سعيد خطيبي روائي وصحافي جزائري، استطاع أن يختط لنفسه طريقا مميزا في عالم الأدب والكتابة قاده نحو العديد من الاستحقاقات التي نالها في مسيرته الإبداعية بدءا من فوزه بجائزة الصحافة العربية ومرورا بحصوله على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، ووصولا إلى نيله جائزة الشيخ زايد للكتاب 2023 عن روايته "نهاية الصحراء". وحول مراحل مسيرته الأدبية وما الذي يميز تجربته بعد فوزه بجائزة الشيخ زايد للكتاب، يصرح الأديب والروائي سعيد خطيبي ل"العرب": "يهمني أن أواصل ما بدأت عليه، أن أعيش لأكتب". ..الكتابة نمط عيش يقول خطيبي "إننا نعيش في عالم حيث الحرية في تقلص، والسبيل الأمثل في اختبار حدود حريتي هو الكتابة. جائزة الشيخ زايد للكتاب تزيد من مسؤوليتي تجاه القارئ. أحاول باستمرار أن أقدم أفضل ما عندي، ألا أخذل أفق توقع القارئ، أن ألعب دوري كمثقف شاهد على المرحلة العصيبة التي يحيا فيها، في هذه الحقبة التي يتسع فيها العنف بنوعيه المضمر والواضح، أن أستعين بالأدب في سبيل معرفة ما أجهله". هل تمنح الجوائز الأدبية اليوم، الكاتب المكانة أم المال فقط؟ يجيب خطيبي على هذا السؤال منبها إلى وجود جوائز أدبية من غير كتابة أدبية جيدة. يقول "الكاتب في حاجة إلى أن يكتب، أن يجعل من الكتابة نمط عيش وليس مجرد فسحة تسلية أو شغلا في أوقات الفراغ. الكتابة تمنح صاحبها شعورا بالاطمئنان أن بوسعه تفادي الصدمات التي قد تواجهه كل يوم. والجائزة الأدبية تهبه المكانة ومالا قصد التفرغ لمشاريعه القادمة. فالكاتب كغيره من المشتغلين في حقول أخرى، له حياة اجتماعية، ويحتاج أن يوفر ضروريات العيش، من أجل الخوض في مشاريعه الأدبية". خلال مسيرته الإبداعية الحافلة رفد سعيد خطيبي المكتبة العربية بعدد من الأعمال الأدبية التي بدأها بكتابة "أعراس النار" في العام 2010 وأردفه برواية "كتاب الخطايا" في العام 2013، ثم "جنائن الشرق الملتهبة" (رحلات) 2015، قبل أن يسلك مسارا مغايرا بعض الشيء في تجربته الأدبية عبر روايته "أربعون عاما في انتظار إيزابيل" في 2016، ثم "حطب سراييفو"، وصولا إلى رواية "نهاية الصحراء" في العام الماضي 2022. وحول تقييمه الذاتي لمسيرته الأدبية منذ "كتاب الخطايا" إلى "نهاية الصحراء" يقول خطيبي ل"العرب": "أظنني لست في موقع يسمح لي بتقييم نفسي. أترك هذا الجواب للنقاد والقراء. فأنا في الغالب أكتب عما أجهله كي أزداد معرفة به، أمارس حقي في الخطأ، لأن الكتابة لا تحتمل الكمال، وكأي كاتب لا أزال غير راض عما كتبت، لكنني أحاول أن أقدم أفضل ما لدي في كل مرة". وعن الهجرة وماذا أضافت إلى تجربته الإبداعية وماذا أخذت منها، يقول خطيبي "الهجرة سمحت لي بأن أنظر إلى بلدي الجزائر بشكل مختلف، بحياد وبعيدا عن التجاذبات الأيديولوجية أو السياسية. الهجرة جزء ثابت في سير الكتاب، سواء كانت هجرة داخلية أو خارج الجغرافيا. هي عادة سيئة، على رأي مالك