لم تمر سنة 2018 بردا وسلاما على قطاع الثقافة بالجزائر وعلى مسؤولها الأول عز الدين ميهوبي، نظرا لما شهدته من احتجاجات كانت مثيرة للجدل في العديد من المرات، فسياسة ترشيد النفقات التي طالت القطاع بعد الازمة الاقتصادية التي عرفتها الجزائر في سنوات الاخيرة اثرت سلبا على تسيره، خاصة وأن البعض يرى أن الأمر لا علاقة له بالتقشف إنما يعكس استراتيجية جديدة للقطاع الثقافي، في حين يرى آخرون إن طريقة التي يسير بها القطاع لم تكن مهنية ولا عادلة. سنة 2018 التي كان ينتظر منها العديد من التغيرات بعد الوعود التي قطعها وزير الثقافة عز الدين ميهوبي خلال تنصيبه على رأس الوزارة منها إنشاء مراكز ومعاهد ثقافية وإنجاز مدينة سينمائية ببوسعادة ووهران ،وتحسين الوضعية العامة للمثقف، إلا أن كل هذا لم يرى النور، مما عرض وزير الثقافة إلى انتقادات لذعة طالته وطالت سياسته التي وصفها اغلب المنتسبين لهذا القطاع بسياسة “الشلة”، و”المعرفة” ، التي أدت إلى ركود الساحة الثقافية، وأفقدتها دورها التنموي والإصلاحي لتصبح عبئا ثقيلا على الخزينة العمومية، وارجع المثقفين هذا التدهور بسبب إستراتيجية وزارة الثقافة في تسيير القطاع، والتي اعتمدت على الهيمنة المطلقة على الفعل الثقافي مما أدى إلى استفحال عدة آفات نخرت جسد الثقافة، من بينها الرقابة و المعاملة بالمحاباة و نهب المال العام، وما زاد في احتقان الوضع وتازمه هو غياب الجزائر في المحافل الإقليمية والدولية في مجالات السينما والفنون التشكيلية والمسرح والكتاب،… الخ. وازداد الأمر خطورة بعد تدخل وزارة الثقافة في عدة مرات لتوقيف نشاطات ثقافية مستقلة، و ذلك ما يتنافى مع المادة 44 للدستور والتي تنص على أن “حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة للمواطنين” و المادة 45 “لحق في الثقافة مضمون للمواطن”بالإضافة إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، أهمها اتفاقية اليونسكو لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي. .. المطالبة بالتدخل العاجل لرئيس الجمهورية ولأن المبدعين والمثقفين الجزائريين يدركون أن الوضعية الحالية لا يمكن أن تتواصل لأن القضية تتعلق بالثقافة الجزائرية والتي هي اليوم في خطر، وقع أزيد من 300 مثقف على بيان تنديد وجه الى رئيس الجمهورية مطالبين فيه بالتدخل العاجل لإحداث حركة تغييرية تشمل القطاع وأهم ما جاء في البيان “….ولأن عدد الإخفاقات و الانتكاسات في عهد وزير الثقافة الحالي أصبحت لا تعد ولا تحصى ، منها ما يصنّف في خانة "الفضائح" ، دون أن يحرّك هذا الوضع المتردي ساكنا ، بقدر ما أدى إلى بروز "عصبة" تستغلّ نفوذها ، وتمارس استبدادها وتبديدها للمال العام دون حسيب ولا رقيب” يضيف البيان ” نحن المثقفين والفنانين الموقعين نطالب بفتتح باب الحوار المغلق منذ سنوات وبشكل عاجل، وضع سياسة ثقافية واضحة بالتشاور مع الفاعلين الثقافيين و المثقفين يكون القطاع الثقافي المستقل فيها أساسيا، مراجعة النصوص التشريعية والقانونية التي تكبح حرية العمل الثقافي و التعبير الفني، على رأسها قانون السينما و قانون الكتاب وضع معايير شفافة تتعلق بتعيين لجان الدعم و المشاريع الممولة و نشر كل المعلومات المتعلقة بذلك على الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة”. هذه المطالب التي تعكس الصورة العامة التي آل إليها قطاع الثقافة بالجزائر حسب البيان من شأنها توضيح الرؤية والخروج من وضعية احتكار الفعل الثقافي من طرف شلّة معيّنة يعرفها القاصي والداني، تستأثر بتنظيم الأنشطة الأدبية والفنية ، وتحتكر المشاريع التي هي