اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية الأحد لبحث التهديدات الصهيونية ضد العراق    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: الثنائي والح وبختاوي يهديان الجزائر أول ميدالية ذهبية    وزير الاتصال يعزي في فقيد الإعلام محمد إسماعين    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    لبنان: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 3642 شهيدا و15356 جريحا    قرار الجنائية الدولية ينهي عقودا للإفلات من العقاب    استراتيجية ب4 محاور لرفع الصادرات خارج المحروقات    الرابطة الأولى موبيليس: مولودية وهران تسقط في فخ التعادل السلبي امام اتحاد خنشلة    غايتنا بناء جيش احترافي قوي ومهاب الجانب    صنصال.. دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر    الجنائية الدولية تصدر مذكرة توقيف بحق نتنياهو وغالانت    دورة استثنائية للمجلس الشعبي الولائي للجزائر العاصمة    استكمال مشروع الرصيف البحري الاصطناعي بوهران    3مناطق نشاطات جديدة وتهيئة 7 أخرى    "السياسي" يطيح بسوسطارة ويعتلي الصدارة    السداسي الجزائري يستهل تدريباته بمحطة الشلف    إيمان خليف وكيليا نمور وجها لوجه    المرافقة النفسية للمريض جزء من العلاج    وفاة طفل تعرض لتسمم غذائي    ضبط مخدرات بالكرط    مجلس الأمة يشارك في الدورة البرلمانية لحلف شمال الأطلسي بمونتريال    دعوة إلى إنقاذ تراث بسكرة الأشم    نحو تفكيك الخطاب النيوكولونيالي ومقاومة العولمة الشرسة    4معالم تاريخية جديدة تخليدا لأبطال ثورة نوفمبر    إجتماع أوبك/روسيا: التأكيد على أهمية استقرار أسواق النفط والطاقة    تصفيات كأس إفريقيا-2025 لأقل من 20 سنة/تونس-الجزائر: ''الخضر'' مطالبون بالفوز لمواصلة حلم التأهل    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جائحة الفساد سبقت «كوفيد 19»!
نشر في الحياة العربية يوم 11 - 04 - 2020

لم يكن الوقت مناسباً على الإطلاق. كان من المعروف طبعاً أن الثقة الدولية بأن لبنان بلد قابل للإصلاح انعدمت تماماً، بعد سنتين من انعقاد «مؤتمر سيدر»، الذي أقرّ مساعدات بقيمة 11 مليار دولار، شرط تنفيذ خطة إصلاحية جادة وفعلية تتحدث الحكومات اللبنانية عنها، ولكنها كانت مجرد كلام في الهواء.
على أساس هذا على الأقل، لم يكن الوقت ملائماً على الإطلاق، لأن يقوم الرئيس ميشال عون بدعوة سفراء الدول المانحة، يوم الاثنين الماضي، إلى بعبدا للمطالبة بدعم لبنان وبإعطائه المليارات التي وُعد بها في «سيدر»، فلا الوضع الأوروبي يسمح الآن، تحديداً في زمن وباء «كورونا»، الذي يغرق الدول في مشاغلها ومشاكلها ومتطلباتها، ولا السمعة اللبنانية السيئة وعديمة الثقة تسمح حتى بالالتفات إلى هذا البلد الذي ضيّع أيضاً طريقه واتجاهاته العربية، ويمضي في سياسات المحاصصة والانقسامات، ولا تتوقف فيه «ثقافة النهب» المتوارثة، ما أوصله إلى دين عام يقارب مائة مليار دولار، في حين تتحدث صحف غربية محترمة عن أن هناك سياسيين لبنانيين نهبوا أكثر من 320 ملياراً من الدولارات، لم تظهر الدولة أي رغبة جادة في السعي لاسترجاعها، رغم كل ما أثير من دوي، وأُطلق من وعود، عن السعي لاستعادة المال المنهوب.
