ضد تنميط الأخلاق ربما من الصعب أن نفسر العلاقة الإشكالية بين الأدبي والأخلاقي، فالأدب في صميمه وجوهره أخلاقي لأنه إنساني، ولكنه لا يتكلم عن الأخلاق كما يتكلم الوُعاظ فوق المنابر، وهو لا يستعمل الأخلاقيات كذريعة للنيل من المخطئين، كما لا يقدم حسنات للأحسن خلقاً، وهو لا يهتم إن كانت شخصياته فاسدة الخلق، أو حسنتها، لأنه ربما ينظر للمسألة من زاوية تتجاوز هذا السطح الواضح والمتفق عليه، أي يتعدى المدلول الوعظي للأخلاق لكي يتعمق في معنى الإنساني نفسه، ولهذا تصبح رواية مثل " الخبز الحافي" لمحمد شكري المتهمة بلا أخلاقيتها أهم رواية أخلاقية من منظور أدبي لأنها تسمح لنا بكشف زيف مجتمع يمارس النفاق في كل شيء، هو ظاهريا أخلاقي وواقعيا هو عدو الأخلاق، والتي يستعملها فقط لترهيب الضعيف، واحتقار الفقير وإذلاله. إن فساد أخلاق أبطال محمد شكري يأتي من تحلل وفساد مجتمع بأكمله لا يمكن التعبير عنه بمثالية، والفساد والظلم والفقر وغياب العدالة وضعف الروح وانحلال القيم سماته البارز. نسيان الوجود كثيرا ما خيل إليّ أنني لا أكتب إلا لأنسى، ولكن أنسى ماذا؟ أنني وجدت هنا، ومحكوم عليّ أن أعيش تجربة الحياة التي لم أخترها، ولكن بما أنني موجود فيها الآن فأنا أبحث في خضمها عن معنى للحياة/حياتي ومخرج من هذا السجن/ سجني . سؤال الجمالي إن أهم سؤال في الأدب هو سؤال الجمالي، (أخرت الحديث عنه إلى الأخير مع أنه أهم ما يجعلنا نقول عن هذه الكتابة أنها أدب) الشكل الذي نكتب به هذا الأدب، الطريقة التي نصوغ بها رؤيتنا للحياة، ونعيد من خلاله كتابة تجربتنا في هذا الوجود، ومن دون هذا جمالي، أو الشكل الفني، فنحن لن نربح مغامرة الأدب، لن ننتصر في معركة الوجود الأدبي. وهذه المسألة على بداهتها لا تطرح في وعي الكثيرين ممن ينخرطون في الكتابة بدوافع مختلفة، وهم يتعثرون أو يفشلون أو لا يقدمون شيئا لأن السؤال لم يطرح في أذهانهم بعد، أو لم يشكل لهم مشكلة مقلقة بالفعل، وعندما يصل إلى أن يصبح مشكلة في وجدان وعقل الكاتب تصبح له قدرة على تبين شكله الأدبي، وطريقته الفنية، وصورته الجمالية الخاصة به دون سواه وهو حينها فقط يقترب من الأدب كما يقترب النار من الحطب فيحرقه ويحترق .