يقول المثل : يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان، وأن فترة الامتحانات من أصعب المراحل التي يمّر بها التلميذ في مشواره الدراسي، خاصّة عند اقتراب موعدها، والأكثر إذا كانت إمتحانات رسمية ، فالخوف من تلك الإهانة المتنوعة : إهانة المدرسة، والزملاء والمجتمع ككل له إن لم ينجح ، خوفا من ذلك المصير قد يفعل أيّ شيء حلالا أو حراما ومن ذلك اللجوء إلى الرقاة والمشعوذين ، فهل الظاهرة صحيحة لتلاميذنا أو لا ؟ لحظات الحسم اقتربت بالنسبة لتلاميذ الأطوار الثلاثة ، والذين يعيشون على أعصابهم في هذه الأيام ، منهم من يراجع دروسه ، وآخرون يفضلون الراحة بعدما بذلوا جهدا معتبرا في السنة الدراسية ، وآخرون يرتاحون ، لأنهم واثقين من نجاحهم ، بل لأنهم واثقين من فشلهم ، وهم الذين لم يفعلوا شيئا، وقد يعتمد البعض منهم على الغش كآخر محاولة ، ولكن آخرين صار النجاح مرادفا لهم للحياة ، اجل كثير من التلاميذ تحوّلت تلك الامتحانات لديهم إلى رعب حقيقي، وخوف من الرسوب الذي يعادل الرسوب في الحياة كلها، وفي نظر أقرب المقربين ، من الأولياء إلى الحي والجيران والأقارب وكل الناس ، ما يجعلهم يفعلون المستحيل لكي ينجحوا، ليس فقط بالدراسة والاجتهاد، ولكن بالذهاب عند الرقاة أو المشعوذين لكي يبعدوا عنهم السحر والعين، إن كان بهم سحرأو عين ، وللتقرب من هؤلاء ومن الظاهرة اتجهنا إلى الشيخ ( ع _ أ ) بالمدينة وهو الراقي الذي استقبلنا وحدثنا عن الموضوع الذي لم يصبح مجرد حالات منفردة ، ولكن ظاهرة عامة ، ومشتركة بين التلاميذ الذين يأتونه من مختلف الأطوار الدراسية ، ومن شتى المناطق ، بعضهم يأتي رفقة والديه ، وآخرون يأتون بمفردهم ، يطلبون منه أن ينزع عنهم السحر أوالعين، وأن يمنحهم الشجاعة ، وكل تلميذ له رؤيته الخاصة لهذه الرقية ، بعضهم يقول لنا الشيخ : يدرك أنها رقية وانه كلام الله الذي يشفي من الأمراض، والبعض الآخر يحسبون أن الرقية تجعلهم يحصلون مباشرة على الشهادة دون عناء وتعب ، وهي أمور يضيف محدثنا ترتبط بالأساس بثقافة التلميذ وأسرته ، وقبل أن نتحدث إلى الشيخ كانت قد استوقفتنا بعض العينات لتلاميذ جاؤوا، وبدا عليهم الخوف والحيرة، لم يشأ أغلبهم التحدث إلينا، كانت "م - ز" وهي فتاة في الخامس عشرة من العمر، كانت تجلس ولا تكاد تنطق بكلمة ، كانت خائفة، ربما من كل شيء، من الشهادة والامتحان التي هي مقبلة عليه ، ومن الرسوب، ومن الرقية، ومن الناس، ومنا كذلك ، ومن كل شيء، حتى حسبنا أن هذه الزيارة قد تزيدها خوفا على خوف ، أما " ع _ م " فقد أتى رفقة زملائه ، لم يبد عليه شيء من ذلك ، بل بالعكس تماما، كان مرحا وحيويا، وكان يتحدث ويمزح ، وقال لنا : ما إن سألناه عن سبب الزيارة قال : " الناس كلهم جاؤوا فجئت " هذه الإجابة التي تجعلنا نفكر في أن زيارة الراقي صارت إحدى الوسائل التي ينتهجها التلاميذ قبل الخوض في غمار الامتحانات الدراسية، ويضيف " ع _ م " : "والدي لم يأت معي ، ولكني عندما أخبرته بالأمر لم يعترض ، أو لم يهتم لا ادري ، ما أعلمه أن الناس تأتي إلى هذا الراقي ، ولست وحدي ، وقد أتيت رفقة زملائي"، قال هذا قبل أن يضيف مازحا : "أنا لا أريد أن أفارقهم في الجامعة ، إما أن ننجح جميعا أو نفشل جميعا فندرس معا " ، ولم ننتظر قليلا لتدخل سيدة برفقة ابنتها، أتت بها بعد أن فشلت الفتاة في الشهادة خلال العام الماضي ، وهذه المرة جاءت بها لكي ترقيها ، تقول : " ليس من العادي ما يحدث لابنتي ، فهي من الأوائل في القسم ، ولكنها في الامتحان ترتبك، وقد رسبت السنة الماضية، ولا شك أن بها سحرا ، من ابنة خالتها التي تغار منها، أو الجارة التي لم تفلح في شيء ، " كانت محدثتنا أكثر ارتباكا من ابنتها ، أما الشيخ فقال : "حوالي ثمانين بالمائة ممن يأتون إلي لم يصابوا بسحر ولا شيء، وليس إلا الشك و"التوسويس" والرغبة في النجاح بأي ثمن من يدفعهم لهذه الخطوة ، ولكني أرقي لهم ، لان كلام الله في كل الأحوال مفيد، وحتى من الناحية النفسية فعندما أرقي لهم يحسبون أنهم سينجحون، ولا يجعلهم هذا يتكاسلون، بل بالعكس يدخلون تلك الامتحانات بأكثر ثقة ، و هو أمر يساعدهم كثيرا، ولكن الظاهرة المؤسفة التي نراها هي أن البعض يلجأون إلى المشعوذين ، وقد حدث معي أن جاءتني طالبة وطلبت مني أن افعل شيئا لكي لا تنجح جارتها في الامتحان، فجلست إليها ساعة أفهمتها أن ذلك هو سحر، و العياذ بالله ونصحتها أن تبتعد عن تلك الممارسات، وأن تتوكل على الله، لا أحد سواه وأن تجتهد وتؤمن بالقضاء والقدر، ففعلت ما نصحتها به، ونجحت هي وجارتها تلك وجاءت لتقدم لي الشكر، فالحمد لله ".