وتدعو كريما من يجود بماله ***** ومن يبذل النفس النفيسة أكرم (أبو فراس الحمداني) في الشهداء يقول القرآن الكريم : »ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون« (آل عمران / 169)، الخطاب في هذه الآية الكريمة موجه مباشرة إلى الرسول محمد عليه الصلاة السلام وعن طريقه إلى كافة المسلمين عبر التاريخ، وكان موجها في نفس الوقت وبطريقة غير مباشرة أيضا إلى كفار قريش (فهم قد تحسروا على أن القرشيين خاصة والعرب عامة كانوا يقتلون بعضهم، وزعموا أن أتباع محمد ذهبوا سدى مثلهم مثل القرشيين أعداءهم)، فنزلت الآية الكريمة بعدم التسوية بين الأموات فأتباع محمد (صلى الله عليه وسلم) شهداء وأعداؤهم كفار، والمصير يختلف بين الفريقين، فالمسلمون قتلوا في الظاهر فقط، ولم يموتوا حقيقة بل هم أحياء، »بل أحياء عند ربهم يرزقون« وهو ما يعني أن موتهم أصابت الأجسام فقط وتبقى الأرواح حية حياة خاصة، فهم في منزلة بين المنزلتين أحياء ولكن ليس الحياة التي تعرفون، وهم أموات ولكن ليس كالأموات الآخرين. وفي خصوص شهداء الجزائر نجد: 1) إن الرقم الرسمي لشهداء حرب الإستقلال (1954 / 1962) هو أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، وهو رقم أجمع عليه زعماء الثورة التاريخيون، والمجاهدون والمؤرخون والمثقفون أيضا. * المحرقة فرنسية 2) الزعيم الرئيس أحمد بن بلا في الكثير من تصريحاته حدد الرقم بأكثر من مليون ونصف المليون شهيد، وفي تصريحات أخرى ذكر أن العدد يتجاوز السبعة ملايين منذ أن دخل الإستعمار الفرنسي أرض الجزائر في 19 جوان 1830 بالإضافة طبعا إلى المشردين والنازحين والمهجرين والجرحى والمفقرين بعد الإستيلاء على أملاكهم، وعلى أموالهم من ماشية وتجارة... الخ وإلى أعداد لا تحصى من الجرحى والأيتام والأرامل والثكالي.. الخ. 3) والمعروف في التاريخ أن المحرقة لم تكن بدعة ألمانية كما يدعي الإسرائيليون ودول الحلف، في الحرب العالمية الثانية، بل يعود تاريخ تلك البدعة الخرقاء إلى فرنسا، وبالضبط إلى ما يعرف في التاريخ الجزائري بحادثة محرقة الغار سنة 1846، حيث أن قبيلة التجأت إلى غار فرارا من جيش جرار، كان يقوده ثلاثة جنرالات: فرنسيان وهما بيجو وبيدو، وثالثهم الجنرال يوسف العنابي وهو متفرنس متنصر من أصل جزائري، وقائد الحملة الجنرال لاموريسيار، وهو من أمر بجمع الحطب الأخضر واليابس والتبن وتكديسها في فوهة الكهف مع الغلق بإحكام، وإشعال النار، فاختنق أفراد تلك القبيلة عن آخرهم، وتلك المحرقة الأولى علامة مسجلة في التاريخ الأسود لفرنسا في الجزائر، وأصبحت معروفة بواقعة »شهداء الغار«. 4) مؤتمر جبهة التحرير الوطني المنعقد فيما بين نهاية ماي وبداية جوان 1962 صدر عنه ميثاق (برنامج) طرابلس، وجاء فيه أن الجزائر ضحت بأكثر من مليون شهيد، وابعد وسجن الملايين، في حرب على استعمار فرنسي سانده الحلف الأطلسي وبمساعدة عسكرية وديبلوماسية أمريكية (ميثاق طرابلس »النصوص الأساسية لحزب جبهة التحرير الوطني 1962/1954« قسم الإعلام والثقافة لجبهة التحرير الوطني ص / 57). 