زار أمس السيد سبيّة عمار ممثل جمعية 8 ماي 1945 بوهران مقر جريدة الجمهورية حاملا معه بعض الحقائق التاريخية التي عاشها، والتي لا تزال محفورة في ذاكرته رغم كبر سنه، ولأنه رفض أن تمحى هذه الوقائع والشهادات، وخلال تصريحه بدا لنا السيد عمار متأثرا وهو يروي على مسامعنا قصة المجاهدة المرحومة ولد قاضي ستي احد نساء الجزائر الحرائر التي قدمت بيتها وثروتها لدعم الثورة الجزائرية و بيت المجاهدة خيرة بن داود الكائن ب 20 شارع ستي ولد قاضي ، و الذي أصبح مزبالة حقيقية و الذي استقبلت فيه العديد من المجاهدين و من بينهم الطبيب محمد صغير النقاش و محمد خميستي ، كما تحدث السيد عمار عن منزلها المهجور والمنهار تماما، وهو المكان الذي كانت تستقبل فيه قادة الثورة التحريرية، كما تربي فيه خميستي، بوتليليس،عاشور،شرفاوي وغيرهم، وطالب السلطات المعنية بضرورة تهيئته ووضع لوحة تحمل اسمها، أو تحويله إلى متحف يضم الذاكرة التاريخية لشهداء وقادة الثورة في وهران، وذلك تخليدا لبطولاتها. و هذا البيت تقطن به حاليا ابنة أخت المجاهدة ولد قاضي ستي هي الآخر من نساء الجزائر الأحرار و تمني ان يصبح هذا المنزل الذي ضم الكثير من الأسماء الثورية متحفا . كان يحمل معه عدة وثائق تاريخية عن هؤلاء النسوة المجاهدات في وهران و - أضاف محدثنا - أنا المرأة هي ابنة القايدة حليمة بنت زياني محمد ولد سي أحمد سيدي يوسف المشهورة بالمنطقة وتنتمي إلى عائلة شريفة وتنحدر من أسرة الأغوات و باش أغا والقايدة ستي معروفة خاصة عند الأهالي الذين يقطنون بالقرب من حاسي الغلة ،أين كانت تمتلك مزرعة كبيرة و أراضي فلاحية شاسعة . ستي ولد قاضي من مواليد 1904 وكانت تعيش في عائلة ميسورة الحال والتي لم تبخل عنها بتعليمها التربية الجيدة وتلقي الدروس بالمدرسة الفرنسية والعربية لتتزوج في أول مرة مع السيد قويدر بن شيحة وتنجب منه طفلين وفي زيجتها الثانية تتزوج من القايد ولد قاضي وعند وفاته ورثت منه ثروة كبيرة و لقب القايدة . معاملاتهم مع الأهالي وخاصة العائلات الفقيرة كانت تجلب لها الاحترام وهذا بفضل جودها وكرمها ومساعداتها للآخرين خاصة وأنها لم تكن تتوقف عن مد العون والأعمال الخيرية وهي التي تبرعت بجزء من أراضيها لصالح بلدية وهران لتكون مقبرة و هي تحمل حاليا اسم "مقبرة عين البيضاء". وخلال مظاهرات 8 ماي 1945 م الدموية والتي سقط فيها أكثر من 45 ألف شهيد في مجزرة سجلها التاريخ ،لم تبق القايدة ستي ولد القاضي تتفرج بل ذهبت لاستقبال يتامى سطيف و ڨالمة وخنشلة وخراطة واحتضنتهم وهذا دعما لقضية شعبها . وعند اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954م المجيدة ،قدمت خدماتها كواحدة من هذا الشعب المناضل علما أنها كانت محترمة من قبل الإدارة الفرنسية لأعمالها الخيرية والمدنية، فإن مكتب الاستخبارات للجيش لم يشك في ولاءها لفرنسا وهذا ما سهل عليها عملها الثوري في دعم نضال جبهة التحرير بتقديمها بيتها الكائن بحي الأكميل مأوى لأكبر الأسماء التي كانت محل بحث من قبل البوليس الفرنسي وهذا منذ 1955 م ، تاريخ أين انخرطت فيه رسميا في الافلان وكانت تشرف على الاتصالات بين المسؤولين الآخرين من مناطق أخرى وبين منطقة وهران التي كانت تحت إشراف سلطة الحاج بن علة مشرف على الولاية الخامسة و نائب العربي بن مهيدي . وفي شهر جانفي 1957 م وفي بيتها تم القبض على زعيم خلية الفدائيين بوهران بغدادي محمد الياس المعروف باسم " سي عبد الوهاب " بحوزته مجموعة من الذخيرة العسكرية . وفي مكتب الشرطة القضائية تم تعذيب القايدة ستي أثناء استجوابها عن موقفها اتجاه الدولة الفرنسية علما و أن الإدارة كانت تنظر إليها بمناظر المرأة الصديقة لفرنسا. وأثناء محاكمتها قال لها رئيس المحكمة هذه العبارة : " إذن السيدة باشا أغا لم تصبح صديقة فرنسا ؟ " ، فردت إنها تغيرت لحظة أن فرنسا قتلت اخونها وأخواتها من الشعب الجزائري، وكانت شجاعة وهي تستمع لحكم المحكمة الذي قضى بسجنها لعدة أعوام قضتها وهي راضية بنضالها الثوري في جبهة التحرير الوطني، وخلال مدة محكوميتها أصيبت بمرض شديد مما جعل الإدارة تقبل طلبها وتطلق سراحها وتبقى في بيتها تحت الإقامة الجبرية لترى نور الاستقلال لكن مرضها وكثرة التعذيب الذي عايشته في فترة سجنها جعلتها تنطفئ عن الحياة في 18 أوت 1965م . في أخر حديثه أكد السيد سبيّة عمار، أنه من يتامي مجزرة سطيف الذي ذهبت من اجلهم المجاهدة خيرة لاروج و التي ربتهم و مادام هو في الحياة سيناضل من أجل رد الاعتبار للمجاهدات اللّواتي قدّمن النفس و النفيس .