تزخر ثورتنا التحريرية المظفرة بعديد من الأحداث العظيمة التي أوقعت شعلة الكفاح وزادت من لهيب الثورة لتلسع بنيرانها المستعمر الفرنسي البغيض وتذوقه طعم الهزيمة والإنكسار المتتالي هذه الثورة الجزائرية الخالدة في أذهان جميع الأحرار في العالم حققت انتصاراتها المبهرة نتيجة لشجاعة وتضحيات الرجال المخلصين للوطن ونتيجة كذلك للتخطيط والتنظيم المحكم لهذه الثورة منذ شرارتها المباركة الأولى التي انطلقت في الفاتح من نوفمبر 1954 مرورا بهجمات 20 أوت 1955 وصولا إلى انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 كل هذه الأحداث المباركة كانت في اطار تنظيمي محكم تقوده جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري حيش التحرير الوطني ومن بين أهم الأحداث المصيرية التي أعطت صدى وبعد جديد للثورة المسلحة هو اضراب 08 أيام من 28 جانفي إلى 04 فيفري 1957 الذي قامت بتنظيمه وتأطيره وتوجيهه جبهة وجيش التحرير الوطني هذا الحدث السياسي البارز في مسيرة النضال والكفاح المتواصل للشعب الجزائري الأبي جاء في ظروف خاصة أحاطت به، فوتيرة العمليات العسكرية التي كان يقوم بها المجاهدون والفدائيون أخذت منحى تصاعدي وبدأت الثورة الجزائرية تأخذ صدى أكبر وتضامن أوسع من طرف أحرار العالم لذلك حاول المحتل الفرنسي الغاشم كبح جماح هذه الإنتصارات المتتالية وذلك بالترويج لمقولة أن الجزائر فرنسية وأن الشعب الجزائري متناغم مع فرنسا وأن هذه الأعمال يقوم بها فئة قليلة أطلقت عليهم شتى الأوصاف والنعوت القبيحة، وفي الوقت الذي كانت فرنسا الإستعمارية تحاول لملمة الأمور حتى لا تتوسع أكثر حصل حدث هام ألا وهو تسجيل القضية الجزائرية في الأممالمتحدة حيث تقرر مناقشتها في 28 جانفي 1957 لذلك قررت قيادة الثورة متمثلة في جبهة وجيش التحرير الوطني وبعد تشاور وتفكير معمق القيام بإضراب تاريخي لمدة أسبوع كامل يتزامن مع بداية مناقشة القضية الجزائرية في الأممالمتحدة في 28 جانفي 1957 ليعطى صدى اعلامي كبير لعدالة كفاح الشعب الجزائري في المحافل الدولية ولتنفيذ هذا الهدف النبيل وجهت جبهة التحرير الوطني بيانا تدعو فيه إلى الإضراب في 27 جانفي 1957 وقد نشرته معظم الصحف العربية وأذاءته مختلف الإذاعات العربية ومما جاء في البيان ما يلي : » يا أيها الشعب الجزائري المجاهد، أيها المواطنون من تجار وعمال وموظفين وفلاحين ومحترفين إنكم تستعدون لأسبوع الإضراب العظيم أسبوع الكفاح السلمي للأمة التي فاتها شرف الكفاح المسلح، أمضوا مصممين، اصبروا للمحنة والبطش وأنواع العذاب التي يسلطها عليكم العدو ،فالله معكم وجبهة التحرير وجيشها العتيد من ورائكم تشد أزركم وتأخذ بأيديكم إلى النصر إلى الحرية، إلى الإستقلال« لقد كان رهان جبهة التحرير الوطني على هذا الإضراب كبيرا لأن نجاحه سيبين للعالم مدى إلتفاف الشعب الجزائري حول ثورته المظفرة ووقوفه خلف قيادته الشرعية متمثلة في جبهة وجيش التحرير الوطني، وهو ما تؤكده فقرة أخرى من بيان الإضراب، جاء فيها »... إن نجاح هذا الإضراب سيكون معناه أمام العالم أنكم تعتبرون وفد جيش وجبهة التحرير الوطني هو المتكلم الأوحد لشعب الجزائر المناضل« وبالفعل وكعادة الشعب الجزائري الوفي لمبادئه وثورته وقيادتها كانت الإستجابة لنداء الإضراب مذهلة وبنسبة كبيرة حيث أنه وفي يوم الإثنين 28 جانفي 1957 أصبحت مدن الوطن الحبيب وقراه ومداشره وكأنها مشلولة فكل مدينة من مدن الجزائر كانت مدينة أشباح خالية من الحركة إلا من حركة المعمرين الأوروبيين وقوات الجيش والشرطة الفرنسية فقد أغلقت جميع المحلات والمتاجر