يطرح اليوم عدد متزايد من الباحثين السياسيين وعلماء الاجتماع المهتمين بتأصيل فلسفة سياسية عقلانية عن الدولة الحديثة والمجتمع المدني في العالم العربي على أنفسهم السؤال التالي: لماذا كانت العقود الماضية الكولونيالية من تطور الدولة العربية على اختلاف تسمياتها الوطنية والقومية، وفي شتى أشكالها الثورية والديمقراطية والتسلطية العسكرية، عقود هيمنت فيها تظاهرات في السياسات العربية متناقضة جذرياً مع روح العصرنة السياسية الديمقراطية، وعقلانية السلطة، والمشاركة الموسعة في السياسة من جانب الشعب؟ يمكن التعرف في واقع الدولة العربية ما بعد الاستقلال السياسي، إلى أن سيرورة تطور بنيتها وخصائص وظائفها الاقتصادية، أم السياسية القمعية، أم الدمجية، أم التقنية تختلف عن السيرورة التاريخية لتبلور الدولة البرجوازية في الغرب (أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية)، بسبب من تطورها كدولة رأسمالية في ظل الراسمالية المتأخرة، لعبت دور رأس جسر للبرجوازية الاحتكارية الامبريالية، ومفوض وكيل للرأسمال الدولي، وتقوم بوظائف إعادة الإنتاج المندمج في السوق الرأسمالية العالمية، وبالتالي إعادة إنتاج سيروة الاستغلال من جانب رأس المال. وليس من شك أن هذه العلاقة الأدواتية قد أسهمت في تقليص السيرورات السياسية ضمن وبين مكونات المجتمع المدني الوليد، وتحويل هذه الدولة ذاتها التي هي بالأساس دولة لا قانونية حيال غالبية الشعب من دولة في ظل “اللحظة الليبرالية” التي عرفها الوطن العربي، التي تقوم على مؤسسات مستقلة نسبياً في إطار وظيفتها إلى دولة سلطة، أعادت إنتاج مؤسسات الدولة وفق مصالح الفئة الحاكمة، حتى بات التمييز صعباً بين السلطة والدولة. أساس هذا التحول يكمن في تشظى الحقل السياسي للفئات الوسطى التي حملت مشروع الدولة القومية، واستئثار الشريحة المحافظة منها بالحكم، وهيمنتها على الثروة المجتمعية. وقد تحولت العلاقة بين الدولة والمجتمع من علاقة وحدة وتعارض وتفاعل إلى علاقة تحكمها عملية مزدوجة، هي عملية الاحتواء والتهميش جراء هذه العملية تحولت علاقة الدولة بالمجتمع إلى علاقة الدولة بأفراد منعزلين، بعد إلغاء دور المؤسسات الوسيطة التي تلعب دور التمثيل. هذه الدولة المستندة إلى مشروعية إيديولوجية ثورية وليس إلى مشروعية مجتمعية أخذت على عاتقها عملية إعادة إنتاج وعي سياسي مطابق لطبيعتها، وانتقلت من دولة حق وقانون إلى دولة عسف وامتيازات. والامتيازات، هنا ليست امتيازات طبقة برجوازية بالمعنى التقليدي للكلمة، وإنما امتيازات البيرقراطية البرجوازية للدولة التسلطية. يتفق علماء الاجتماع والسياسة على أنه ليس هناك نظرية متكاملة حول طبيعة الدولة في العالم العربي، ومشروعيتها، بالمقارنة مع دولة القانون التي وضعتها الثورات الديمقراطية البرجوازية المتعاقبة (الثورة الانكليزية 1690، والثورة الأمريكية 1776، والثورة الفرنسية 1789)، ركائزها الحديثة باعتبارها دولة تقوم على المذهب الوضعي الذي يستند بدوره إلى الفكرة القائلة “إن الدفاع عن القانون يقوم على الحرية، وعلى الخروج كلياً من التراث الديني من خلال القطيعة المعرفية والمنهجية التي قطعتها مع التصور الإلهي للقانون، ووضعها مشروعية جديدة لكيان الدولة