جيمس ستافريديس – قائد عسكري سابق لحلف الناتو القوى المحركة للدفاع الأوروبي في حالة تغير مستمر، مع 4 متغيرات رئيسية تؤثر على الطريقة التي تشارك بها الدول الكبرى في القارة، ليس فقط أمنها الخاص، بل أمن العالم بأسره. وبالنظر إلى هذه القضية مجتمعة، فإنَّها تشكّل المجموعة الأكثر أهمية من القضايا التي شهدها التحالف الأمني عبر المحيط الأطلسي منذ أوائل تسعينات القرن العشرين. أولاً، إتمام خط أنابيب «نورد ستريم 2» للغاز بين روسياوألمانيا. ثانياً، الانتخابات الألمانية التي سوف تُجرى هذا الأسبوع، والتحالفات السياسية لمختلف الائتلافات الحاكمة المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، تشعر فرنسا بالغضب بعد قرار أستراليا إلغاء صفقة كبيرة لشراء غواصة ديزل لصالح تحالف أميركي – بريطاني لتوفير قوارب نووية. وأخيراً، فقد أسفر انهيار الولاياتالمتحدة في أفغانستان عن زعزعة الثقة في قيمة الالتزامات الأميركية. سوف يكون لأي من هذه التطورات تأثير مباشر على أولويات أوروبا الدفاعية. وفي مجموعها، فإنها تشير إلى لحظة من التأمل الجاد والتحرك المحتمل بالنسبة للأوروبيين، وخاصة في ظل توطيد بريطانيا لخروجها من الاتحاد الأوروبي. كيف تحافظ واشنطن على قوة الجسر عبر الأطلسي، ولا سيما الوقت الذي تحاول فيه حشد الدعم العالمي في منافستها مع الصين؟ لقد مرّ على «نورد ستريم 2» عقد من الزمان في طور الإعداد، وهو الآن جاهز للعمل؛ وأمام ألمانيا 4 أشهر لاعتماد العمليات. وهو سوف يسمح للأوروبيين بتجاوز أوكرانيا والوصول إلى الغاز الطبيعي الروسي عبر بحر البلطيق مباشرة. وبعد أن عارضت الولاياتالمتحدة المشروع مدة طويلة، وكانت تأمل في تطوير أسواق الغاز الطبيعي في أوروبا باستخدام الناقلات، فإن خط أنابيب «نورد ستريم 2» من شأنه أن يزيد من نفوذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القارة، ولهذا السبب كنت قد عارضته في مراحله المبكرة، أثناء عملي قائداً أعلى لحلف شمال الأطلسي. كان قرار إدارة بايدن بالرضوخ للمشروع بمثابة اعتراف على مضض بأن الأوروبيين كانوا يسلكون طريقهم في مجال الطاقة بشكل واضح، بصرف النظر تماماً عن موقف الولاياتالمتحدة. أي يسجل الدرجة الأولى في الاستقلال الأمني الأوروبي. إن تحول أستراليا عن عقد الغواصة الذي قدمته فرنسا بقيمة عشرات المليارات من الدولارات سوف يؤدي إلى تفاقم التوترات مع القوة العسكرية الأوروبية الرائدة. لقد سحب الرئيس إيمانويل ماكرون (مؤقتاً) سفير بلاده في واشنطن. وتاريخياً، كان الفرنسيون يشعرون بحنق شديد من «هيمنة» الولاياتالمتحدة على حلف شمال الأطلسي؛ حيث سحب الرئيس شارل ديغول فرنسا من جيشها المتكامل في عام 1966 وحاول تشجيع الهياكل الأوروبية كبدائل. وفي ألمانيا، فإن الاستعراض القوي للحزب الديمقراطي الاجتماعي المنتمي إلى يسار الوسط، والذي كان لفترة طويلة قليل الحماس إزاء حلف شمال الأطلسي، من شأنه أيضاً أن يفرض قدراً كبيراً من التأكيد على العلاقات بين ضفتي الأطلسي. وإذا شكل الديمقراطيون الاجتماعيون حكومة ائتلافية يسارية، باستثناء الديمقراطيين