يوم الاثنين الماضي، عندما كان عون يتحدث إلى السفراء، قائلاً إن لبنان يجمع اليوم على أرضه عبء أكبر وأسوأ أزمتين أصابتا العالم منذ 75 عاماً، فهو يتحمل وباء «كورونا» الذي طال كل الدول، لكنه يحمل أيضاً منفرداً أزمة النزوح السوري، التي تخطّت كلفتها 25 ملياراً من الدولارات، وأنه يطالب دول مجموعة الدعم بمساعدته ودعم برنامجه الإصلاحي، ويعوّل كثيراً على التمويل الذي تعهّد به مؤتمر «سيدر»، وكان في الوقت عينه تقريباً وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، يبلغ مجلس الشيوخ المخاوف بأن فرنسا ستشهد أشد ركود اقتصادي في تاريخها، منذ عام 1945، نتيجة وباء «كورونا»، هذا بعدما كان الرئيس إيمانويل ماكرون راعي مؤتمر «سيدر» قد أعلن أن «العالم بعد اليوم لن يعود كما كنا نعرفه»، وفي وقت يسعى فيه «البنك المركزي الأوروبي»، على خطة لتحفيز الاقتصاد تبلغ قيمتها 750 مليار يورو!
السفراء استمعوا بشيء من القنوط طبعاً إلى الرئيس حسان دياب يتحدث عن اقتراب الحكومة من وضع الخطة الإصلاحية، التي يطالب بها العالم لمساعدة لبنان، لكن الصحف كانت قد كشفت قبل يومين أن الخطة تحتاج إلى ثلاثة أشهر، وليس من الواضح في أي عالم سنكون بعد ثلاثة أشهر مع وباء يكاد يخنق دول العالم!
هذا ليس مهماً على الإطلاق. المهم أن يتذكر المسؤولون في بيروت أن لبنان اليوم ليس همّاً أوروبياً، وأنه فقد طبعاً الاهتمامين الخليجي والعربي، عندما تحوّل إلى منبر لتوجيه الاتهامات والافتئات إلى معظم الدول الخليجية، ورغم ذلك يستدعي المسؤولون سفراء الدول المانحة، مطالبين بالدعم والمساعدة والحصول على مليارات «سيدر»، ويتحدثون عن الخطة الإصلاحية، بينما تغرق البلاد في أخبار الانقسام داخل الحكومة على التعيينات في المراكز المالية الحساسة، رغم أنها خرجت من رحم «حزب الله»، كما يُقال، وكذلك يرتفع الذهول من اصطدام خطة الإصلاح القضائي الممتازة، التي وضعها مجلس القضاء أخيراً بتحفظات تشي بعدم الرغبة في الوصول إلى قضاء شفاف ونزيه، ولا خلاص حقيقياً من الفساد في أي بلد من دون قضاء شفّاف!
هل تخفى كل هذه الأمور عن السفراء، الذين قيل إن بعضهم امتعض من محاولة ربط أزمة لبنان ومشاكله وفساده ومحاصصاته والنهب، بأزمة اللاجئين تكراراً، بما بدا أنه محاولة إحراج لم تمرّ، ولهذا كان واضحاً تماماً أن يان كوبيتش ممثل الأمم المتحدة ردّ باسم السفراء على عون ودياب، فتعمّد أن يصدّ المحاولات اللبنانية المتكررة من ثلاثة أعوام، وفي كل مناسبة، استجلاب المساعدات المالية عبر التلويح بورقة اللاجئين!
ويعرف السفراء جيداً أن مطالبة لبنان بالمساعدات باتت تثير الامتعاض حقاً عندما تتجاهل الحكومة تنفيذ البرنامج الإصلاحي، الذي نص عليه حرفياً البيان الختامي للدول المانحة في «سيدر»، تحديداً في السادس من ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، الذي لا يتوقف عند حدود الإصلاح في منهجية إدارة شفافة ونظيفة لقطاعات أفلست الدولة، مثل الكهرباء التي تكلفت أكثر من 45 ملياراً من الدولارات، التي يرفضون تعيين هيئة ناظمة لها ومجلس إدارة، بل والأهم في نهج سياسي يترجم فعلاً على الأقل نظرية «النأي بالنفس»، ويعمل على أن القوات المسلحة ومؤسسات الأمن الوطني تمثل خطوط الدفاع الشرعية عن لبنان، وفق الدستور، و«اتفاق الطائف»، ويفرض على كل اللبنانيين مواصلة النقاشات الخاصة ب«استراتيجية الدفاع الوطني»!
