يواصل مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس نشر تجارب الأسرى ، حيث ينشر بحلقة هذا الأسبوع تجربة الأسير المحرر عبد الرحمن التلاحمة من الخليل . أنا عبد الرحمن عبد العزيز القيق التلاحمة من قرية البرج المحاذية للخط الأخضر جنوب منطقة دورا – الخليل موالد عام 1955 درست فيها دراستي الأساسية وأكملت دراستي الثانوية في مدارس بلدة دورا المجاورة ، اعتمدت أسرتي في معيشتها على الزراعة وخاصة تربية الماشية ، بدأ نشاطي التنظيمي ضد الاحتلال منذ بداية سبعينات القرن الماضي حيث كنت طالبا في المدرسة ، فقد كانت منطقتنا في تلك الفترة ملاذا آمناً للفدائيين المطاردين المطلوبين للاحتلال ، كان هؤلاء المطاردون يشكلون القواعد الارتكازية للثورة الفلسطينية في الداخل المحتل وقد تركز غالبيتهم في منطقة دورا والتي تميزت بمساحتها الواسعة وجبالها الوعرة وتعاون أهل المنطقة مع تلك الظاهرة . كان ظاهر ادعيس العواودة الذي استشهد فيما بعد الذي استشهد في بيروت عام 1979 في إحدى الغارات الإسرائيلية ، على اتصال مع المطاردين كان احد أفراد تلك المجموعة التي كان يطلق عليها مجموعة الجبل ، والتي ضمت العديد من الفدائيين منهم باجس أبو عطوان ومصطفى عقيل ويوسف العواودة ( شعيب ) ويوسف عمرو وعلي ربعي وعلي أبو مليحة وخليل عبد الله ، وإبراهيم سالم ، ومحمد جبر العواودة كانت هذه المجموعة أساس القواعد الارتكازية للفدائيين الذين يمرون عبر محافظة الخليل جنوبا إلى قطاع غزة والفدائيين المتوجهين إلى الأردن القادمين من قطاع غزة ، إضافة إلى قيامهم بنشاطات عسكرية في المنطقة وتنظيم المجموعات الفدائية من الشباب . قام ظاهر ادعيس بتنظيم عدة مجموعات في المنطقة من ضمنها مجموعتي التي ضمت عددا من شباب المنطقة وهم تيسير عمرو وطه العوادة وثريا العواودة وهما إخوة ظاهر ومحمد عيسى العواودة ورزق بريوش وخالد العواودة . وقد اشرف ظاهر ادعيس على تدريبنا على المتفجرات والأسلحة والذي كان لدية خبرة فيها وقد أصبح فيما بعد مدربا لها في قواعد الثورة في لبنان بعد أن غادر الوطن واكتشاف أمره ولم يتمكن من العودة إلى الوطن ، وقد تم تكليفنا بالقيام بعمل عسكري وذلك بوضع عبوة ناسفة من مكتب بريد دورا . بتاريخ 17/4/1975 داهمت قوة كبيرة من الجيش الإسرائيلي منزلي في قرية البرج وتم اعتقالي مع باقي المجموعة وهم وتم نقلي إلى مركز تحقيق الخليل ، كان الجو باردا جدا وفور وصولنا أدخلنا إلى التحقيق ، كان البداية بالشبح لساعات طويلة مصفدي الأيدي إلى الخلف وموغمى الأعين ومصلوبين إلى الحائط ، كنا نُمنع من الجلوس أو النوم ، وبعد ساعات طويلة وبعد ان وصلت إلى حالة من الإرهاق الشديد بدأت معي عملية التحقيق ، كان المحقق شخص يدعى أبو غزالة وآخر يدعى أبو نهاد ، كان قاسيا وكان يستخدم العنف الجسدي بالضرب على كافة أنحاء الجسد إضافة إلى الضرب على المناطق الحساسة من الجسم، هذا إضافة إلى تجريد المعتقلين من ملابسهم واستخدام الماء البارد مستغلين بذلك حالة الطقس وبرودة الجو، وفي ساعات المساء كنا نودَع في زنازين التحقيق ، وهي عبارة عن صفين متقابلين من الزنازين التي لا يزيد طول الواحدة عن 220سم بعرض 120سم وبها بعض البطانيات القذرة تفوح منها رائحة الرطوبة والعفونة وليس لها أية منفذ سوى بعض الثقوب في السقف التي لم استطع أن أميز ان الضوء المنبعث منها هو من ضوء النهار أم من ضوء الكهرباء، والأكثر سوءً فيها هو استخدام دلو لقضاء الحاجة ، كونه لم يكن يسمح لنا بالذهاب إلى الحمام إلا مرتين في اليوم بشكل جماعي لكافة المقيمين في الزنزانة . وبعد حوالي 20 يوما من التحقيق وجهت لي عدة تهم كان من ضمنها التنظيم وتنظيم آخرين والتدرب على السلاح والاتصال بالمطاردين وتقديم ملجأ لهم إضافة إلى المشاركة في وضع عبوة في مؤسسة تابعة للاحتلال . بعد انتهاء التحقيق اُدخلت إلى سجن الخليل حيث كان عددا كبيرا من أبناء منطقتي دورا، وقد وصل عددهم في فترة من الفترات إلى ما يزيد عن 40 معتقلا من أصل 200 معتقل تقريبا . خلال وجودي في معتقل الخليل تلقيت خبر وفاة والدي ، كان ذلك من أصعب ما مررت به في المعتقل خاصة وان أسرتي قد عانت الأمرين بعد أن قامت قوات الاحتلال بنسف بيتنا الكائن في قرية البرج ،إضافة إلى أنني الابن الأكبر لعائلتي وأن إخوتي أطفال مما سبب الألم حزنا على والدي التوفي ووالدتي التي تواجه وحدها شظف العيش ومشاق0 الحياة . كان الوضع التنظيمي في سجن الخليل في بداية تشكله وكان اقرب إلى السرية منه إلى العلن ، وقد حدثت العديد من المحاولات لتشكيل لجان تنظيمية ،لكن إدارة السجن والمخابرات كانت تتصدى لها بالقمع ، ورغم ذلك كان الأسرى يمارسون نشاطهم الثقافي من خلال الجلسات التنظيمية وكتابة النشرات الثقافية والتعاميم الإدارية، مصرين على تشكيل اللجان التنظيمية متحدين إرادة0 السجان ، وبعد مرور عامين على وجودي في سجن الخليل بدأت الحياة التنظيمية تفرض حالها على إدارة السجن والتي مهدت لخوض العديد من المراحل النضالية كان أشهرها الإضراب عن الزيارة والفورة والأغطية ، وهو نموذج لم يتكرر بعد في المعتقلات وبعد حوالي شهرين استجابت الإدارة للمطالب وتم استبدال قطعة البلاستك بسمك نصف سنتمتر والتي كانت تفرش تحت البطانيات بفرشة إسفنج بسمك 10 سم إضافة إلى بطانيتين جديدتين وتحسين الطعام كماً ونوعاً وزيادة المبلغ المسموح به للكنتين . المحكمة : تشكلت لي محكمة عسكرية من ثلاثة قضاة وقد تولى الدفاع عني المحامي وصفي المصري وقد جلست عدة جلسات في المحكمة العسكرية في سجن الخليل ومن ثم نقلت محاكمتنا إلى معتقل نابلس كون الأخت ثريا العوادة موجودة في سجن نابلس والذي قررت المحكمة ان تكون محاكمة كل المجموعة معا، وقد استمرت فترة محاكمتي 34 شهرا وحكم علي بالسجن الفعلي لمدة ست سنوات فعلية . خلال فترة الاعتقال حصلت على الشهادة الثانوية العامة وقد اكتسبت اللغة العبرية إضافة إلى تحسين لغتي الانجليزية إضافة إلى العديد من القراءات في مجالات مختلفة كان أهمها الاهتمام بالفكر الإنساني وتاريخ الثورات في العالم إضافة إلى فكر وتاريخ وممارسة الثورة الفلسطينية المعاصرة . وقد أفرج بتاريخ 16/4/1981 بعد قضاء مده الحكم كاملة . بعد خروجي من المعتقل التحقت بالدراسة في جامعة النجاح الوطنية وقد كنت من النشطاء في الحركة الطلابية ، وبعد أن أكملت دراستي الجامعية التحقت بالعمل في مركز أبحاث رابطة الجامعين في الخليل، وخلال تلك الفترة اندلعت الانتفاضة الأولى ” انتفاضة الحجارة ” قد عمت كل الأرض المحتلة ، وكان لي المشارك فيها من خلال تكليفي في لجنة