الطفل حباه الله بكرامات دون سواه وأنفرد بخصال وشيم صقلت شخصيته وعاش ما بين 140 و160 سنة. تحتل الحكاية الشعبية لدى سكان ولاية تندوف مكانة هامة في حياتهم، حيث دأب السكان منذ القدم على سرد مختلف الحكايات والاساطير حتى أصبحت لصيقة بتراثهم الثقافي، ومن ابرز الحكايات والقصص الشعبية الاكثر شيوعا وانتشارا بين أهل تندوف، وغيرهم هي قصة هدارى التي تبدأ مع النعام كون الطفل عاش قرابة 10 سنوات كاملة مع النعام، وللخوض في تفاصيل القصة الكاملة لهدارى الطفل النعام لابد علينا من الانطلاقة من حياة النعام التي هي بداية الحكاية، ولعل الغريب في قصة هدارى التي اختلفت الحكايات والروايات بشأنها، هو كون الطفل النعام المعروف ب: هدارى عاش جل حياته مع النعام، حتى أصبحت النعامة هي الرفيق والصديق، وكادت حكاية هدارى أن تتجانس الى حد ما مع قصص كثيرة شبيهة كقصة حي بن يقظان أو طفل الغابة طارزان. غير أن قصة هدارى تمثل قصة طفل عربي، متشبع بالقيم الإسلامية، وتقول الحكاية التي أصلها السرد الشفوي لشيوخ كبار عرفوا هدارى، أو عايشوا أهله أن هذا الفتى قد حباه الله تعالى بكرامات دون سواه ، وأنفرد بخصال وشيم أصبحت تشكل عضد شخصيته التي تجمع بين الحقيقة والخيال، يقول محمد سالم وهو شيخ من شيوخ تندوف وتحديدا من سكان البدو الرحل أن هدارى يشتاق الى صوت النعام كلما سمعه، وكانت عباراته المشهورة والتي لم ترافق كل من عاصره باقية على لسان أهل تندوف كلما أثيرت قصة طفل عاش مع النعام بصحاري تندوف الشاسعة ( أشتقت الى أمهاتي النعامات ، وذلك يعني باللهجة المحلية للسكان والمعروفة بالحسانية : أماتي النعامات ...) تفاصيل القصة الكاملة لهداري كما أسلفنا القول تبدأ مع تيه الطفل في مناكب الصحراء وهو ابن السنتين آنذاك ، ليجد نفسه جراء عاصفة هوجاء وسط جول النعام ويمكث معها 10 سنوات ، ليجده أبواه بعد مضي 12 سنة من المكوث في عالم النعام المليء بالأسرار التي أصبح طيلة تلك الفترة يفك رموزها وينطق لغاتها. وبعد بحث مضني لأفراد العائلة عن الطفل الضائع وسط العاصفة العاتية التي حلت بمكان تواجد أسرته بصحاري تندوف الشاسعة تم العثور عليه بأعجوبة يسردها شيوخ تندوف للصغار عن شخصية تاريخية وثقافية على قدر كبير من الاهمية والتقدير بين الاوساط الاجتماعية ، عند العثور عليه كان هدارى لايتكلم ، فأخذوه الى الساقية الحمراء ووادي الذهب حيث زاوية الشيخ ماء العينين وكان عالما وراع وصاحب حكمة ووقار تشد له الرحال من كل مكان للتبرك ، فمسح على رأسه وابتسم له وقال لأهله أربطوا قدميه بحبل فدلوه معكوسا في قعر البئر ، فلما فعلوا ذلك صرخ هدارى من شدة الخوف، ومن ثم نطق وتعلم الكلام، وبدأ يندمج مع المجتمع وصار يحكي أحداثه وأحواله ومغامراته مع الاسود والذئاب ووحوش الصحراء . وحسب الاخبار والاقاويل المتناقلة والمتواترة من أفواه سكان المنطقة فان هدارى الطفل النعام ينحدر من أيدشلي ، ويوجد ضريحه على بعد 50 كلم من بلدية تندوف وشكل اهتمام بالغ لدى الكثيرين، وتقول الحكايات الشعبية المتحصل عليها أن الطالب سالم بن ابراهيم تلميذ العلامة المرحوم الشيخ بلكبير طيب الله ثراه ، هو من كتب سيرته وقد أملاها عليه هو شخصيا في مدة ناهزت 30 يوما، كما يوجد الكثير من أهل تندوف ممن يحتفظ الى يومنا هدا بتفاصيل أوفر ودقيقة عن حياة هدارى مع النعام ومنهم عفان الحسين وهو من أهل التاريخ والتراث اهتم بتربية النعام الذي جلبه من افريقيا ، ويذكره صوت النعام الموجود بحديقته ذكريات الطفل النعام ، وسرد لنا بعض الشيوخ حكايات أغرب منها للخيال من الواقع لكنها تلق اجماعا كبيرا حول أحقيتها ، ومنها على سبيل الحصر كرامة رضع الحليب من أبهمه في صغره ، عندما تاه ووجد نفسه بين صغار النعام يهدل ويصيح مثلها ، اضافة الى كونه اذا تكسر الزجاج بجانبه أكله ، ولا يتأذى بأكله ، وبمرور السنين شابت لحيته دون شعر رأسه ، وكلما سئل عن ذلك قال ان الشيخ ماء العينين مصطفى بن مامين صاحب زاوية السمارة بالصحراء الغربية قد مسح بيده على رأسه فلم يشب رأسه ببركة الولي شيخ ماء العينين . عمّر هدارى طويلا، فهناك من يقول أنه عاش ما بين 140 و160 سنة، وأفادنا بعض الذين عرفوه أن من صفاته أكل الحنظل، وشوك شجرة الطلح وكل ذلك لايؤذيه حسب العارفين بشؤونه، اما بخصوص أسرته وأولاده فتقول الحكايات المتناقلة بالمنطقة أن هدارى رحمه الله ترك أولادا بعضهم مستقر بموريتانيا والبعض الاخر بتندوف ، وقد أدى هدارى فريضة الحج مشيا على الاقدام ، كما تقول الاخبار عنه أنه لم يركب مركبة قط في حياته . ونظرا لأهمية القصة التاريخية لهدارى ، وما تشكله من مادة حية وثرية لا براز مكونات شخصية فريدة اتسمت بالورع تارة، وبالأخلاق تارة أخرى ، فقد حظيت سيرته باهتمام بالغ من طرف الكتاب والمهتمين بعالم القصص الشعبية، والحال ينطبق على الكاتبة السويدية مونيكا زاك التي ألتقت مع ابنه المسمى أحمد بتندوف عام 1993 وأخذت عنه كل تفاصيل حياته المليئة بالأحداث والمغامرات ، وشكلت منها مادة اعلامية تعطي فكرة ولو بسيطة عن حياة طفل عاش ردحة من الزمن مع النعام في صحاري تندوف الشاسعة. واعتمادا على كل ذلك ، فان قصة هدارى وبكل ما تكتنفه من أسرار قادرة على أن تستثمر في انتاج فني تعميما للفائدة وابرازا لخصائص شخصية انسانية عاشت مع عالم النعام بعيدا عن ضوضاء المجتمع ، لتعود بعد عمر طويل بسلوكات أكثر ما يقال عنها صفات الصالحين.