على مدار ما يزيد على 30 عاماً، حاول العلماء إخبار الحكومات والرأي العام بحقيقة التهديد الذي تشكله ظاهرة ارتفاع درجات حرارة الأرض، وعملوا بجد حسبما تتطلب المعايير العلمية للاعتراف بأمانة بحدود ما يعرفونه في هذا الأمر. إلا أن الأمر لم ينجح. وحسبما يكشف تقرير صدر في وقت قريب عن البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة، فإن الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون ارتفعت، ولم تنخفض، حتى خلال السنوات القليلة التي أعقبت إبرام «اتفاق باريس». وتوحي التوقعات التي أعلنتها دول بخصوص استهلاكها من الوقود الحفري أن هذه الانبعاثات ستستمر في الارتفاع على الأقل حتى عام 2030، ما سيزيد مشكلة التغيرات المناخية تفاقماً. ويعتبر جزء كبير من ذلك نتيجة مباشرة، بطبيعة الحال، لحملة استمرت عقوداً من المعلومات الزائفة التي مولتها مصالح مرتبطة بالوقود الحفري وسياسيون مرتبطون بتيار اليمين؛ لكن هل من الممكن أن يكون الأسلوب الذي يتواصل من خلاله العلماء مع الآخرين جزءاً من المشكلة؟ كشفت دراسات بمجال علم النفس أن الناس يميلون لتقبل الرسائل بسرعة أكبر إذا كان من يلقيها يشع بالثقة، ويكبت أي شكوك لديه. وتوحي تجارب أجريت في الفترة الأخيرة أن العلماء الذين يبذلون جهداً إضافياً للتحلي بالصدق والأمانة في التعبير عن شكوكهم ربما يتسببون بذلك في تقليص احتمالية ثقة الناس بما يقولونه. ومع ذلك، لا تعتبر هذه نتيجة مثيرة للإحباط تماماً، وإنما تحمل في طياتها بعض الأفكار بخصوص كيف يمكن للعلماء إبداء شكوكهم على نحو يسبب أضراراً أقل برسالتهم. ويبدو أن العنصر المحوري هنا يدور حول إدراك الناس لحقيقة أنه من المتعذر التكهن بالمناخ على نحو دقيق، وبالتالي يصبح الناس على استعداد للاستماع لعدد من النتائج المحتملة. مع ذلك، ينبغي التأكيد على أن التعقيد الشديد للقضية يزيدها أهمية. من ناحيتهم، يدرك علماء النفس أن الناس غالباً ما يكونون أقل احتمالاً لأن يتقبلوا رسالة ما إذا سمعوا معها اعترافات بوجود شكوك. على سبيل المثال، وجدت دراسات أن القضاة الذين يتبعون نصائح مستشارين خبراء عندما يبدو على الآخرين أمارات الثقة واليقين، وأن شهود العيان يكونون أكثر إقناعاً عندما يكونون واثقين إزاء ما رأوه. أما عندما يبدون غير واثقين، فإن هذا يثير الشكوك. ومع ذلك، قليلة الدراسات التي تفحصت هذه التباينات فيما يخص التغيرات المناخية، التي من الواضح أن ثمة شكوكاً وعوامل غير مؤكدة كثيرة مرتبطة بها، ولا يمكن تجاهلها. وإذا كان الجميع يتقبلون وجود قدر من الشكوك، فلماذا يتعين على العلماء الاستمرار في الحديث عن هذه الشكوك؟ من جانبها، اضطلعت الخبيرة بمجال علم النفس الاجتماعي لورين هوي، وزملاء لها، بتجربة شملت ما يزيد على 1000 أميركي عبر أطياف اجتماعية وسياسية مختلفة، لاختبار ما استوعبوه من رسائل بخصوص ارتفاع منسوب مياه البحار مستقبلاً، جرى التعبير عنها بصور مختلفة. جرى إبلاغ بعض المشاركين بتوقع واحد فقط يدور حول أن الارتفاع الأكثر احتمالاً في منسوب مياه البحر سيحدث بحلول عام 2100، بينما جرى إخطار آخرين بالتوقع الأكثر احتمالاً في صورة حدين؛ أعلى وأدنى («نتوقع ارتفاع منسوب مياه البحر بحلول عام 2100 بما يتراوح بين قدم وسبعة أقدام»). وأخيراً، نصت رسالة ثالثة على القيمة الأكثر احتمالاً، وأضافت أن هذا التقدير يشكل «السيناريو الأسوأ» لارتفاع منسوب مياه البحر، وأضافت أنه ربما يكون من المستحيل التنبؤ بدقة بكامل تداعيات ارتفاع منسوب مياه البحر بالنظر إلى حجم الشكوك القائمة، مثل مدى قوة ومعدل تكرار العواصف المستقبلية. من بين النتائج المشجعة أن الناس استجابوا بشكل إيجابي ل«الشكوك المحددة» التي جرى التعبير عنها من خلال إقرار حدين أدنى وأقصى. وتقبل الناس هذه الرسالة بسرعة أكبر عن الأخرى التي جرى طرحها دون التعبير عن أي شكوك على الإطلاق. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني أرسلتها إليَّ، شرحت لورين هوي أن الاعتراف بوجود شكوك أسهم في نشر الرسالة، لأن ذلك أسهم في بناء ثقة. وأضافت أن الناس يدركون أن المناخ من القضايا التي تتضمن بطبيعتها شكوكاً وعناصر غير مؤكدة، وبالتالي فإن عدم الاعتراف بهذه الشكوك لن ينظر إليه باعتباره تدليساً أو كذباً. بيد أن الأمر الأقل تشجيعاً كيفية استجابة الناس لما يمكن أن يعتبر، من الناحية العلمية، الرسالة الأكثر صدقاً: الاعتراف بأن كامل تكاليف ارتفاع منسوب مياه البحر من الصعب للغاية تقديرها. على أرض الواقع، يميل هذا التعبير عن شكوك دونما نهاية إلى تأجيج شكوك المستمع. ويبدو أن التعبير عن قدر بالغ من الشكوك يدفع الناس للتشكك في العلم، ويدفعهم للتساؤل حول ما إذا كان العلماء قادرين على الاتفاق فيما بينهم من الأساس. إذن، ما الذي يتعين على العلماء فعله؟ أن يدركوا أنه لا يتعين عليهم إلغاء الشكوك تماماً من حديثهم، لكن ينبغي لهم وضع حدود دنيا وقصوى أينما أمكن لهذه الشكوك. ومن خلال ذلك، يمكنهم إقناع أعداد أكبر من غير الخبراء برسالتهم. إلا أن هذا ينطوي على مخاطرة استغلاله من جانب البعض في الاختباء، وتجنب طرح بيانات واضحة جلية. وقالت هوي: «يبدو أن الناس يجابهون صعوبة كبيرة في إدراك كيف يمكن لأي شخص التصرف بناءً على هذه المعلومات. ويقولون في أنفسهم: لو أن العلماء أطلعونا اليوم على هذا النطاق المحدد للنتائج المحتملة، لماذا يخبروننا الآن أن هذا النطاق الدقيق لا يشمل كل ما يمكن حدوثه؟». الشرق الأوسط بالاتفاق مع «بلومبرغ»