5) والمؤتمر الأول لجبهة التحرير الوطني المنعقد في الجزائر في 21/16 أبريل 1964 جاء فيه بأن النتائج الأليمة لحرب الإستقلال في الجزائر كانت: - أكثر من مليون شهيد. - ما يقرب من 3 ملايين كانوا في المحتشدات والتجمعات والمراكز أقامتها فرنسا وجمعتهم فيها لإبعادهم عن الثورة وعزل الثورة عن الشعب الجزائري للقضاء عليها. - 40.000 معتقلين وموقوفين. - 300.000 لاجئين خاصة في تونس والمغرب. - 700.000 من النازحين من القرى والأرياف إلى المدن (المرجع: ميثاق الجزائر. طبع اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني. مطبعة جريدة النصر قسنطينة ص 92/91). * أطول حرب 6) ثورة التحرير الجزائرية كانت أطول حرب استقلال في القرن العشرين، كانت فعلا حرب تحرير، فتحررت الكثير من الدول مباشرة بعد إندلاعها، وأخرى تحررت أثناءها أو بعدها مباشرة، بسببها أو اقتداء بها، فكانت انتصارا لكل الشعوب المستعمرة، كما كانت السبب في إنهاء التمييز العنصري كما في جنوب إفريقيا، وهي ثورة كانت بمساعدة البلدان العربية وخاصة ثورة 1952 في مصر، أخذت العبرة من حرب فيتنام (1954) والحرب العالمية الثانية قبل ذلك ومرجعيتها ميثاق الأممالمتحدة في مبادئه بإنهاء عصر الإستعمار، وإن كانت نتائجها فظيعة بأن ضحى الشعب الجزائري بأكثر من عشره، (كان تعداده وقتها أقل من 10 ملايين)، فذلك لشراسة الإستعمار الفرنسي وتشبثه بالجزائر بأي ثمن. * العرب والإنتصار 7) تقول إحصائيات لمؤرخين فرنسيين أن فرنسا قدمت للحرب العالمية الأولى (1918/1914) 173 ألف جزائري، قتل منهم 80 ألفا، واستعملت 119 ألف جزائري أيضا في إعادة بناء فرنسا بعد تلك الحرب العالمية (ستورا، بنجامان« الجزائر في التاريخ المعاصر 1988/1830« مطبعة القصبة. حيدرة الجزائر 2004 ص / 48). والحرب العالمية الثانية دخلتها بتجنيد العرب من شمال إفريقيا، وجعلت منهم حطب تلك الحرب المدمرة، فكانت نسبة العرب في جيش فرنسا أكثر من 90 في المائة، ونسبة القتلى منهم تساوي نسبة عددهم لا محالة، وبأولئك المجندين العرب سواء متطوعين كانوا أو مجندين في إطار الخدمة العسكرية الإجبارية، انتصرت فرنسا، أو كادت تنتصر، بفضل العرب وبفضل دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية الحرب إلى جانب الحلفاء (الرئيس بن بلا يكشف أسرار ثورة الجزائر« كتاب الجزيرة شاهد على العصر »الدار العربية للنشر ودار ابن حزم. طبعة أولى 2007 ص / 51/50) فالجزائريون دفعوا الثمن غاليا، أشركتهم فرنسا، في كل حروبها، أدخلتهم حروبا لا تعنيهم، كان ذلك بفعل قانون الخدمة العسكرية الإجبارية الصادر سنة 1912، وهو قانون تسبب في هجرة عدد من العائلات الجزائرية إلى بعض البلدان العربية المشرقية كسوريا والسعودية ومصر أيضا، وبفعل ذاك القانون أدخلت الجزائريين في الحربيين العالميتين الأولى والثانية، كما أدخلتهم في حروبها الأخرى منها حربها في الريف المغربي (1926/1921) وفي سوريا (1923/1922) وفي الهند الصينية في منتصف القرن العشرين، وفي تلك الحروب قتل الآلاف من الجزائريين وجرح الكثير وأعطب الكثير ببتر الأعضاء. الرئيس بن خدة بن يوسف »جذور فاتح نوفمبر 1954« طبعة ثالثة 2009، مطبعة هومة. الجزائر ص 71/31). وفي حرب التحرير الجزائرية استعملت نسبة منهم في مواجهة اخوتهم الثوار، وتقول احصائيات أن الثوار قضوا على أعداد من العملاء لتعاونهم مع فرنسا، وقدرت عددهم ب / 69.000 (ستورا بنجامان المرجع السابق ص /208). 