وتطرق مشاركون في ندوة "الصوفية إرث وحضارة" نظمت على هامش الطبعة اال27 لصالون الجزائر الدولي للكتاب، الى التصوف ودوره في الحفاظ على المرجعية الدينية والوطنية وحماية الهوية الوطنية كما هو الحال في الجزائر وبلدان إفريقية خلال القرن ال 19. وفيها تحدث الأستاذ رشيد بوسعادة عن الزوايا بصفتها مؤسسات روحية تؤدي أدوارا متعددة في التربية والتعليم وضمان الاستقرار الاجتماعي، مشيرا من جهة أخرى إلى انه "تقريبا ومنذ 1802 كل الثورات التي وقعت في المغرب العربي كانت نابعة من الزوايا وذلك إلى غاية 1916″، مؤكدا أن الإرث التراثي والحضاري للزوايا "لا يمكن تجاهله من قبل أي دارس أو باحث أنثروبولوجي". وفصل من جهته مدير المركز النيجيري للبحوث العربية، الخضر عبد الباقي محمد، في محددات تفاعل قيادات التصوف مع فكرة المقاومة وفي الدوافع التي جعلتهم يتفاعلون مع مقاومة الاستعمار الغربي، مجيبا بالقول أن "التصوف في المجتمع الإفريقي انتشر بسرعة كبيرة جدا بسبب نفسية الأفارقة وإقبالهم على مختلف الطرق الصوفية"، وقد ساهم ذلك –حسبه- "في بروز قيادات صوفية قاومت الاستعمار في شمال إفريقيا وفي غربها أيضا"، مؤكدا " أن مقاومة الأمير عبدالقادر الجزائري هي أحسن مثال على هذا التوجه الصارم تجاه مسألة مقاومة الاستعمار". وفي حديثه عن الأدبيات الصوفية قال أن "كل رجالات الصوفية جابهوا كل محاولات المساس بالمقومات الثقافية وقاطعوا مقاطعة شاملة ثقافة المستعمر، حيث كانت المقاومة الثقافية بمثابة موقف سياسي". وسلط الأستاذ عبد المنعم قاسمي، من جامعة ورقلة، الضوء على سيرة لالة زينب القاسمي، ابنة شيخ محمد بن أبي القاسم، والتي تولت مشيخة زاوية الهامل بعد وفاته، وقد مر على رحيلها 120 سنة وهي واحدة من الأسماء النسوية الجزائرية القيادية التي قاومت الاستعمار الفرنسي وبرزت لدورها المميز والفريد في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ودعا بالمناسبة الباحثين والدارسين الجزائريين إلى الاهتمام بسيرة هذه المرأة الفريدة من نوعها في العلم وتحمل المسؤولية والتنظيم، ودورها المشرف في المقاومة المسلحة والمقاومة الثقافية، مشيرا إلى أن دراسات أنجزت وأخرى في طور الإنجاز حول هذه المرأة في جامعات بأمريكا وألمانيا وتونس وغيرها. أما الباحث في التاريخ، محمد أرزقي فراد، فاستعرض ملامح الطريقة الرحمانية في منطقة القبائل التي "استطاعت أن تجمع بين التربية الروحية والعبادة والدراسة والجهاد" لافتا إلى أن "آثارها بارزة اليوم في المدائح الدينية وفي السلوكات التي ترسخت في يوميات الناس وعاداتهم وأعمالهم"، وأضاف المتحدث أن "الاستعمار الفرنسي أباد عدة زوايا في منطقة القبائل وحاربها في رسالتها لنشر العلم والمعرفة والحفاظ على الهوية"، إلا أن ذلك –يضيف- "لم يمنع قادتها من الإسهام الفعال في محاربة فرنسا الاستعمارية طيلة القرن ال19، حيث تكفلت باستنهاض الهمم والتزمت بدورها كسلطة روحية".