بالأمس، سقطت ورقة من أوراق الثورة التحريرية الكبرى، واحد أغصنة الدولة الحديثة التي شكلت على مدار خمسين سنة فرع من فروع المؤسسات في مرحلة البناء والتشييد، نحن هنا نتحدث عن المجاهد والقيادي عبد الرزاق بوحارة، واحد من كبار القوم رغم ابتعاده عن الأضواء، ما جعله بعيدا عن حاضر شباب اليوم. معرفتي بالراحل عبد الرزاق بوحارة تمتد إلى مطلع الألفية، حيث أجريت معه حوارات هادئة وعميقة لبعض الصحف، ثم ترسخت علاقتي به في السنوات الأخيرة، كنت أزوره تقريبا كل أسبوع في مجلس الأمة، اجتمعنا في الكثير من المرات على طاولة غداء، والكثير من الأحيان حول قضايا فكرية وسياسية وتاريخية... الرجل قليل الكلام، طويل الصمت، عميق التفكير، عباراته أقوى من صوت البنادق، دقيقة، واضحة، معبرة لا تقبل التأويل، كان ممتعضا من تردي أداء المؤسسات، وانهيار السلم القيمي، كان يتحدث في مناسبات عدة عن الإقصاء، إقصاء للكفاءات الوطنية، لأصحاب الرؤى والأفكار والمشاريع، كان يتألم لما يجري في حزب جبهة التحرير، كان يقول أن الحزب ما يزال قادرا على تقديم الكثير للجزائر بشروط ثلاثة، أولا وحدة الصف، وتحديد الخطاب، انه يتحدث كثيرا على هوية الخطاب السياسي، وثالثا الديمقراطية ونبذ الإقصاء..شروط بسيطة لكنها عميقة في دلالاتها، قوية في تأثيرها، فعالة في خططها، نبيلة في مراميها... بوحارة أو سي عبد الرزاق كما يحلو لمقربيه مناداته، ناضل إلى آخر أيام حياته من اجل استعادة الأفالان لرسالته التاريخية والحضارية، لدوره القيادي والتعبوي والبناء، رسالة الديمقراطية وهي رسالة ثقيلة الحمل... باختصار هذا بوحارة الذي عرفته، وهذا هو الرجل الذي ظهر كالبدر في الليلة الظلماء التي يمر بها الأفالان...رحل الرجل وفي جعبته الكثير والكثير، فرحمة الله عليه.