8) فرنسا كبّدتها حرب التحرير الجزائرية خسائر بشرية بحوالي نصف مليون قتيل، عسكريين ومدنيين، فرنسيين وأقدام سود وعملاء جزائريين أيضا، وسقوط 6 حكومات، بالإضافة طبعا إلى إنقلاب عسكري على الجمهورة الرابعة وتأسيس الجمهورية الخامسة، لمواجهة حرب التحرير الجزائرية وجاءوا برجلهم شارل دوغول فأنقذهم، ثم تخلوا عنه فيما يشبه طرده سنة 1968. * »الأرض تدور« 9) بعض المؤرخين الفرنسيين ومعهم جزائريون فرانكوفون يشككون في رقم المليون ونصف المليون شهيد جزائري، ويستشهدون بإحصائيات أصدرتها الحكومة الفرنسية استنادا على معلومات عسكية، تحدد عدد شهداء الجزائر بحوالي نصف المليون فقط، ويقولون أن الجزائريين يرون أن عدد ضحايا حرب التحرير كان مليون ونصف مليون مليون ضحية، وضحية لا تعني القتلى فقط، فكل قتيل ضحية، إنما ليس كل ضحية قتيلا، وهو ما يعني في نظرهم أن عدد شهداء الجزائري حوالي نصف مليون ومليون من الجرحى والمعطوبين والمرضى والعجزة، ومن ثم فلا يجوز في نظرهم التلاعب بكلمة »ضحية« بإطلاقها على القتلى فقط (غي برفيلي في مقاله: »حرب الجزائر كم قتلى؟« منشور في كتاب الأستاذين / حربي محمد وستورا بنجامان« حرب الحزائر »2004/1954 عودة الوعي« الجزء الثاني : العنف والتمثيل منشورات شهاب. الجزائر 2004 ص 140/139) ويبدو أن الأستاذ / بيرفيلي من الذين اكتشفوا أخيرا أن » الشمس مضيئة وأن الأرض تدور« * متيران السفاح 10) انتهت الحرب العالمية الثانية بإنتصار دول الحلف على دول المحور، وباحتفالات النصر في ماي 1945 خرج الجزائريون كشعوب العالم محتفين، وبالمناسبة ذكروا فرنسا بوعودها بمنحهم الإستقلال إن هم أبلوا البلاء الحسن في الحرب، وقد ابلوا فعلا، وكانوا السبب في تحريرها، كماذكروها بمبادئ توما ويلسون (1919) وميثاق الأطلسي (1941) غير أن جزاء فرنسا لم يكن كالجزاء إذا اغتالت منهم 45 ألف شهيد، واعتقلت وأدانت الكثير. 11) أثناء ثورة التحرير كانت المقنبلات والراجمات وبالأسلحة المحرمة تحرق الأرض ومن عليها في الجبال والبراري، تدك القرى وتبيد قطعان الماشية والمحصولات الفلاحية، وفي 19 يونيو 1956 بدأت المقصلة تفعل فعلها في ثوار الجزائر، بتنفيذ الإعدام ليلا في الشهيد أحمد زبانا في سجن بربروس (سركاجي)، كان هو الرقم الأول، والثاني في نفس الليلة الشهيد عبد القادر فراج، ووصل العدد إلى 222 شهيد قطعت رأسهم المقصلة الفرنسية، كان أغلبها في عهد وزير الداخلية ثم وزير العدل، (1957/1954) فرانسوا ميتيران، وهو من وصفه خلال الثمانينيات من القرين العشرين أحد الذين ترأسوا الجزائر خطأ بأنه »صديقه الوفي« وكان وقتها السفاح ميتيران رئيسا لفرنسا. وفي الشيهد أحمد زبانا قال شاعر الثورة مفدي زكريا قصيدته الشهيرة »الذبيح الصاعد« وخاطبه بقوله: »يا »زبانا« ورفاق »زبانا« عشتم كالوجود، دهرا مديدا« »كل من في البلاد أضحى »زبانا« وتمنى بأن يموت »شهيدا« !!« والمقصلة (Guillotine) هي آلة بها تفصل الرؤوس عن الأجساد، وهي من تفتحت عليها عبقرية الطبيب الفرنسي غيوتان، فنسبت إليه وسيمت باسمه تشريفا له على اختراعه (!)، وكان وقتها عضوا في اللجنة التأسيسية للثورة الفرنسية (1789)، وبدئ في استعمالها 25 أفريل 1792. 12) التاريخ الجزائري الحديث يشهد بتخليد أبطال تارخيين من أمثال : الأمير عبد القادر، وحفيده الأمير خالد، والزعيمين حاج أحمد مصالي وأحمد بن بلا، وأبطال وطنيين من أمثال: أحمد زبانة وبن مهيدي وعميروش وديدوش مراد وزيغود يوسف وبن عبد المالك رمضان وجميلة بوحيرد. 