ذهلت كما ذهل الأميركيون مما شاهدناه يحدث يوم 6 يناير 2021. لم يعرف التاريخ الأميركي أحداثا بقوة وجسامة ما شهده مبنى الكابيتول؛ من اقتحام المئات من مؤيدي الرئيس دونالد ترامب لجلسة مجلسي النواب والشيوخ المشتركة للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية 2020، والتي انتهت بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن. بداية، أرى أن التاريخ الأميركي لم يعرف أياما أو أحداثا كثيرة بقوة وأهمية 6 يناير ، وتأثيراتها على طبيعة الدولة الأميركية، ولن أبالغ إذا قلت إنه لم يسبق أن مر يوم بهذه الخطورة والأهمية. وهناك يومان آخران قد يزاحمان هذا اليوم في حجم الأهمية والتبعات، الأول هو 7 ديسمبر 1941 عندما أغار الأسطول الجوي الياباني على الأسطول البحري الأميركي في المحيط الهادي وتحديدا مرفأ بيرل هاربر بجزيرة هاواي، ونتج عن ذلك إعلان الحرب على اليابان ودخول واشنطن الحرب العالمية الثانية. واليوم الثاني جاء بعد 60 عاما في 11 سبتمبر عام 2001 حين اختطف مجموعة من الإرهابيين 4 طائرات، وأسقطوا بهما برجي التجارة العالميين في قلب مدينة نيويورك، وهاجموا مبنى البنتاغون، لتعلن واشنطن بدء حربها العالمية ضد الإرهاب، لتغزو من خلالها أفغانستانوالعراق، ولم تنسحب منهما بصورة كاملة بعد. وفي الحالتين أصبحت أميركا قبل الحدث تختلف تماما عن أميركا بعد الحدث، وأتصور أن 6 يناير 2021 سيتفوق في أهميته وتداعياته على ما نتج عن الحادثتين السابقتين. ستختلف أميركا بعد 6 يناير عن أميركا بعد ذلك التاريخ. وأرى أن حادثة اقتحام الكونغرس أكثر خطورة من حادثة تدمير الأسطول في بيرل هاربر أو حوادث 11 سبتمبر على الرغم من مقتل 5 أشخاص فقط، في حين قتل ما يقرب من 3 آلاف شخص في الحادثة الأخيرة، وقتل ما يزيد عن ألفي أميركي في الأولى. قبل الساعة 8 من صباح يوم 7 ديسمبر هاجمت 353 طائرة عسكرية الأسطول الأميركي في جزيرة هاواي بالمحيط الهادي، ودمرت أغلب القطع البحرية وأغرقت بعضها، وقتل 2400 أميركي. لتعلن الولاياتالمتحدة بعد ذلك بساعات دخولها الحرب العالمية الثانية، والحرب على اليابان، وعلى ألمانيا لاحقا. نتج عن دخول أميركا الحرب مقتل 405 آلاف أميركي، وإصابة 670 ألفا آخرين، وانتهت الحرب قبل نهاية عام 1945، لتخرج أميركا منها منتصرة، وتبدأ قيادتها الفعلية للمعسكر الغربي في المواجهة التاريخية مع المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي. تسببت الحرب في اتباع واشنطن سياسات ومواقف غير إنسانية تجاه مئات الآلاف من الأميركيين من أصول يابانية، وتم احتجازهم في معسكرات اعتقال جماعية مؤقتة. كذلك دفعت ظروف الحرب إعادة ترشح الرئيس روزفلت 4 فترات رئاسية، وبعد انتهاء المعركة تبنى الكونغرس التعديل رقم 22، والذي يحظر على الرئيس الترشح أكثر من فترتين. قبل الساعة 9 من صباح 11 سبتمبر 2001، وبعد هجمات إرهابية بطائرات مخطوفة نتج عنها مقتل ما يقرب من 3 آلاف شخص، دفعت أميركا لشن ما أطلقت عليه "الحرب على الإرهاب"، لتغزو دولتي أفغانستان قبل نهاية 2001 والعراق في 2003. واليوم وبعد ما يقرب من 20 عاما، لم تنسحب القوات الأميركية بصورة كاملة من الدولتين. وكلفت الحربان الخزانة الأميركية ما بين 5 إلى 7 تريليونات من الدولارات، وقتل في أفغانستان أكثر من ألفي جندي، وأصيب أكثر من 20 ألفا آخرين، وقتل في العراق أكثر من 4 آلاف جندي، وأصيب 32 ألفا آخرين. ونتج عن غزو العراقوأفغانستان مقتل مئات الآلاف من الأبرياء من مواطني الدولتين وتدمير بناهما التحتية. وعرفت أميركا سياسات داخلية رآها الكثير من الخبراء دراكونية في طبيعتها سمحت بتوغل الأجهزة الأمنية الأميركية في التنصت، وتتبع الكثير من مواطنيها خاصة المسلمين منهم. وكان لاستخدام معسكرات اعتقال في غوانتانامو تأثيرات بالغة حول الصورة الأميركية حول العالم خاصة مع ورود أنباء التعذيب والانتهاكات، التي يتعرض لها المعتقلون، وحتى اليوم لم يتم إغلاق المعتقل. كذلك سمحت الحرب على الإرهاب أن تنشغل واشنطن بمعارك هامشية في الإستراتيجية الكونية، في وقت ركزت فيه الصين على النمو الصناعي والاقتصادي والعسكري. وعلى الرغم مما سبق، أرى أن أحداث 6 يناير أكثر خطورة؛ لأنها صنعت بالكامل في أميركا، وهي أزمة أميركية محلية بامتياز تعبر عما وصل إليه حجم الاستقطاب. وعلى عكس الأزمات السابقة، تضرب أحداث 6 يناير الديمقراطية الأميركية في قلبها مع رفض رئيس منتخب نتائج انتخابات خسرها؛ بل يتمادى ويؤكد أنها مزورة بدون أن يقدم دليلا ملموسا على ذلك، وعلى الرغم من رفض عشرات المحاكم المختلفة ادعاءات الرئيس ترامب. وقبل الخطوة الأخيرة والتصديق على نتائج الانتخابات يوم 6 يناير ، يؤمن الملايين من أنصاره الجمهوريين أن الانتخابات سُرقت منه. وأصبح ترامب أول رئيس في التاريخ الأميركي الذي يحاكم برلمانيا بهدف العزل مرتين، بعد أن مرر مجلس النواب قرارا يتهم "الرئيس الأميركي" بالتحريض على التمرد ضد الحكومة الأميركية، بهدفش عرقلة الانتقال السلمي للسلطة؛ مما يهدد أمن وسلامة ومصالح الولاياتالمتحدة وديمقراطيتها.بهدف عرقلة الانتقال السلمي للسلطة. وبعد أيام تنتهي رئاسة ترامب؛ لكن تبعات ما جرى ستبدأ بالتبلور والتأثير على كل ما هو قادم في حياة الأميركيين بصورة تفوق تأثيرات هجوم بيرل هاربر وهجمات 11 سبتمبر. الجزيرة نت