والدكاكين التي يملكها الجزائريون ورفض أي جزائري أ ن يفتتح متجره وكذلك امتنع الفلاحون عن الذهاب إلى مزارعهم وممارسة نشاطهم المعتاد، كما امتنع عمال الموانئ عن الذهاب إلى عملهم مما شل وعطل حركة السفن. وقد ذهلت فرنسا ومن ورائها العالم لما قام به الشعب الجزائري من استجابة مطلقة لنداء الإضراب الذي أطلقته جبهة وجيش التحرير الوطني ومما زاد من ورطة فرنسا ووضعها في موقف محرج أمام العالم هو ضخامة حجم الإضراب واتساع رقعته ليشمل الجزائر بأكملها، وأمام هذا الموقف الشجاع والجرئ للشعب الجزائري أبانت فرنسا عن وجهها الإجرامي البغيض والمتوحش فشرعت في قمع المضربين بكل عنف وقساوة ولجأت إلى اختطاف الكثير من المضربين من منازلهم واصطحبتهم لفتح محلاتهم تحت طائلة التخويف والتهديد والضرب المبرح أما باقي المحلات فقد اقتحمتها بالقوة وحطمت أبوابها وتركتها مفتوحة ورغم هذا البطش والقمع رفض الجزائريون النزول إلى محلاتهم وبقيت معظمها مفتوحة بدون وجود أصحابها. إستمر هذا الإضراب طيلة أسبوع كامل كما دعت إليه جبهة وجيش التحرير الوطني، سمي هذا الأسبوع بالأسبوع الخالد قدم خلاله الشعب الجزائري المسالم أروع وأنبل التضحيات فقد سقط في هذا الإضراب آلاف الجزائريين ما بين شهداء وجرحى ومعتقلين نتيجة الإرهاب الإستعماري المقيت الذي مارسته فرنسا ضد شعب أعزل أبى إلا أن يساهم في مساندة رجال الثورة المجاهدين الذين حملوا السلاح لمقارعة الإحتلال الفرنسي الظالم لقد أماط هذا الإضراب المبارك اللثام عن وجه فرنسا القبيح وهي التي كانت تدعي تمكين الجزائريين من الديمقراطية وحقوق الإنسان وادعت أن ما يحصل في الجزائر هي قضية داخلية لا دخل للمجتمع الدولي فيها وأن الشعب الجزائري لا علاقة له بالثورة المسلحة ورجالها، ليؤكد الشعب الجزائري من خلال هذا الإضراب أن وفي جبهة التحرير الوطني الذي حضر للأمم المتحدة لمناقشة القضية الجزائرية إبتداء من يوم 28 جانفي 1957 هو الأحق بالحديث بإسمه وليس الحكومة الفرنسية الاستعمارية، لقد أعطى هذا الإضراب صدى غير مسبوق للقضية الجزائرية لدى الأممالمتحدة ولدى المجتمع الدولي والرأ ي العالمي خاصة بعد أن كتب عنه مختلف الصحف العالمية ومنها الفرنسية كما تحدثت عنه مختلف الإذاعات العالمية ورغم جسامة وبشاعة الأ ضرار الوحشية التي ألحقت بمئات الآلاف من الجزائريين من طرف الإستعمار الفرنسي إلا أنهم صبروا وصعدوا حتى نهاية الإضراب الذي خلف ورائه الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين وسلطت على الجزائريين أقصى العقوبات وطرد العمال من مناصبهم وسيق بالكثير منهم إلى السجون والمحتشدات، وعذب ونُكل بالآلاف من الجزائريين المشاركين في الإضراب وفتحت محلاتهم وحطمت أبوابها بالقوة وضيعت العديد من الأرزاق لكن لسان حال الجزائريين الأبطال يقول كل شيء يهون في سبيل إستقلال الجزائر الحبيبة. لقد سطر الشعب الجزائري من خلال هذا الإضراب أروع البطولات بالدماء الزكية الطاهرة وأعطى المثال والقدوة للشعوب المستضعفة في التضحية والفداء للحصول على الحقوق والمكتسبات فقد تضامنت جميع الشعوب العربية مع هذا الإضراب كما هو الحال مع الشعبين المغربي والتونسي اللذين قاما بإضراب مماثل تضامنا مع الجزائريين واعجابا بشجاعتهم ونضالهم. لقد قضى هذا الإضراب المبارك الذي قادته جبهة وجيش التحرير الوطني ونفذه الشعب الجزائري الوفي على المقولة الزائفة »الجزائر فرنسية وأسمع صوت الثورة الجزائرية في المحافل الدولية ولدى الرأي العالمي« المجاهد العقيد: مصطفى عبيد رئيس المؤسسة الوطنية للولاية الخامسة التاريخية