هكذا بالحرف، ربما كان من الضروري أن يعيد عون ودياب قراءة هذا البيان الختامي الذي لم ينفذ منه شيء قبل الاجتماع والمطالبة بالمليارات، ثم إنه ليس خافياً على أي من السفراء وتقاريرهم إلى عواصمهم طبعاً، أن الحكومة التي تواجه أزمة «كورونا» وارتفاع منسوب الفقر والعوز، لم تتوانَ في جلستها الأخيرة عن إقرار مشروع يثير انقساماً، وهو «سد بسري» وبتكلفة 650 مليون دولار، هذا في حين أنه من المعروف مثلاً، أن أكبر سد في الدنيا ويعتبر تحفة هندسية وينتج «ميغابيط» من الكهرباء، أنشئ أيام الرئيس الأميركي إدغار هوفر عام 1936، ويسمى على اسمه «HOOVER DAM»، وطوله 180 كيلومتراً وبكلفة 49 مليون دولار يومها توازي اليوم 800 مليون دولار، أما في «بسري» فيتقرر في زمن الفاقة إنفاق 650 مليون دولار!
من أين ستأتي المليارات عندما يتذكر السفراء أيضاً أن الحكومة السابقة أقرت مبلغ 800 مليون دولار لتنظيف نهر الليطاني، وطوله 170 كيلومتراً، بعدما كانت فرنسا قد نظفت عام 2016 عشية «سيدر»، نهر السين، وطوله 776 كيلومتراً، بتكلفة 12 مليون دولار.
يوم الأربعاء، حثّ الرئيس الإيراني حسن روحاني «البنك الدولي» على مساعدة بلاده بخمسة مليارات دولار، ولكن في لبنان «حزب الله» يرفض مساعدة «البنك الدولي» في حل أزمته الاقتصادية المالية الخانقة، لأنه يمثل «الاستكبار العالمي»، هكذا بالحرف، ورغم هذا وجّه «البنك الدولي» مع بدء أزمة وباء «كورونا»، مبلغ 40 مليون دولار من أصل 120 مليوناً لمساعدة لبنان على مواجهة تفشي المرض، لكن ما أعلنه ساروج كومار جه، ممثل دائرة المشرق في البنك، من أنه سيشرف على إنفاق المبلغ في إطار من الشفافية والمساءلة، يكشف فعلاً أين صارت صدقية الدولة اللبنانية، التي قال عنها بيار دوكين ممثل الرئيس ماكرون في «سيدر» ذات يوم إنها «غير قابلة للإصلاح»!
لا نقاش في الفساد الأسطوري والنهب المتوحش الذي أفلس لبنان، فهذه اتهامات يتراشق بها السياسيون والمسؤولون علناً، لكن المشكلة في فساد الطقم السياسي أنه يحاول دائماً تحميل الآخرين مسؤولية سرقاته وفساده، فهناك دائماً نظرية غريبة تقول إن مسؤولية الإفلاس تقع على من سبقونا، ومسؤولية عدم إصلاح الوضع أنهم لم يسمحوا لنا بهذا!.
وهناك نظرية أسوأ بكثير، وهي أن الدولة التي جعلت من القطاع العام، ومن الفوضى والنهب في الوزارات والإدارات والمجالس والتنفيعات، سبباً لعجزها عن دفع ديونها، ما اضطر البنك المركزي والمصارف إلى دفع هذه الديون، هذه الدولة تحاول دائماً تحميل المصرف المركزي والمصارف مسؤولية ما صنعته سرقاتها الأسطورية من إفلاس وجوع… والواقع أن جائحة الفساد سبقت «كورونا» بزمن طويل!.
الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.