يعرّف الحزب بأنه" مجموعة من المواطنين يؤمنون بأهداف سياسية و إيديوليوجة مشتركة و ينظمون أنفسهم بهدف الوصول إلى السلطة و تحقيق برنامجهم ". و الحزب بهذا المفهوم يشكل واجهة النظام السياسي في أي بلد , لأنه عبر الأحزاب و ما تنتجه من أفكار و ثقافة سياسية وما تبلوره من مفاهيم إيديولوجية و ما تنشئه من تنظيمات ,و ما تطوره من برامج تمس مختلف مناحي الحياة , من خلال كل ذلك تساهم في تشكيل رأي عام حول العديد من القضايا الوطنية و الدولية , و تمنح بذلك مكانة لها على الساحة السياسية تمكنها من بلوغ أهدافها في الوصول إلى السلطة من أجل تجسيد برنامجها على أرض الواقع , وليس من أجل أغراض أخرى ... وعلى أساس هذا التعريف يمكننا قياس مدى مطابقة المشهد السياسي الجزائري لمقتضيات الممارسة السياسية السوية شكلا ومضمونا ؛فمن حيث المضمون عجز السياسيون عن إنتاج مشروع مجتمع قادر على فرض نفسه ومواجهة مشاريع منافسة, كما فشلوا في صياغة خطاب سياسي ينفذ إلى وعي المواطن ويساعده على فهم وضعه كفرد كامل الحقوق وإدراك أوضاع مجتمعه وما يترتب عنها من واجبات. وبدلا من تكوين مناضلين أنضجتهم الثقافة السياسية للدفاع عن مشروعهم السياسي, اكتفى السياسيون باستئجار خدمات أتباع للقيام بأدوار ومهام مؤقتة في المواعيد الانتخابية. أما من حيث الكم والشكل , يمكننا ملاحظة, أنه من بين أكثر من سبعين حزبا سياسيا تم اعتماده في الجزائر في عهد التعددية الحزبية, لم يكن عدد الأحزاب ذات التمثيل النسبي ضمن الهيئة الناخبة يتجاوز أصابع اليد , مما جعل وسائل الإعلام تتعامل باستخفاف مع معظمها. فكان يكفي اتفاق 15 شخصا لتشكيل الهيئة التأسيسية لإنشاء حزب سياسي, الأمر الذي شجع موظفين سابقين وضباطا متقاعدين ومناضلين "تاريخيين" على إنشاء أحزاب خاصة بهم مستفيدين من الدعم الذي تقدمه الدولة . وظهرت في الجزائر أشكال عجيبة من الأحزاب, كالأحزاب العائلية التي تجمع الابن وأباه أو يتداول على رئاستها الزوجة وزوجها والذي يركز البحث في هذا المجال يجد العجب . وتمثل الاحتجاجات والإضرابات والانتخابات ومختلف التظاهرات الحزبية أو الرسمية , الواجهة التي تنعكس فيها هشاشة السياسة وضعف الثقافة. فحين يوظف الحزب أطفالا ونساء وشيوخ الأحياء الشعبية الفقيرة والبطالين لتوزيع مطبوعات الحملة الانتخابية للمرشحين ومراقبة صناديق الاقتراع وعمليات فرز الأصوات، لا يمكننا الحديث عن ثقافة سياسية. وحين يمارس العنف اللفظي بين من ينشطون الحملة الانتخابية، لا يمكننا الحديث عن فهم ثقافي لاستحقاق سياسي يقوم على أساس تدافع الأفكار ولغة إقناع العقل وإشباع العاطفة وإيقاظ الإرادة النضالية. وحين تتشابه الخطابات والشعارات إلى حد التطابق، رغم اختلاف الأحزاب و«برامجها"، لا يمكننا الحديث عن رؤية ناضجة لتصور ثقافي ناضج يتيح التجديد في المؤسسات, ويؤخلق السلوك ويعيد للخطاب (الثقافي والسياسي) مصداقيته, ويترك مجالا واسعا للمواطن (أو المناضل) للمساهمة في القرارات والخيارات الكبرى. وفي غياب السياسة الثقافية تغيب الثقافة السياسية بدورها, علما أن الأولى من مسؤولية النظام , بينما الثانية من مهام المثقفين والأحزاب والمجتمع المدني. وإذا تأكدنا من القطيعة المزمنة بين المثقفين والمجتمع السياسي، بدا لنا بجلاء أن المثقف، وهو يبدع أو يفكر أو يحلل، يتوجه بذلك إلى جمهور عريض وغير محدد هو القارئ أو المشاهد، ومن ثم فهو غير معني بتأطير الناس أو توجيههم في نطاق مؤسساتي, فذلك, دور الحزب على وجه الخصوص فيما تعلق بمهامه في مجال التكوين السياسي المستمر, فالسياسي (الحزبي) الذي ليس له اطلاع على ما ينتجه مثقفو بلاده ليس أهلا لممارسة السياسية. لقد كان الرهان على التعددية الحزبية ليس فقط من أجل تجديد المشهد السياسي ذي الوجه الوحيد, وإنما لإثرائه بوجوه متعددة وفي حدود المعقول ضمانا للفعالية والأداء الأفضل وهما أهم ما تتميز به الأحزاب الغربية عموما تأطيرا وإنتاجا فكريا وسياسيا وتنظيما وقرارات و ممارسة سياسية على مدار أيام السنة. وينبغي التمييز هنا بين نوعين من الممارسة السياسية؛ممارسة تسعى إلى تحقيق الأفضل للمجتمع من حيث التصورات الفكرية المأمول تحقيقها، والمثل الأخلاقية و المبادئ الإنسانية و الحقوق و الواجبات ...؛و ممارسة سياسية مغايرة لا تقوم على المبدأ بل على المصلحة، ولا همّ لصاحبها سوى احتلال المواقع التي تسمح بالوصول إلى المصالح بكل أنواع التحايل على الواقع السياسي. وهو ما ينطبق على كثير من الأحزاب التي أنتجتها التعددية السياسية في الجزائر. ومن هذا المنظور يمكننا القول أن تجربة التعددية الحزبية في الجزائر رغم ما توفر لها من إمكانات مادية و تشريعية ودروس الميراث التاريخي السياسي للحركة الوطنية, لم تؤسس لظهور ثقافة سياسية من شأنها تصحيح الممارسة السياسية في البلاد شكلا ومضمونا وتوجه الأحزاب نحو الاندماج بدلا من الانشقاق.