من حق الجميع دون استثناء، كما من شأنها وضع حد للممارسات البيروقراطية التي تؤدي الى الاقصاء والتهميش وتصفية الحسابات و التي يقف وراءها مسؤولو القطاع، كما من شأنها وضع حد لانتشار الفساد على جميع الأصعدة ، مما خلق "أثرياء جدد" باسم الثقافة ، وهو ما يستوجب المحاكمة أمام القضاء. أمام حالة التذمر والاحتقان والتخبّط التي وصل إليها المشهد الثقافي في الجزائر تستوجب وبشكل مستعجل، مراجعة العلاقة المتدهورة بين وزارة الثقافة والغالبية من المثقفين، وهي المراجعة التي يجب النظر فيها. “.. ريفكا” النقطة التي أفاضت الكأس خلق قرار وزير الثقافة بإشراك الشباب فاروق بوجملين المدعو “ريفكا” في فيلم سينمايي سينتج قريبا حول المدونين الشباب في الجزائر جدلا واسعا في الآونة الأخيرة ولغطا ادخل وزير الثقافة في دوامة صراع بين الفنانين والمبدعين،حيث لم يمر هذا القرار هو الآخر بردا على الوزير الذي دافع وبكل حماس على الشاب الذي وصفه بالهاوي ونجم المستقبل بعد تمكنه من تجميع اكثر من الف شخص في ساحة رياض الفتح في يوم ميلاده، ورغم عدم مشاركته من ذي قبل في أي عمل فني كان سينمائيا أو مسرحيا، وهنا تساءل عدد من الفنانين عن المعايير التي يمكن من خلالها وصف الفنان ب “النجم” ، معتبرين هذا القرار غير مسؤول. مهرجان وهران ومنع عرض فيلم ” العربي بن مهيدي” وقرار تعيين الإعلامي سليم عقار على رأس سينماتك نقاط سوداء في المشهد السينمائي
عرفت الدورة 11 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي انتقادات واسعة، سببها سوء التنظيم وإسناد المهمة لغير أهلها، فمنذ إصدار ملصقة المهرجان وحتى قبل الافتتاح الذي كان في 25 من جويلية المنصرم ، بدأت الانتقادات خاصة وان الملصقة اردها مصمميها نسخ ملصقة مهرجان ” كان السينمائي في دورته الاخيرة، وهنا تساءل المنتقدين هل حضور مهرجان كان يعني نسخ انتاجاته ام لأخذ الخبرة في التنظيم ومشاهدة الافلام، هذا إلى جانب التنظيم السيء ومستوى الافلام وحتى الحضور الذين أصبحت وجوههم مؤلفة بالمهرجان ولم تتغير على مدار ثلاث سنوات أي منذ تنصيب المحافظة الجديدة على رأسها ابراهيم صديقي، كما قرار منع عرض فيلم “العربي بن مهيدي” للمخرج احتقانا في ساحة الثقافية الجزائرية ، خاصة وأنه يرى فيه البعض في الحد من حرية الإبداع، أما قرار تعيين الاعلامي سليم عقار على رأس سينماتك العاصمة فقد خلق احتجاجات واسعة نطاق واضاعت بوصلة الوزير الذي أصبح مطالب بتبريرات لما يقوم به وما يقدمه للقطاع واستراتيجيته القادمة في تسييره. .. مسرح بحاجة الى صناعة وليس لإداريين مع دخول السنة الجديدة، بدأت تظهر بوادر أخرى للأزمة تخص ميزانية المسارح الجزائرية من المسرح الوطني إلى كل المسارح الجهوية، بتقليص الميزانية وتسريح بعض العمال والفنانين، مثلما حدث مؤخرا بالمسرح الجهوي لبجاية، إضافة إلى الوقفة الاحتجاجية التي ستعقد بالمسرح الوطني من قبل عمال المسرح ضد تسقيف المساهمة المالية لوزارة الثقافة بأكثر من 50 بالمائة للمسرح الوطني الجزائري، وما يعني أن المساهمة التي كانت تقدر ب 150 مليون دينار أصبحت 75 مليون دينار، وإن علمنا أن كتلة الأجور للعمال والفنانين في المسرح تساوي 90 مليون دينار، يجد المسرح نفسه أمام عجز حقيقي في كتلة الأجور يفوق 15 مليون دينار، دون احتساب تسيير وسائل النقل الخاصة للمؤسسة وتسيير القاعة الكبرى والقاعات الصغرى، وتسديد فاتورة الكهرباء والماء واستقبال الجمعيات الثقافية والتعاونيات الفنية، فضلا عن إنتاج المسرحيات واستقبال عروض فنية من خارج الولاية للصغار والكبار، إلى جانب دخول المهن المرتبطة