مستمدة من اعتبار المواطن الإنسان مركز الكون لا من الله. ومازال الفكر السياسي العربي يفتقر افتقارًا فعلياً إلى بلورة نظرية حول طبيعة الدولة العربية، وهو ما يشكل واحدة من أهم أزماته، فضلاً عن أنه يتجاهل التمييز بين الدولة والسلطة، لأن فكرة الدولة في العالم العربي لم تتغير كثيراً عن معنى الدولة قبل الأزمنة الحديثة، حيث كان معنى الدولة عند ابن خلدون على سبيل المثال هو مدة حكم أسرة حاكمة تبعيتها، أو الامتداد الزماني والمكاني لحكم عصبية من العصبيات، سواء أكان هذا الحكم عاماً أو خاصاً. وحين نتأمل في أحوال الدولة العربية الراهنة، فإننا نجدها متماثلة مع السلطة، بما أن هذه الدولة تقلصت إلى حدود العاصمة بحكم مركزية السلطة فيها، وبالتالي فهي دولة هذه العاصمة، لا دولة الأمة ولا دولة الوطن، وهي ليست دولة جميع المواطنين المتساويين أمام القانون، بل هي دولة متحيزة لحزب مهيمن أو لطبقة، أو لدين أو لطائفة أو لأثنية أو لأقليم بعينه. علماً أن الدولة لا تنحل كلياً في السلطة، ولا في الجهاز القمعي فقط، حيث أصبحت هي الجهاز القمعي بامتياز، من خلال اعتدائها، في شخص محتكري السلطة فيها، علىى القانون، والمجتمع المدني، وهذا ما تؤكده دراسة الدكتور خلدون النقيب الجادة والعميقة، التي تتضمن عموماً أفكاراً نظرية حول الدولة التسلطية العربية ،التي نجحت في اختراق المجتمع المدني بالكامل، محققة بذلك الاحتكار الفعال لمصادر القوة والسلطة في المجتمع. كتب عبد الله العروي في كتابه مفهوم الدولة يقول: المهم من أمر الليبرالية والماركسية في ذاتهما، فإنهما عندما تتنشران في المجتمع العربي تكتسبان بالضرورة حالة طوباوية مكثفة، لأنهما تتلبسان بذهنية معتادة منذ زمن طويل على انتظار الدولة الفضلى وعلى هجران التنظيم السياسي القائم… إن الطوبى الإسلامية انتظار عودة الخلافة بالهام رباني أظهرت فصم الدولة عن المجتمع بمظهر طبيعي لا مفر منه، وبذلك أقعد الفقهاء عن البحث وعن وسائل عملية لتوحيدهما، كذلك الطوبى الليبرالية، وبعدها الماركسية، أضفتا على نفس الفصم حلة العلمية، فبقي الناس على تشاؤمهم التقليدي، لا ينتظرون من الدولة سوى القمع والاستغلال، حتى تتحقق الدولة الليبرالية المنتجة العلمية، حيث تتكلف فقط بالأمن أو تتحقق الدولة الشيوعية المنحلة في إدارة الأشياء. نعم قد تقود الطوبى الموروثة والمستوردة، في ظروف مواتية إلى الثورة إلى نقض الكيان القائم، لكن، في الظروف العادية، وهي الغالبة تقف حاجزاً على طريق الواقع وبلورة نظرية الدولة. إذا لم يع المرء أن الطوبى طوبى. في ظل سيادة أطروحات وتعاريف حول معنى الدولة في العالم العربي، الذي يعيش حالة استثنائية من الاستبداد المحدّث، فإنَّ على الفكر العربي المعاصر لاسيما التقدمي منه أن يختار اختيارًا أولياً ونهائياً بين مذهبين في تحليله لبنية دولة الحق والقانون، آخذين بعين الاعتبار الظروف التاريخية المتبدلة التي انبثقت عنها، والتي نعيش فيها المذهب الوضعي أو الإيجابي والفلسفة الوضعانية، حتى المتجددة والمتحولة والمرتقبة إلى أعلى في زمن أسقط ويسقط أوغست كونت رائدها، والمذهب الديالكتيتكي، نظراً لتناقض الديالكتيك مع الوضعانية، والديمقرطية مع الليبرالية، والماركسية مع