في عام 1517 وصل السلطان سليم لقمة مجده، وأهم مراحل حكمه في الدولة العثمانية، حيث أصبح بعد انتصاراته على شاه فارس عام 1515 القابض على الحكم في العراق وبلاد الشام، ودخل القاهرة واستطاع أن يُثبت حكمه فيها، وحمل لقب خادم الحرمين الشريفين نظراً لاستلامه مفاتيح بيت المقدس وسيطرته على مكة، حتى عاد إلى مملكته في القسطنطينية. ظن الناس أن هذا هو حدود الدولة العثمانية في الامتداد، لكن سليمان القانوني مدها لعدن والجزائر وغيرهما حتى سيطل على قلب الإسلام ورأسه، مكة والمدينة وبيت المقدس، دمشق التجارة وبغداد العلم، وظل العثمانيون كذلك حتى القرن الثامن عشر، ثم إلى أن انتهت الدولة. لم يردد الأتراك أنهم يريدون إعادة بناء هذه الدولة، ولا أن يظهر العثمانيون الجدد بحلم الخلافة أو غيرها، لأن الزمن تغير، والدول تغيرت، وراية الإسلام "وهي الأهم" لم تعد واحدة، لكن الإعلام الإماراتي والسعودي فعل ذلك طوال السنوات الماضية في تشويه مستمر لحزب الحرية والعدالة والرئيس أردوغان. الآن وبعد مرور الطائرة الصهيونية فوق الأراضي السعودية لعاصمة "خلافة" الصهاينة، يتضح للعالم من يريد السيطرة على المنطقة، وصناعة دولة عظمى تضع مرة أخرى مقدسات الإسلام تحت سيطرتها، وتتحكم في قلب الأمة "مكة". مخطئ من يظن أن العلاقة بهذا العلن جاءت من اليوم، بل سبقتها بسنوات طويلة من التخطيط شملت التالي: أولاً: إضعاف العواصم العربية الكبرى، إما من خلال إدخالها في صراعات داخلية أو حروب لا منتهية أو فساد لا يشفى منه، وشاهدنا ذلك في العراق ومصر ومحاولات فاشلة في الجزائر وتونس، وكان الهدف منها تدمير العواصم العربية الكبرى، وللأسف أن السعودية ساهمت في تحقيق ذلك بطرق مختلفة مع تعاقب حكامها. ثانياً: تدمير كافة الدول المحيطة بالأراضي الفلسطينية، بداية من فساد لبنان والذي ساهم السعوديون في ترسيته من خلال أموالهم التي مولت أطرافاً ضد أخرى أو ساهمت في أن تصنع إيران حزب الله كرد مضاد دون أي رد مساو في القوة، أو من خلال إضعاف الأردن وإدخاله في الدوامات الاقتصادية دون دعم بل والضغط عليه لأخذ مواقف كثيره تؤثر عليه لاحقاً كما حدث في حصار قطر، أو المشاركة في تدمير سوريا، والكل يعلم أنه لولا الدور السعودي لنال الشعب السوري حريته وتخلص من طاغيته، وأنه لولا الدور السعودي في تشويه الثورة السورية لما بقي بشار يوماً واحداً. ثالثاً: تدمير كل الدول الإسلامية الكبرى، سواء كان على المستوى الداخلي أو على مستوى السمعة في الوطن العربي، وشاهدنا الفساد الإماراتي في ماليزيا، ومحاولات زعزعة الحكم في باكستان، والتشويه المستمر لصورة تركيا، وحتى إيران بكل مواقفها مع الفلسطينيين فإنها تشوه بشكل مستمر لضمان تحقيق الغرب أهدافه منها. المسألة ليست صدفة، هذه عملية ممنهجة تعتمد على عدم قدرة الصهاينة على أن يكونوا قادة للشرق الأوسط الجديد، وبالتالي فقد لجأوا لدولة بديلة، بنفس الروح الصهيونية، بنفس درجة المعاداة للإسلام وأهله، لتكون وكيلهم في السيطرة على أمتنا الإسلامية والعربية، وهي الإمارات، التي أصبحت اليوم تسعى لتدمير كل قطر عربي وكل مدينة، وتسعى للسيطرة على القرار في كل دولة، ثم ستصل إلى الهدف الأهم وهو السيطرة على القرار بشكل علني في آخر عاصمة يرغب الصهاينة "اليهود والعرب" في السيطرة عليها وهي الرياض. إننا اليوم لسنا في خلاف مع السعودية من أجل الحصار فقط، بل في خلاف معها كي لا تسقط المملكة في يد صهاينة العرب قبل اليهود، وإن كانت قد سقطت عبر سيطرة الإمارات على مؤسساتها العسكرية والإعلامية، فإن الرهان على الشعب السعودي وبقية مؤسسات الدولة يجب أن يبقى ويدعم، لا أن نسلم الجزيرة العربية لهذا التحالف الذي سيدمر منطقتنا. هناك محاولات مستمرة لصهينة شعوب المنطقة، عبر تشويه سمعة فلسطين، بلداً وشعباً، وزرع فكرة السلام الوهمي في عقول الناس، وهذا في الحقيقة لن يصل بنا إلا إلى تدمير كل مقدرات الأمة وتاريخها وتسليم الأمر فيها لمن لا يخاف الله في عباده.. ولن يرحمهم. في كتابه "الانحطاط السياسي" يقول فرانسيس فوكوياما إن كثيراً من الحكومات ترى في نفسها بديلاً مبدئياً للديمقراطية الليبرالية الغربية، وحددها بالصين وروسيا ودول الخليج وإيران، لكنه عندما فصل الأمر أكد أن دول الخليج كانت على الدوام حالات استثنائية، قابلة للحياة حصراً بصيغها الحالية بسبب موارد الطاقة الهائلة التي تمتلكها. وهذه للأسف حقيقة يجب ألا نتجاوزها وألا نخفي الاعتراف بها، استمرار دول الخليج ككتلة مرهون بما تمتلكه من طاقة، مستقبلها مرهون بوحدتها وما تقوم ببنائه من مشاريع، مصيرك مشترك واحد، والتفكك الحالي الذي سببته الإمارات هو الذي سيجعلها لقمة سائغة لكل تكتل دولي، لهذا هي تنضم اليوم لتكتلات مختلفة قابلة للتغيير، إلا أن الإماراتيين اختاروا التكتل الحقير من بين كل التكتلات، ربما لأنهم اعتادوا ذلك. لقد روج صهاينة العرب لفكرة عودة دولة الخلافة العثمانية ليتفاجأ العالم بظهور "الدولة الصهيونية المتحدة". وأنا أشاهد الطائرة الصهيونية تمر فوق الأجواء السعودية وصولاً لأبوظبي، تخيلت أمير الشعراء أحمد شوقي يبكي على شعر لم يكتب عكسه في وصف صهاينة العصر عندما قال: وكن في الطريقِ عفيفَ الخُطا شريفَ السَّماعِ كريمَ النظر ولا تخْلُ من عملٍ فوقَه تَعشْ غيرَ عَبْدٍ ولا مُحتَقَر وكن رجلاً إن أتوا بعده يقولون مرَّ وهذا الأثرْ الشرق القطرية