بالمسرح متمثلة في المخرجين والسينوغرافيين والكوريغرافيين والراقصين، بما يعني التسريح الجماعي ل 60 بالمائة من مجموع العمال، وبالتالي انزلاق المسرح ليدخل مرحلة الخطر، وهنا نشير الى دعوة المسرحيين في كل مناسبة بإعادة النظر في استراتيجية تسير المسرح وفي مسيريه. .. ميهوبي يرد على منتقديه والمطالبين برحيله عز الدين ميهوبي باعتباره القائم الأول على رأس القطاع لم يرى في هذه الاحتجاجات صراعا بينه وبين المثقفين، بل اعتبره يندرج في إطار حيوية المشهد الثقافي الجزائري وقال في العديد من تصريحاته الصحافية الوطنية والدولية،”علينا التفاعل مع هذا الحراك بإيجابية، ربما بعض الأشياء لها خلفيات أخرى لكنني أحترم هؤلاء المثقفين الذين يريدون أن يتسع المجال، وأن تتوفر البيئة الصحية لإنتاج ثقافي مستديم وهذا الذي نعمل لأجله. التوقيت صعب… في ظل نقص الإمكانات ولكننا نهدف لتحسين البيئة الثقافية”. مشيرا الى ميزانية الوزارة والتي أصبحت لا تتعدى ما يعادل 1 بالمائة من إجمالي الميزانية العامة للدولة ومقارنة مع باقي القطاعات سياسة ترشيد النفقات هي من أسباب ركود المشهد الثقافي في الجزائر. .. 15 مليار دينار ميزانية قطاع الثقافة في 2019 خصصت الحكومة ضمن مشروع قانون المالية 2019، والذي تم عرضه شهر اكتوبر المنصرم على لجنة المالية للمجلس الشعبي الوطني، وتتضمن الاعتمادات المقترحة ميزانية تسيير قطاع الثقافة لسنة 2019، حسب وثيقة مشروع القانون تخصيص 2.000.000 دج ميزانية إعانات للمؤسسات ذات الطابع الإداري، بزيادة تصل إلى 0،02 بالمائة مقارنة ب2018، ويضم القطاع 138 مؤسسة و 625 ملحقة منها 15 مؤسسة تكوينية. أما المصالح اللامركزية التابعة للدولة فقد خصصت لها الحكومة، غلافا ماليا بقيمة 2.053.198.000 دج بزيادة تقدر ب 0.4 بالمائة مقارنة ب2018. و حسب ذات الوثيقة. حيث فستحظى التظاهرات الثقافية والسينماتوغرافية، بدعم مالي يقدر ب700.000دج خلال السنة الجديدة. كما ستستفيد الإدارة المركزية لجائزة رئيس الجمهورية علي معاشي من ميزانية تصل الى 7200 دج، إضافة الى 425.000 دج مخصصة كدعم للأوركسترا السيفونية الوطنية، والديوان الوطني للإعلام و الثقافة، و 120.000دج لديوان رياض الفتح، و 65.000دج لمؤسسة انجاز المشاريع الكبرى. و90.000دج للمجموعة الوطنية للموسيقى الأندلسية والوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، فيما تضخ الميزانية 170000دج لاوبيرا الجزائر و41.000دج للمركز الجزائري لتطوير السينما و37.000دج للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة. كما تخصص ميزانية الثقافة إعانات مالية لعديد المؤسسات الثقافية التي كانت قد عانت خلال السنوات الماضية من عجز مالي كبير، على غرار المتاحف العمومية الوطنية، دور الثقافة والمؤسسات السينوغرافيا، وديوان حماية وادي ميزاب وترقيته، ومركز الثقافة والفنون بقصر الرياس، والمركز الوطني للمخططات والمكتبات الرئيسية للمطالعة العمومية وديوان الحظيرة الثقافية و الديوان الوطني للحظيرة الثقافية والمركز الوطني للكتاب إعانة المدرسة الوطنية لحفظ وترميم الممتلكات الثقافية والوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة والمعهد الوطني العالي للموسيقى والمعاهد الجهوية للتكوين الموسيقي والمكتبة الوطنية للجزائر والمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري والمدرسة العليا والمدارس الجهوية للفنون الجميلة وقصر الثقافة مفدي زكريا والديوان الوطني للحظيرة الثقافية للأهقار و الديوان الوطني للحظيرة الثقافية للطاسيلي، إضافة إلى مؤسسات محلية أخرى.