الايديولوجيا الاقتصادية والعلموية. في الكتاب الذي يحمل العنوان التالي: الدولة والثورة والحداثة، للدكتور عادل اللطيفي، أستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر في جامعة السوربون (باريس الثالثة)، والذي يتكون من ثلاثة أقسام، وثمانية فصول طويلة، وخاتمة، يحاول فيه الكاتب من خلال عمله البحثي هذا، أن يقدم إجابة عن مختلف التساؤلات عبر زاوية إشكالية الدولة الأمة في العالم العربي. ويستدعي ذلك العودة إلى سياقات تشكلها وإلى مختلف العناصر التي كانت فاعلة فيها بالإضافة إلى المسارات التي اتخذتها حسب البلدان. “لذلك سيكون البعد التاريخي حاضرًا بقوة من خلال محاولة إعادة تشكيل مسار تطور الدولة بهدف فهم تطور الأنظمة السياسية وتطور أنماط الحكم والتغيرات السياسية بما فيها الثورة. فكما للدَّولةِ تاريخٌ، نعتقد أنَّ للثَّوْرة أيضًا تاريخًا أو مسارًا مرتبطًا بهذه الدولة. فالثورة بالمعنى الحديث مرتبطة بشكل وثيق بظهور الدولة الأمة وبتطورها فلا بد من من استحضار هذا العامل التاريخي المرتبط بالدولة في تحليلنا للثورة خاصة في الحالة التونسية كما سنرى ” ( ص 17 من مقدمة المؤلف ). .. الدولة الأمة إطار الحداثة لقد انبثقت دولة الحق والقانون في سياق التحولات التاريخية الكبرى التي أصابت المجتمعات الأوروبية، منذ أن بدأ المشروع الثقافي التنويري الغربي الذي له خاصياته المتميزة يشق طريقه لجهة إخراج العقلانية من حدود الغيب والتجريد اللفظي إلى عالم المجهول المادي إلى الطبيعة. وبذلك ولدت الدولة الحديثة بفضل الجهد التاريخي الذي قامت به الذات الأوروبية على ذاتها في مراحل الصراع التوتري الهائل بين العقل المسيحي والعقل العلمي الذي دام ثلاثة قرون، والذي توج بإحداث القطيعة الكبرى وهي قطيعة معرفية وقطيعة ابستمولوجية وسياسية داخل استقلالية العقل نفسه مع التصور الديني للعالم والحياة الذي أصبح معيقاً للحداثة والتقدم وغير محتمل وغير مقبول في معارضة النظام المعرفي الجديد الذي شكلته البرجوازية كطبقة صاعدة في أوروبا. لاشك ان ميلاد الدولة الأمة، أساسها، وأصلها، ومعناها، تمظهر تاريخياً في ذاته ولذاته حسب تعبير هيغل، حين بدأت العلاقات الراسمالية تظهر تحت شكل الرأسمالية البضاعية، ومع اندلاع الثورة الديمقراطية البرجوازية التي عمت الغرب بدرجات متفاوتة الحدة والقوة منذ القرن التاسع عشر وفي آواخر القرن الثامن عشر، وعلى امتداد القرن التاسع عشر. ولدت أشكالاً متنوعة عبر التاريخ من الدولة الأمة، ففي انكلترا، تشكلت الرأسمالية الصناعية من رحم الرأسمالية التجارية، وحققت البرجوازية “وفاقاً تاريخياً” مع الارستقراطية بتحالفها مع النبلاء. غير أن التوازن النسبي للطبقات المسيطرة في مرحلة عملية التراكم البدائي لرأس المال الانكليزية التي عرفت الكثير من العنف لم يفسح في المجال لانبثاق دولة قوية كما هي الحال في فرنسا، بل عجل بقدوم ” دولة معتدلة” حسب تعبير مونتسكيو، كما عملت هذه السلطة السياسية المخفضة على إدارة هذا الوفاق في إطار التناقض بين الديمقراطية الداخلية والاستغلال الامبريالي. أما في فرنسا، فقد استولت البرجوازية على السلطة بوساطة الثورة العنيفة، وبسطت هيمنتها الطبقية على مجتمع مازال زراعياً وتكمن