سعد بن طفلة العجمي** وزير الإعلام السابق في الكويت لا أحد يعرف بالضبط ما ستنتهي إليه محاكمة أول رئيس أميركي في التاريخ، فقد استدعى المدعي العام بولاية نيويورك الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى التحقيق الثلاثاء الماضي موجهاً إليه عشرات التهم، أخطرها التهرب الضريبي والكذب بوثائق رسمية حول دفعه 130 ألف دولار لممثلة أفلام إباحية نظير سكوتها عن علاقة جنسية معه عام 2016، حين قرر خوض الانتخابات الرئاسية التي فاز بها. قيمة سكوت ستورمي دانييلز ليست جريمة بحد ذاتها، لكن الجريمة أن ترمب سجل ذلك المبلغ كجزء من مصاريف حملته الانتخابية، وهو الذي يعد كذباً وتزويراً بوثائق رسمية. ترمب ومعسكره يعتبران أن ما يجري هو ملاحقة سياسية لإدانته ومنعه من الترشح ثانية للرئاسة العام المقبل، بينما يرى مخالفوه وخصومه أن المسألة ببساطة تطبيق للقانون الذي لا يستثني أحداً أبداً. والواقع أن محاكمة الرئيس ترمب ليست الأولى للرؤساء في العالم، فلو استعرضنا محاكمات رؤساء الدول في القرن الحالي لوجدنا سلسلة تصلح برنامجاً توثيقياً للعبر والدروس. من أشهر الرؤساء الذين جرت محاكمتهم هذا القرن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، فلاحقته القوات الأميركية وألقت عليه القبض مختبئاً في حفرة تحت الأرض بعد احتلال بلاده وسقوط نظامه عام 2003، وقدم إلى المحاكمة وأعدم عام 2006 قبل استكمال محاكمته عن كل التهم التي وجهت إليه بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. يذكر أن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين أعدم ضمن سلسلة من إعدامات الرؤساء العراقيين منذ أن سحلوا أفراد العائلة الملكية الهاشمية عام 1958، فأعدم أول رئيس جمهوري بعد سقوط الملكية عبدالكريم قاسم بالإذاعة على الهواء عام 1963، ولحقه خلفه بعد ثلاثة أعوام عبدالسلام عارف الذي تمزقت أشلاؤه بالهواء بتفجير طائرته الهليكوبتر عام 1966، وخلفه شقيقه عبدالرحمن الذي نفاه البعثيون بعد الانقلاب عليه عام 1968، ثم جاء أحمد حسن البكر الذي مات بظروف "مرض غامض" بعد تنحيه عن السلطة لمصلحة نائبه صدام حسين، والشاهد هنا أن إعدام صدام حسين لم يكن حالة شاذة ونهاية فريدة لرؤساء العراق في العصر الحديث. في البيرو، فر الرئيس البيروفي السابق ألبيرتو فيجيمورو عام 2000 إلى مسقط رأس أجداده اليابانيين قبل هجرتهم إلى البيرو، وكان ملاحقاً بتهم الفساد والرشوة وارتكاب جرائم حقوق إنسان، وألقي القبض عليه في أثناء زيارته لتشيلي عام 2007 وحوكم وُجن وأعفي عنه ورفض العفو، وما زال ينتظر تنفيذ عفو صدر لمصلحته العام الماضي. حكم الرئيس السوداني السابق أحمد عمر البشير بانقلاب عسكري على حكومة منتخبة عام 1989 وأسقط نظامه بعد ثورة شعبية في أبريل (نيسان) 2019، ولا يزال يمثل أمام المحاكم السودانية بتهم متعددة وهو من المطلوبين لمحكمة الجرائم الدولية. وكان الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك مثل للمحاكمة بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، لكنه بريء من معظم التهم وخرج من السجن شرط الإقامة الجبرية وتوفي عام 2020، ودخل خلفه الرئيس السابق محمد مرسي السجن عام 2013 بعد "انقلاب شعبي" وحوكم بتهم مختلفة، لكنه فارق الحياة في أثناء جلسة محاكمته في يونيو (حزيران) 2019. وللرؤساء الأفارقة قائمة طويلة ممن حوكموا بتهم مختلفة، ومن بينهم الرئيس التشادي السابق حسين حبري الذي يقضي حالياً حكماً بالسجن المؤبد بتهم التعذيب والاغتصاب والقتل. ويعد الرئيس البرازيلي اليساري الحالي قصة من قصص البرازيل ورموزها، إذ إنه حوكم بتهم الفساد وسجن عام 2017، وخرج عام 2019 ليعاد انتخابه مرة ثانية رئيساً للبلاد العام الماضي 2022 بفارق بسيط عن منافسه اليميني. مؤيدوه وناخبوه اعتبروا كل ما جرى له مؤامرات يمينية خبيثة قصدها إبعاده عن المشهد السياسي واغتياله سياسياً بتلفيق تهم الفساد إليه. وكان الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش أول رئيس دولة سابق تحاكمه المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها ضد مسلمي يوغوسلافيا السابقة وألقي القبض عليه عام 2002 وحوكم في مقر المحكمة الدولية بلاهاي -هولندا، لكنه مات في زنزانته عام 2006 بظروف غامضة قبل استكمال محاكمته. وكان للنساء في هذا القرن نصيب من المحاكمات كرئيسات لدولهن، فاعتقلت أول امرأة رئيسة لكوريا الجنوبية بارك غيون هاي وحوكمت بتهم الفساد عام 2017 وتقضي اليوم حكماً بالسجن لمدة 20 عاماً. أما المرأة الأخرى التي تقبع في السجن حالياً، فهي أون سان سو تشي، رئيسة ميانمار (بورما سابقاً) التي اعتقلها الجيش الذي انقلب على السلطة بالبلاد عام 2021 بتهمة تزوير انتخابات 2020 التي نجحت بها، كما تدعي.
رؤساء متهمون وآخرون مسجونون وبعضهم أعدموا بعد محاكمتهم وهكذا الدنيا تدور كالدولاب. على قصر السيف التاريخي لحاكم الكويت الذي بناه الشيخ مبارك الصباح عام 1904 عبارة فلسفية عظيمة، لو دامت لغيرك، ما اتصلت إليك. فهل تتصل الرئاسة ثانية لدونالد ترمب العام المقبل؟ أم أن محاكمته ستنتهي بإدانته ومنعه من الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة؟ وما الآثار التي يمكن أن تترتب على إدانته وربما سجنه، بالتالي منعه من الترشح للرئاسة؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام.