة عناوين بالجزائر وخارجها دون أن ننسى ذكر "عبير شهرزاد" التي نشرت أعمالها في الجزائر ولبنان ونالت إثر ذلك جائزة "مالك حداد". أما المشاركين الذين لم يحالفهم الحظ في نيل الجوائز فقد وجدوا طريقا آخر للنشر بإمكانياتهم الخاصة، فاقتصار المسابقة على 3 جوائز فقط لكل موضوع ليس معناه عدم جودة المشاركين الآخرين في المسابقة. وهكذا بفضل هذه المسابقات الأدبية تحول حلم الكتابة إلى حقيقة عند الكثير من المواهب الجزائرية في عالم الأدب والإبداع مثلما أصبح حقيقة ملموسة عند هذه المؤسسات الثقافية والجمعيات التي ساهمت في شكل كبير في إتاحة الفرصة لظهور مبدعين جدد سيكون لهم دون شك مستقبلا في حركة الإبداع الوطنية وآفاقا واسعة بفعل الإحتكاك الأدبي مع باقي المفكرين القدامى مما سيساهم في ترقية الإبداع الجزائري ودفعه إلى الأمام، خصوصا فيما يتعلق بجمعية "المرأة في اتصال" التي تعمل بجهد لتعزيز إحتكاك هذه المواهب بالمجتمع المتوسطي وهو ما يدعم عملية التقارب النضالي والإحتكاك الفكري والإبداعي بين المبدعين الجزائريين والأوروبيين، والأهم من ذلك أن هذه المسابقات قد نجم عنها المشاركة في معارض وطنية ودولية داخل الوطن وخارجه وهو ما فتح الأبواب أمام هذه المواهب لتعرف في الوسط الأدبي ويكون لها إسما بارزا في الكتابة القصصية ناهيك عن الفرص الكبيرة التي تتوفر أمامهم وتضمن مستقبلهم الفكري سواء في مجال النشر والإنتاج أو إفتكاك جوائز عربية ودولية تعزز من مكانتهم.