يُعتبر توازن القوى هو الحل الأمثل لمشكلة ممارسة القوة في العلاقات الدولية، وهو ما فُطر عليه الانسان منذ القدم، فعادة ما كان يحدث الصراع بينه وبين أقرانه إما بحثاً عن منفعة أو دفعاً لضرر، وفي هذه الحالة يحاول الطرف الضعيف أن يوازن قوته مع الطرف الآخر (خصمه)، حتى لا يتعرض للإيذاء، ويتم ذلك عن طريق اللجوء الى أهله وقبيلته مكوناً معهم مايُعرف الآن بالحلف، وقد يفوق هذا الحلف قوة الخصم مما يلجئه هو الآخر لمحاولة اعادة التوازن من ناحية اخرى . إلا أنه لما بدأ الإنسان بالإستقرار وتكوين القرى والمدن وبالتالي الدول، ظهرت فكرة التوازن هذه على المستوى الدولي، أي في العلاقات التي تحكم الدول بعضها ببعض. وكلمة توازن كما يراها كوينسي رايت، نظاماً مصمماً لإدامة الإعتقاد الراسخ في كل دولة إذا ما حاولت الإعتداء، بأنها ستجابه بجمع لا يقهر من الآخرين. توازن القوى بالتالي هو مصطلح غير واضح ومشوب بالغموض، فهو يعني التعادل واللاتعادل، والتوازن واللاتوازن، التعادل بمعنى المساواة التامة في القوة، فلا تمييز لطرف على آخر، وقد يعني التوازن وجود دولة تقوم بمهمة التوازن ( الدولة الحاملة للميزان ) حال وجود طرفين متساويين، وهنا تظهر مشكلات ثلاث:. أولاً: التوازن بمعنى رجحان القوة، فكل دولة تسعى لأن يكون توازن القوى لصالحها وتعمل جاهدة للحفاظ على ذلك. ثانياً: التوازن بمعنى التعادل في القوة، كما في توازن الرعب النووي، حيث يسعى كل طرف الى منع أو تحجيم الطرف الآخر عن استخدام الأسلحة النووية، وتظهر هنا رغبة كبيرة لدى الطرفين في الحفاظ على التوازن، مما يؤدي غالباً الى السلام والإستقرار، ويوجد ذلك اذا كان هناك أصلاً توازن في قوة الطرفين. ثالثاً: أن يكون التوازن بمعنى التوزيع للقوة الشاملة، وبالتالي فالإختلال في التوازن الإقليمي يؤثر على التوازن العالمي بأية صورة من الصور. والمفهوم العام لتوازن القوى يعني التعادل بين القوى، فلا تستطيع دولة أو مجموعة من الدول الإعتداء على دولة أخرى لوجود قوة مقابلة لها. .. توازن القوى بمعنى التعادل وهنا تظهر القوى العظمى التي تمسك في يدها توازن القوى لصالحها، وبالتالي تمنع أي دولة أخرى من محاولة خلخلة هذا التوازن، فيقصد بالتوازن الحفاظ على الوضع القائم. ويلاحظ أن كل دولة في أي تحالف للقوى تفسر توازن القوى بالمعنى الذي يصب في صالحها، وبالتالي فإنه من المتوقع وجود فرصة للنجاح أو الفشل للدولة التي تريد تصحيح التوازن. ويمكن إجراء التصحيح بواسطة الدول التي ترفض الوضع الراهن، وخير مثال على ذلك هو توازن القوى لصالح الولاياتالمتحدة في ظل النظام الثنائي القطبية قبل سقوط الإتحاد السوفييتي، فالتوازن يعتمد بشكل كبير وأساسي على القوة العسكرية بين الولاياتالمتحدةوروسيا حالياً، وبشكل عام يمكن أن يقال إن توازن القوى هنا يبدو جلياً في ظل علاقاتهم التنافسية، حيث لا يكون لأحد الطرفين كفة أعلى في الميزان بالنسبة للطرف الآخر، كما أنه ليس في استطاعته الإعتماد على المصادر العسكرية والدبلوماسية أكثر من الآخر. .. توازن القوى بمعنى اللاتوازن. ويتم ذلك عن طريق محاولة أحد الأطراف التفوق على حساب الطرف الآخر فيتم التناوب من التعادل الى اللاتعادل، أو التناوب في اللاتعادل من الهيمنة لطرف الى هيمنة للطرف الآخر. فحصول دولة مثل إسرائيل في الشرق الأوسط، على أسلحة متطورة يؤثر على توازن القوى لصالحها، ويؤدي الى تعزيز مكانتها عن طريق حصولها على نتائج ايجابية من دول أخرى، فإعتراف المانيا الغربية مثلاً بدولة اسرائيل عام 1965 ساهم الى تغيير القدرات الكامنة لإسرائيل نحو حيازة سلع صناعية وعسكرية ومنحها صديق قوي، ودعمها في سياساتها في المساومة مع العرب. لاحظنا كما قلنا أن توازن القوى أقدم من توازن الرعب، كما أنه مختلف عنه في أنه لا يشمل فقط الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، وإنما أيضاً الأسلحة التقليدية، وهو لا يذكر فقط قوة الدولة من حيث الردع ولكن يشير الى الهيكل الكامل للقوة الذي يتحكم في العلاقات الدولية.