13) الشهداء عند المسلمين من الرموز المقدسة، وهم فعلا يستحقون تلك المرتبة، ونذكر جميعا انه بمجرد خلاف وهمي بين الجزائر ومصر على اثر مباراة رياضية بين الفريقين الجزائري والمصري في القاهرة فيما بين 18/14 نوفمبر 2009، كانت واقعة ما عرف تلك الأيام السود باعتداء مناصرين رياضيين مصريين على حافلة الفريق الرياضي الجزائري وعلى عدد من المناصرين الجزائريين، وتلك أحداث نفخ فيها المناوئون للقومية العربية وللتقارب بين الشعبين الجزائري والمصري، فكادت أن تكون أحداث 18/14 نوفمبر كارثة سياسية، والرقم 18/14 يذكرني بالحرب العالمية الأولى (1918/1914) ولولا لطف اللّه تعالى وحكمة الحكماء من هنا وهناك لوقع بين الجزائر ما وقع سنة 1969 بين اللايتينيتين هندوراس وسلفادور وقد أشعلاها حربا بينهما نتيجة مباراة كرة قد أيضا. تلك الإعتداءات كانت لشدة التنافس للفوز بمباراة تصفيات للفوز والمشاركة في كأس إفريقيا لسنة 2010 وقدر لهما إن فازا معا بالمشاركة في تلك الكأس، خسرها الفريق الجزائري، وفاز بها الفريق المصري وهو من محليين، واحتفظ بها لسبق فوزه بها من قبل. * نفوس مريضة في خلاف رياضي، تدخل إعلاميون ومثقفون وحتى سياسيون من الصفوف الدنيا من هنا ومن هناك، خلاف غذاه وضخمه من في نفوسهم مرض، وكانت الشرارة حصة »حصاد الأسبوع« من قناة »مودرن سبور« المصرية، دار فيها حوار بين إعلاميين احدهما مذيع في تلك القناة وآخر صحافي في جريدة، فقال المذيع ردا على أحد المشجعين المتدخلين بالتليفون وهو من قال في تدخله: »... إننا نحترم بلد المليون شهيد« فرد المذيع »إنها فعلا بلد المليون شهيد« عندها تدخل الصحافي ضيف الحصة (والمصريون معرفون بالتنكيت) فقال »زاد العدد إلى مليون ونصف بمناسبة زيادة الأسعار« تلك عبارة اعتبرها الجزائريون اهانة وسبابا وشتيمة لشهداء الجزائر، شرارة أشعتل نارا وقودها الناس هنا وهناك، وبلغت درجة التعتيم والتعميم، أوباش من هناك بالغوا أكثر وتفوهوا بكلام جارح ورد عليهم آخرون من هنا بكلام أكثر فداحة وأعمق جرحا، فتبادلوا الجهل وشعارهم بيت شاعر: »ألا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا« أذكر أني وقتها كتبت مقالا عنوانه »... والآن أتكلم« نشرته مساهمة مني في تطبيب الخواطر، وتهدئة النفوس المتشنجة وتبريد الأعصاب المتوترة، وبعد حوالي سنة من الد والجزر وتبادل الخطابات الصحافية بكلام أكثره غير مباح، هدأت الأعصاب وعادت الفرق الرياضية إلى المنافسة في القاهرة وفي الجزائر، وانتهت الأزمة على اثر أحداث 25 يناير 2011 بقيام الثورة المصرية الجديدة، وإزاحة أبناء النظام هناك وهم من كانوا السبب في النفخ في ذاك الخلاف الرياضي، الذي أعدنا إلى ما يشبه حروب عبس وذبيان وداحس الغبراء. اعتقد أن لا شهداء الجزائر الأبرار، ولا عبد الناصر وبن بلا وخيضر، ولا حسين الشافعي وسعد الدين الشاذلي، يرضوون بما قيل وقتها، ولا عامة الشعب الجزائري والمصري ولا خاصتهم، كانوا رضين عما أذاقوا بعضهم من شتائم (»... أتهلكنا بما فعل السفهاء منا...« الأعراف / 155)، والمصريون والجزائريون يجمعهم كل شيء ولا أجد شيئا يفرقهم، وهم من جمعتهم ثورة التحرير الجزائرية (1962/1954) ثم مجهودات الحرب على إسرائيل لتحرير الأرض المقدسة، كان ذلك خاصة في حرب أكتوبر 1973 التي قادتها الفريق سعد الدين الشاذلي عليه الرحمة، وانتصرت الجيوش العربية لو سياسيا ونفسيا أيضا. وفي مصر وجمال مصر، قال شاعر الثورة مفدي زكريا من زنزانته في بربروس سنة 1954، على إثر العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر، قصيدته لمطولة : »قل يا جمال«: »قل يا جمال يردد قولك الهرم واحكم بما شئت تنجز حكمك الأمم« »لن يخزي اللّه شعباً فيه ناصره ولا كبا وطن تسمو به القيم«