قيادية في محافظة الخليل ضمت العديد من الإخوة من بينهم عيسى الخضور وجمال السلامين وإبراهيم العجوري وخليل كراجة ، وقد أدى نشاطي في تلك اللجنة إلى اعتقالي انا وعيسى الخضور وإبراهيم العجوري ، وقد خضعنا للتحقيق لمدة عشرين يوما في زنازين الخليل ورغم الضغط الهائل واستخدام كافة أساليب التحقيق النفسية والجسدية إلا أن أي منا لم يدل بأية معلومة وقد صدر بعدها أمرا باعتقالنا لمدة عام إداريا بتاريخ 26/1/1990 ضمن المجموعة الأولى التي صدر بحقها هذا القرار إذ كان من المتعارف علية أن أوامر الحبس الإداري هي ستة أشهر فقط . عشت تجربة اعتقال في معتقل النقب الصحراوي الذي كان يشبه إلى حد بعيد معتقلات الاوشفتس النازية ، دون زيارة الأهل أو التمكن من الاتصال خارج المعتقل ، وفي ظروف قاسية في معتقل يشرف عليه الجيش الإسرائيلي مباشرة وتتحكم فيه المخابرات ، كانت المعاملة الجنود قاسية وكان كل شيء قليل ونادر الطعام والكتب وحتى مواد التنظيف ، كانت مهمة الجنود التنكيل بالمعتقلين على مدار الساعة في الليل والنهار وكان القمع والتفتيش ظاهرة يومية . كانت تجرى للمعتقلين محاكم استئناف على الاعتقال الإداري وقد تقدمت بمحكمة من خلال المحامي وقد تم تخفض شهر واحد من الفترة وأفرج عني بتاريخ 25/12/1990. بعد عامين تقريبا من خروجي من السجن أعيد اعتقالي داريا لمدة ستة شهور مرة أخرى كان ذلك بتاريخ 7/3/1993 ، وقد نقلت إلى معتقل الظاهرية ومنه إلى معتقل النقب الصحراوي وقد مكثت معظم المدة في قسم ” كلي شيبع ” . بعد قدوم السلطة التحقت بالأمن الفلسطيني على ملاك الأمن الوطني وقد تنقلت في عدة أجهزة 00.0.كان عملي الأخير قبل أن اُحال على التقاعد المبكر في التنظيم والإدارة ، وقد تدرجت في العمل حتى حصلت على رتبة عقيد . بعد اندلاع الانتفاضة الثانية انتفاضة الأقصى دخلت وأسرتي مرحلة جديد من المعاناة مع الاحتلال ،كانت بعد مطاردة أخي عبد الرحيم القيق التلاحمة ، بعد اتهامه بالانتماء إلى حركة الجهاد الإسلامي والقيام بأعمال عسكرية ، فقد أصبحنا نتعرض للمداهمات الليلة والتنكيل والتفتيش وقد اعتقلت لعدة مرات كان كانت بدايتها في نهاية عام 2001 وقد تم اقتيادي إلى معسكر المجنونة واخلي سبيلي بعد يوم بعد تلقيت التهديدات باعتقال أبنائي وقد تكرر ذلك الأمر عدة مرات بحيث يقوم الجنود بتكسير المنزل بإلقاء الحجارة من الخارج، ومن ثم يتم اقتحامه والتنكيل بي وبأسرتي وتخريب معظم ممتلكاتنا وأثاثنا ، وأخيرا تم نسف بيت أخي عبد الرحيم المجاور لمنزلي . وقد تم اعتقال أبنائي حسام وعزام وقد حكمت المحكمة العسكرية الإسرائيلية على عزام بالسجن ست سنوات فعلية وأما حسام فقد حكمت علية المحكمة بخمسة سنوات . لكن يوم 25/9/2003 كان هو اليوم الصعب في حياتي عندما اتصل ضابط الإدارة المدنية الإسرائيلية علي تلفونيا وطلب مني الحضور للتعرف على جثة أخي الشهيد عبد الرحيم الذي استشهد بعد حاصرته قوة الجيش الإسرائيلي ورفض الاستسلام واستشهد في مواجهة عسكرية مع الاحتلال . وبعد يومين من استشهاد أخي عبد الرحيم حضرت قوة كبيرة من الجيش وتم اعتقالي لمدة عشرة أيام في معتقل عصيون . في عام 2008 اُحلت على التقاعد المبكر من الأمن الوطني على رتبة عقيد واعمل بشكل جزئي في مجال الأبحاث والدراسات والترجمة .