المفارقة هنا في أن الهيمنة البرجوازية في فرنسا سبقت التوسع الصناعي والرأسمالية الصناعية التي عرفت انطلاقتها الفعلية تحت حكم الامبراطورية الثانية ابتداء من العالم 1850، على نقيض انكلترا. وهكذا، فإن المصادر النظرية للأفكار الثورية، وكذلك الممارسات المولدة للدولة الحديثة، ارتبطتا تاريخياً بعوامل موضوعية تجسدت في ذلك التفاعل العظيم بين إبداع الأفكار الثورية في الفيزياء والفلك والرياضيات ومانجم عنها من تحولات علمية وصناعية كبرى، وحققت أسس رأسمالية صناعية متطورة، وبين طرح المناهج والأنساق المعرفية الجديدة في الفلسفة، التي تعتبر الانسان هذا العَلَمُ للثورة، والذي يتصور نفسه تارة ككائن طبيعي، وتارة ككائن عقلي مركزاً للعالم، وطرحت في الوقت عينه التناقض بين مثالية القانون الطبيعي الذي بقّي قاصراً منهجياً والقانون الوضعي المبني على العقلانية. ويعتبر الحقوقيون أن الدولة الليبرالية للرأسمالية التنافسية التي ولدت في بلدان الغرب هي الشكل النموذج لدولة الحق والقانون بوصفها من أكثر الأنظمة ديمقراطية، وتمثل في الوقت عينه مركباً بين نظريات القانون الطبيعي أسبق منها ومبادئ حملها إليها القانون الوضعي في القرن الثامن عشر. يقول الكاتب عادل اللطيفي سيتدعّم دور هذه الحركية المبكّرة في القرون اللاحقة بفعل الإصلاح الديني ولكن خاصة تحت تأثير أفكار الحرية و المساواة التي بدأت تنتشر مع نهاية القرن الثامن العاشرعلى خلفية الثورة الأمريكية و خاصة الثورة الفرنسية التي كانت مبادؤهاأكثر اكتمالاً وتأثيرًا في الواقع الأوروبي.وتدعم السند الفكري لظهور الدولة-الأمة كذلك من خلال انتشار الفلسفة العقلانية في عصر التنوير و بالخصوص ما تعلق منها بمسائل الحكم و الدولة و ذلك خلال القرن التاسع عشر و التي تعد تواصلاً لأفكار “توماس هوبس” (1588-1679)و”جون لوك”(1632-1704).وقد ساهمت مختلف هذه التراكمات الفكرية التي استعادت التراث اليوناني والروماني في مقاربة نقدية لبناء نظرية أوروبية سياسية في الدولة يعتبر طمكيافيلي” و”هيجل” من أهم روادها”(ص 54 من الكتاب). إن مفهوم الدولة الأمة يتضمن في سيرورته الطابع الكوني العام الذي يحمله إلى العالم، لأن ظهوره ترافق مع ظهور الرأسمالية الناشئة، وانتشار علاقات الانتاج الجديدة الخاضعة للرأسمال. فالبرجوازية الصاعدة تعمل على توطيد هيمنتها، وخدمة أهدافها على أساس أنها قيم حقائق، وتحقيق الوحدة القومية للأمة المتأمثلة للسوق الاقتصادية من خلال إلغاء الحواجز الجمركية الداخلية الموروثة من الانقسامات الاقطاعية، وانتزاع السيطرة والسيادة للسلطة السياسية من الرجعية الاقطاعية والمونارشية وإقامة دولتها، التي لن تكون أتوماتيكياً نتاج سيطرتها كطبقة، وإنما عبر الفتوحات التي تقوم بها لفرض هيمنتها والمرتبطة بخوض الصراعات السياسية المستمرة من أجل السلطة، الأمر الذي أظهرته بأكثر ما يكفي تاريخ الثورات، وبالأخص منها تاريخ الثورة الفرنسية الكبرى. في الواقع والتاريخ، الدولة القومية في الغرب انبنت على فكرة الأمة التي وجدت أرضيتها في المجتمع المدني، مجتمع الأعمال الخاصة والطبقات، كما يقول ميشال مياي في كتابه دولة القانون، “إنَّ ظهور الدولة يترافق مع ظهور الأمة الرأسمالية، ولا يسبق