.. توازن القوى وسيلة حفظ السلام توازن القوى يعد الوسيلة المتخذة لحفظ السلام والسلم الدوليين، لأن التوازن كما ذكرنا يقوم على التعادل في القوة بين الطرفين مما سيمتنعان معه من اللجوء الى الحرب، ذلك أن صراعاً بين قوتين متعادلتين في القوة لا يمكن أن يعطي أحد الطرفين تفوق على الطرف الآخر، وإنما غالباً يؤدي الى تدمير قوتيهما، مما حدا بالبعض الى اعتبار توازن القوى ضمان للسلام وليس تهديداً له، فلو فرضنا أن دولة ما أرادت تطوير قوتها العسكرية وتحقيق تفوق على جيرانها، وبالتالي تستطيع الإنتصار عليها في حالة نشوب نزاع مسلح بينهما، فالملاحظ أن جيران هذه الدولة يلجأون الى تحالفات مع دولة أو دول أخرى للتخلص من هذا التهديد حتى يتم إعادة التوازن مرة أخرى، وبالتاي يتم الحفاظ على السلام الدولي. غير أن هناك رأي آخر يخالف ذلك مؤكداً أن توازن القوى بالمعنى الدقيق غير موجود الا في حالة كون الطرفين يتمتعان أصلاً بقوة متعادلة، فالتوازن تقريبي، وأن حصول أي هامش للقوة يؤدي الى التوتر، وبالتالي قد يؤدي الى نشوب حرب، كما لو تخلت بعض الدول عن بعضها في التحالف السابق، ويؤدي ذلك في حالة وقوع الحرب الى كسب أحد الأطراف لها، وبالتالي لا يساعد التوازن هنا على حفظ السلام والسلم الدوليين. والمؤكد أن من نتائج قيام التوازن نشأة التحالفات، ذلك أن الأحلاف تتكون نتيجة شعور الدول الداخلة فيه بوجود تهديد مشترك، مما يؤدي الى ترابط الدول بعضها البعض، وأن تشكيل حلف سيؤدي حتماً الى تكوين حلف مقابل أو مناهض له. ويتضح بذلك أن توازن القوى ما هو الا لعبة الدول الكبرى رغم أن الدول الصغرى تأتي في المحصلة، وهي غالباً ما تكون ضحاياها، وتعد في أحسن الأحوال بمثابة متفرجين بدلاً من لاعبين. كما أن من الملاحظ أيضاً أن الدول مجبرة على منع دولة أخرى أو مجموعة دول من تحقيق أهدافها في الهيمنة على الآخرين لأنها اذا ما فشلت فإنها تجازف بوجودها، ففي ظل فترة الحرب الباردة لم يكن بوسع صانع القرار الأمريكي الا تحقيق أهداف محددة من أهدافه الخارجية والداخلية، فإذا كان بإمكان روسيا أو الصين تحقيق سيطرة عالمية، فلن يكون بوسع صناع القرار في هاتين الدولتين تحقيق أهدافهم المرسومة اذا أصبح العالم تحت الهيمنة الأمريكية، لذلك فإن التمسك بمفهوم توازن القوى معناه رغبة الدول في البقاء والحفاظ على استقلالها عند صياغة سياستها، ومن هنا يصبح الحديث واضحاً بأن توازن القوى يُعد قانوناً أساسياً للحياة مثل قانون الإحتكاك الذي يحكم سلوك الأشياء. وأخيراً فإن توازن القوى لا يُحَدد فقط حسب المفاهيم الخاطئة بواسطة القوة العسكرية، لكن على العكس من ذلك نجد أن المفاهيم الحديثة في العلاقات الدولية، تُقر بالتأثيرات النسبية للقدرات العسكرية على توازن القوى، لأن هناك عوامل أخرى تلعب دوراً الى جانبها، فالمفهوم الرئيسي في توازن القوى هوأثر القدرات الإقتصادية في التوازن، فقد توجد دولة ذات قدرات عسكرية محدودة، لكن تأثيرها الإقتصادي قوياً في العلاقات الدولية كاليابان مثل. مساهمة خاصة