في عينيك يا أمي أرى كل شيء ، هذا الحزن الذي يكتسح أدغال نفسك ، فيحول حياتك إلى برك من الدمع الساخن ، إلى بحيرة من الأشجان . ..تنعزلين دوما في ركنك ، تضعين يدك على خدك و تغرقين في بحار لا شطآن لها ..بحار لا تشرق الشمس على رمالها السوداء ، و تحضرين أمامك صورته ببشرته السمراء و قامته الفارهة الطول ، ألف سؤال يا أماه أقرأه في عينيك المتعبتين اللتين أدهما الحنين ، سافر بهما إلى هدوئه إلى صمته ووقاره . كأنك تقولين لي متسائلة متى يعود ؟ ..و أمام دموعك الفياضة كنت أهرب إلى غرفتي، إلى زنزانتي، إلى جموع الحيارى المتعبين، محترفي التعاسة إلى من يسمونهم كتابا عسى أن أجد عندهم بلسما شافيا لجراحي التي لا تندمل و لكن هيهات هيهات ..إنهم مثلي يعيشون مأساة الوجود ، يبحثون عن شيء لا يعرفونه يرسمون عالمهم الجميل بالخيالات و الرؤى و الهواجس يضعون بينهم و بين الحياة حواجز شتى ، تدخل أختي الصغيرة »منال« ذات الأربع سنوات تسألني سؤالا بريئا : لماذا لم يعد ؟ كذبت علي . قلت لي سيعود غدا و لم يأت ..كم مرة أمنيها أماني كاذبة،..غدا سيعود..و انتظرت الغد . كل مساء تراقب المارة عسى أن يعود محملا بالهدايا، يضعها بين يديها ، يقبلها و تفيض العبرات من مقلتي، أهرب من حزن أمي لتصدمني أوجاع الصغيرة ، الكل ينتظره بشغف ...