أحدهما الآخر : إذ يتجدد الرأسمال ضمن الزاوية الاقتصادية والأمة ضمن الزاوية السوسيو- سياسية وتحتل الدولة الزاوية القانونية”. خلافاً لما هو شائع الاعتقاد، فقد عرف العالم دولة “القانون” عبر العصور المختلفة التي مرّت بها البشرية، منذ أيام حمورابي وإلى يومنا هذا. لكن ما يميز الدولة الأتوقراطية والديكتاتورية والتوتاليتارية في هذا المجال عن الدولة الديمقراطية هو كون القانون في الحالة الأولى جائراً، وشكلياً ولا عقلانياً، فضلاً عن انتهاكه وخرقه من السلطة عينها التي يفترض أنها تطبقه، أما في الحالة الثانية فهو يكفل للشخص الإنساني للمواطن، حقوقه الأساسية الحرية والمساواة أمام القانون، ويفصح له في المجال الدفاع عن حقوقه هذه، حتى في مواجهته الدولة التي يفترض أنها ضامنة لها. لكن السياق التاريخي الذي رأت فيه دولة القانون النور هو دولة المجتمع الرأسمالي، باعتبارها النموذج الأكمل للبنيان القانوني والسياسي. يقول الكاتبي عادل اللطيفي: “الحداثة من وجهة تاريخية تعني بالأساس عقلنة شاملة لأنماط الانتظام الإنساني على مستوى الدولة والمجتمع مع ما يصاحبها من عقلنة النظرة للعالم والإنسان والتي أسست لمعرفة ولتعبيرات فنية جديدة. ضمن هذا التحول نفهم الانتقال على مستوى شرعية الحكم من الشرعية السلالية أو الدينية أو الإثنية في المجتمع التقليدي إلى أنماط جديدة مثل الشرعية الوطنية (النضال ضد المستعمر، بناء الدولة الخ..) والشرعية الانتخابية أو الديمقراطية في ما بعد. لذلك انبنت الحداثة على إعادة تنظيم الدولة وعلى تمايز الأنشطة في إطار تقسيم اجتماعي جديد للعمل وعلى التخصص كما انبنت على المساواة بين الأفراد. فالعلاقة إذن وثيقة بين الدّولة “العلمانية” والفرد والمساواة وما تقتضيه من حرية، إذ لا يستقيم شأن الدولة الحديثة من دون “علمانية” أي دون عقلنة، ودون مساواة بين الأفراد، كما لا تستقيم المواطنة دون الحرية في أبعادها المختلفة” (ص 61 من الكتاب). إن دولة الحقوق والقانون التي فرضتها أوروبا البرجوازية والرأسمالية كنموذج عالمي بديل لنموذج الدولة الاستبدادية المؤيدة من قبل العقائد الدينية، تحتل فيها حقوق الإنسان والمواطن مركزاً رئيساً في فلسفتها السياسة نظراً للجهد التاريخي الذي قامت به الذات الأوروبية على ذاتها من أجل تأسيس المشروعية العلمانية الحديثة القائمة على الإعلان الشهير لحقوق الإنسان والمواطن هذه، أولاً. وتستمد مشروعيتها السياسية والتاريخية من تصويت المواطنين المكونين للمجتع المدني، حيث أصبح حق التصويت العام باعتباره ركيزة النظام الديمقراطي وأحد مكتسبات الثورة الديمقراطية البرجوازية، مصدراً للحقيقة ولمشروعية السلطة السياسية ثانياً. وتقوم على النظام الدستوري المبني على التعاقد والتفاعل بين دولة الحق والقانون هذه وحماية الحرية الفردية والملكية الخاصة للمواطن والمجتمع المدني، والدفاع عن حقوق المواطن الفردي التي لا تقبل التنازل عنها، وفكرة المساواة في الحقوق، وفكرة سيادة الشعب التي تشكل أساس دولة القانون التي غايتها الحق، ثالثاً. وهنا تندرج مقولة الأمة في ارتباطها الصميمي بالثورة الديمقراطية، حيث أن المسألة الديمقراطية ترتبط بمسألة الأمة، وتشكل وجودها السياسي، أي الدولة القومية.