المسيحيين التابعين للمستشارة المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل، فإن الشهية إلى العمل بشكل وثيق مع الولاياتالمتحدة في الأمور المتعلقة بالأمن الأوروبي والعالمي سوف تتلقى صدمة أخرى. وأخيراً، فإن انهيار المهمة في أفغانستان، والافتقار إلى التنسيق الجاد مع الحلفاء في الفصل الختامي الفوضوي، من شأنه أن يقوض الجهود الرامية إلى الحفاظ على تماسك الولاياتالمتحدة وأوروبا في مواقع أخرى. كان لدى الدول الأوروبية قوات كبيرة في أفغانستان، وأبدت استعدادها لإبقائهم هناك، فمن بين آخر 10 آلاف جندي في البلاد، كان هناك 2500 فقط من الأميركيين. كيف تتجلَّى كل هذه العوامل إذن في المواقف الأوروبية إزاء التعاون الدفاعي مع الولاياتالمتحدة؟ ومن المؤكد أنها ستضخ الروح إلى فكرة وجود قدرة عسكرية أكثر قوة واستقلالية، مع اكتساب مفهوم «الجيش الأوروبي» لماكرون زخماً جديداً. ومن المتوقع أن تصبح فرنساوألمانيا أقل رغبة في التحرك بشكل متزامن مع السياسة الأميركية المرتبطة بالصين، وفي كل شيء، من التعاون بشأن حرية الدوريات الملاحية في بحر الصين الجنوبي، إلى استخدام شبكات الجيل الخامس التي طورتها الشركات الصينية. صحيح أن الولاياتالمتحدة أرادت من دول حلف شمال الأطلسي تحمل مزيد من المسؤولية عن أمنها، من خلال إنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بصفة أساسية. قد تؤدي هذه الأحداث الأخيرة إلى زيادة الإنفاق الأوروبي، إلا أنها من غير المرجح أن تركز على عمليات حلف شمال الأطلسي، وإنما على مجموعات القتال التابعة لها. ربما قد يكون هذا مفيداً في ردع روسيا، إلا أنه لن يساعد في التصدي للتحدي الاستراتيجي الرئيسي الذي يواجه الولاياتالمتحدة وحلفاءها؛ الصين. ماذا يمكن أن تفعل واشنطن لدعم العلاقات؟ أولاً، إعادة التأكيد على دعم الولاياتالمتحدة لحلف شمال الأطلسي باعتباره الركيزة الأساسية للأمن الأوروبي، بما في ذلك التأكيد السريع على تعيين سفير لها في الحلف. ويتعين على وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي يتحدث الفرنسية بطلاقة، أن يجعل من السيطرة على الأضرار الأوروبية مهمته الدبلوماسية الأولى. على كبار القادة العسكريين الأميركيين التواصل شخصياً مع نظرائهم الأوروبيين. الجنرال تود ولترز، القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي، يقوم بعمل عظيم، لكنه لا يمكن أن يشكل قناة الاتصال الوحيدة. وبوسع الولاياتالمتحدة أيضاً أن تبحث عن مجالات للتعاون، من أوكرانيا، إلى إيران، إلى الأمن السيبراني، إلى تبادل المعلومات الاستخبارية؛ حيث تشكل الخبرة الأميركية جاذبية شديدة بالنسبة للأوروبيين. ولن يكون لدى الأميركيين أبداً مجموعة أعمق من الشركاء الذين يشاركوننا قيمنا بعمق، والذين قاتلوا وماتوا إلى جانبنا في أفغانستان والشرق الأوسط، والذين أصبحوا أكثر تشابكاً معنا اقتصادياً، من الأوروبيين. إلا أن الجسر عبر المحيط الأطلسي يحتاج إلى الدعم، فلربما كان ذلك الجسر يشكل أهم جزء في البنية الأساسية الأمنية العالمية. الشرق الأوسط بالاتفاق مع بلومبرغ