حداد، لكن يجب أن نتعود عليها. فنحن لا نهاجر سوى لنعود، في الختام، إلى أمكنتنا الأولى". وعن رأيه في عدم ولادة أدب مهجر جديد على غرار أدباء المهجر الأولين مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبوماضي وفوزي المعلوف ونسيب عريضة والريحاني، يضيف "نحن نعيش في زمن تكنولوجي مفتوح. يمكن للواحد منا أن يُهاجر دون أن يغادر عتبة بيته. يمكن أن يجد مواطن عربي نفسه في أميركا أو كندا، دون أن تغفل عينه عما يحصل في بلده لحظة بلحظة". ويتابع "في هذا الزمن التكنولوجي صار من الترف الحديث عن 'نوستالجيا' أو حنين. إلى ماذا نحن بينما بوسعنا التواصل مع أي شخص مقرب منا، في كل حين، بصوت وصورة؟ أظن أن فكرة الحنين لا تصلح سوى لبيع بطاقات بريدية، لم يعد لها وجود في الواقع. بالتالي لم تحصل قطيعة مع أرض المنشأ، كما في الماضي، لم يعد المهجر مرادفا للبعاد أو القطيعة، بل بات امتدادا للوطن". ..الصحافة والرواية عمل سعيد خطيبي في حقل الصحافة، وحاز على جائزة الصحافة العربية في العام 2012، كما انخرط في مجال الصحافة الثقافية، وعن تجربته تلك وتكامل عمله كصحافي مع اهتماماته الأدبية أم أن الصحافة أخذت منه مساحة كان يفترض أن يستأثر بها الروائي الكامن بداخله، يقول ل"العرب": "أحاول أن أجعل منهما مجالين متكاملين. لست الصحافي الذي يجلس إلى مكتب طوال اليوم. بل أنا في تنقل، في كل حين، أحمل معي على الدوام حقيبة ظهر وأغراضا أساسية، من أجل الكتابة عما يجري على الأرض، وقد يحصل أن أجد نفسي في أمكنة خطرة، بغرض كتابة استطلاعات ميدانية". ويضيف "الصحافة تتيح لنا الإصغاء إلى الناس، أن نشاركهم حكاياتهم، كما أن الصحافة تعلمك الجدية في الكتابة، والالتزام بالوقت، ولاسيما عدم الثرثرة حين تكتب أدبا. لقد وصلت إلى الصحافة قادما إليها من الأدب، وليس العكس، وهو مسار كلاسيكي، فغالبية الكتاب مارسوا الصحافة أيضا، لأنها الحقل الأكثر خصوبة في تطوير كتابتنا الأدبية". وعودة إلى الأدب، نسأل خطيبي كيف ينظر إلى واقع الرواية العربية اليوم. هل تعيش أزهى عصورها أم أنها شاسعة من حيث الكم، فقيرة المحتوى والجودة؟ ليجيب "برأيي، من الإجحاف تقديم أحكام مطلقة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، عن الرواية. ففي أي حقل أدبي سوف نجد السيئ والجيد. لكن يحق لنا القول إن الرواية لا تزال تحقق صعودا مهما في العالم العربي، وسوف تستمر كذلك في السنوات القليلة القادمة، لكن هناك عوامل ما وراء أدبية تقف عائقا، لاسيما ما يتعلق بغياب سوق أدبية". ويتابع "في بعض البلدان العربية، على غرار الجزائر، ننتظر معرض الكتاب -مرة واحدة في السنة- قصد الوصول إلى الأعمال الجديدة، في ظل غياب مكتبات وسوق افتراضية في تداول الكتاب. وكذلك الحال في بلدان عربية أخرى. لا تزال الرقابة أيضا تطل برأسها من حين لآخر، وعدم الاستقرار في بعض البلدان كذلك يلعب دورا في صعود ونزول الأدب إجمالا".