شهدت الجزائر على غرار باقي بلدان العالم، خلال السّنوات القليلة الأخيرة، تطوّرا مذهلا في عالم تكنولوجيا الاتصال، فظهرت أجهزة حديثة وأدخلت تقنيات جديدة على الأجهزة، خاصة منها الهواتف النقالة، هاته الأخيرة، ما فتأت تجمع عديد الأجهزة في جهاز واحد. حيث أضحت متعدّدة الخدمات هاتفا وآلة تصوير وكاميرا وتلفازا...، وذلك بعدما أدخلت عليها تقنيات جديدة كالبلوتوث والويفي، الفايسبوك والأماسان. ورغم القفزة النوعية التي أحدثتها هاته التكنولوجيا بين متعاملي الهواتف النقالة، إلا أنّها حملت عديد السلبيات خصوصا من الناحية الاجتماعية. روبرتاج: أسماء زبار وعلية ارتأت "الحياة العربية" أن تقف على جانب هام من هاته الجوانب السلبية والمتمثل في تحميل وحيازة الصور والفيديوهات الخليعة عبر ذاكرة الهاتف النقال. .."البلوتوت" تقنية أسيئ استعمالها فتحوّلت إلى مصدر قلق أضحت الهواتف النقالة ضرورة حتمية في حياة المواطنين، وذلك قصد تمكينهم من التواصل السريع فيما بينهم أمام الانشغالات اليومية وضيق الوقت، لكن البعض منهم لم يعد يرى في الهاتف النقال ذلك الجهاز الصغير الذي يسأل به عن أحوال غيره أو أن يطلب مساعدة وقت الحاجة، بل أصبح يعدَه مصدرا للتحايل والتهديد، ومثارا لغرائزه، عن طريق التقاط صور وفيديوهات إباحية لأشخاص ومن ثمَ ابتزازهم وطلب الأموال منهم، أو تحميلها عن طريق الانترنيت والبلوتوت قصد ترويجها والتسلية بها، وعن هذا الموضوع تقرّبت "الحياة العربية" من بعض المواطنين قصد جَس نبضهم ومعرفة كيف ينظرون إلى هذا الموضوع. التقينا "زهرة.ب" وهي طالبة في الثانوي سألناها عن رأيها في هذا الموضوع فقالت لنا "أنّها تعتبر الأمر مقلق جدَا، خصوصا لدى المراهقين إذ يتسبّب في فساد أخلاقهم وابتعادهم عن تعاليم الدّين الإسلامي، وأضافت أنّ الطلبة أصبحوا يتناقلون فيها بينهم هكذا مقاطع وصور". وفي الموضوع قالت لنا سامية وهي مراقبة بإكمالية أنّها وجدت مثل هذه الفيديوهات والصور الخليعة في هواتف بعض التلاميذ، وأكّدت أنّها لم تخبر أولياءهم أو الإدارة تفاديا للمشاكل أو التسبب في عقوبتهم، لكنّها كلّما أعادت الهاتف لصاحبه وجهت إليه بعض النصائح. أمّا أمينة وهي طالبة في الثانوي فقد قالت لنا أنّه في إحدى المرّات نسيت بلوتوث هاتفها النقال مفتوحا في القسم فوصلتني صورا، تفاجأت عندما شاهدتها، وعندما تقصيت الأمر وجدت أنّ تلميذا في القسم يرسل إلى صديقه صورا عبر البلوتوث. ومن جهتها صرّحت فريدة وهي مدرّسة اللّغة العربية بإكمالية، كلّما أجد عند التلاميذ هواتف نقالة أقوم بنزعها منهم واستدعي آباءهم، أمّا عن الموضوع فقالت وجدت صورا خليعة في هاتف تلميذ وعندما سألته من أين أتى بها قال أنّها ليست ملكه وأنّ ذاكرة الهاتف وجدها، وأضافت وبّخته وقمت بمسحها وحذرته من إعادة هذا السلوك، ولم أخبر والده لأنّ الأمر محرج نوعا ما. أمّا يوسف عامل بمؤسسة خاصة فيرى أنّ الأمر يعدّ مرضا وإدمانا، مثله مثل باقي الآفات، حيث يوجد أشخاص يدمنون على رؤية الصور والفيديوهات ويستمتعون بها، أمّا من يحوزونها بغرض الابتزاز، فهذا عمل كغير من الأعمال التي تدرّ على صاحبها أموالا دون تعب أو جهد يذكر. مختصون نفسانيون: غياب المراقبة هو السّبب الرئيسي وفي هذا السيّاق، كشف لنا المختص النفسي بولقرع مخلوف في اتصال ب" الحياة العربية" أنّ سبب حيازة الفيديوهات والصور الخليعة في الهواتف المحمولة، خصوصا المراهقين منهم يعود بالدّرجة الأولى إلى غياب المراقبة من الأولياء، كما أنّ الفراغ الروحي الذي ساد في الآونة الأخيرة في نفسية المراهق بحكم انشغال الأب خارج منزله وخروج الأمّ للعمل سبب من أسباب انتشار مثل هذه الأمور، وهذا ما سمّاه المختص بتعويض الفراغ الروحي والنفسي، فغياب التوجيه من طرف الأولياء يدفع بالابن إلى انتهاج سلوكات لا أخلاقية، كتحميل الصور عبر هاتفه النقال. وأضاف متحدثنا أنّ المراهقين يميلون إلى حب الاكتشاف والتعلّم في هذا السن فيخلق له صراع نفسي بين الجانب الديني والتربوي، لأنّ مجتمعنا لا تتوفر فيه ثقافة جنسية فالمراهق تظهر له غدد جديدة – مرحلة البلوغ - تخلق له طاقة زائدة تدفعه إلى تطبيق ما يحس به، خاصة وأنّه لا يتحكم فيها ممّا يدخله في صراع بين المنوعات والوازع الديني والاجتماعي، فيعوض ذلك بهذه الأمور. كما أشار المختص النفسي أنّه لا بد من وجود رعاية كاملة ومراقبة من طرف الأولياء لتجنب مثل هذه الأمور، خاصة وأنّنا في مجتمع لا توجد فيه ثقافة جنسية توجيهية، ولا نملك برنامجا يتماشى مع التطور النفسي والفيزيائي مثل الدول الغربية. اجتماعيون: الإهمال الاجتماعي يدفع لهذه السلوكات أكّد لنا المختص الاجتماعي الأستاذ محمد طويل، أنّ حيازة الفيديوهات والصور الخليعة في الهواتف النقالة لدى فئة المراهقين لها أسباب اجتماعية متعدّدة الجوانب منها أسباب أسرية اجتماعية ناتجة عن الإهمال بالدّرجة الأولى خاصة في هذه مرحلة المراهقة التي تتطلّب رعاية واحتواء كبيرين من طرف الوالدين، وغياب المراقبة تدفع المراهق إلى ارتكاب جرائم ليس فقط حيازة هذه الأمور. وأضاف المختص أنّ الاستهلاك المفرط لتكنولوجيا الإعلام والاتصال دون توعية وتوجيه خاص من الأولياء خاصّة وأنّها متوفّرة لهم بكلّ أنواعها، وغالبا ما يشتري الأولياء هذه الأجهزة لأبنائهم دون توعية لطريقة استعمالها أو تحذير من استخدامها سلبيا. وأشار متحدثنا أنّ الوازع الديني سبب من أسباب تفشي هذه الظاهرة لدى كلّ شرائح المجتمع عموما والمراهقين خصوصا، فاستعمال الهاتف النقال دون وعي شرعي وديني يخلق مثل هذه السلوكات، فالهاتف المحمول وسيلة اتصال إذا استخدمت في الجانب الايجابي حلّت لهم، وإذا كان الاستعمال سلبيا يصبح حراما، ونقص التوعية والتحفيز الديني الذي يعتبر المراقب الأساسي لهم، وأكّد الأستاذ طويل أنّ التكنولوجيا محيطة بنا من كلّ الجوانب ومع هذا لا نملك برنامجا توعويا وتوجيهيا لكيفية استخدامها إيجابيا، فنفسية الأفراد وشخصياتهم تلعب دورا في تصرفاتهم خاصّة وأنّهم في مجتمعات منغلقة يغيب فيها عنصر الحوار. وقال المتحدّث أنّه يجب الاهتمام بهذه الظاهرة من خلال نشر التّوعية بعديد الطرق، لأنّها تهدّد أبناءنا وتدفعهم إلى ارتكاب أفعال غير أخلاقية وهذا التوجيه يجب أن يكون مدروسا وناجعا وعبر مختلف الطرق في المدارس والمساجد والمنتديات...الخ. من جهتها أكّدت المختصة الاجتماعية طايبي أمال، أنّ سبب حيازة الفيديوهات والصور الخليعة في الهاتف النّقال عند المراهقين هو الانترنت والبلوتوت واستعمالها المفرط دون وعي أو مراقبة، وبالتّالي يكتشف المراهق أمورا غير أخلاقية يقوم بحيازتها في هاتفه إضافة إلى عدم مراقبة الأولياء لتصرفات أبنائهم، وأكّدت المختصة أنّ سنّ البلوغ انخفض إلى 12 سنة حسب آخر الإحصائيات، كما أنّ نقل بعض أقسام الطور المتوسط إلى الابتدائيات بسبب الفائض يخلق احتكاكا غير متكافئ بين المراهقين والأطفال، ما يسبّب لهؤلاء رغبة في تعلّم واكتشاف أمور من هم أكبر منهم سنّا، وأكّدت المختصة أنّ المراقبة المستمرة والحوار داخل الأسرة هو الوسيلة الناجعة للحدّ من هذه الأمور. ..قانونيون: هي جنحة يعاقب عليها القانون وفي هذا السّياق كشف المحامي وزناجي نوردين ل" الحياة العربية" أنّ حيازة الفيديوهات والصور الخليعة في الهواتف النقالة تعتبر جنحة يعاقب عليها القانون، فهي تهم جديدة أضيفت في التعديل الأخير من قانون العقوبات، إلا أنّها صعبة الإثبات لعدم توفّرها على الركن المادي لأنّ دافعها معنوي عكس الدافع المادي كحمل سلاح أبيض قصد الضرب أو القتل. وأكّد المحامي أنّ حيازة الفيديوهات والصور الخليعة غالبا ما تكتشف عن طريق ارتكاب جريمة أخرى كالمخدّرات مثلا، وأضاف قائلا أنّ الجنح ذات الطابع والدافع المعنوي لا يمكن إثباتها بسهولة فقد يقول الفاعل أنّ الفيديوهات ليست ملكه وأنه استقبلها عن طريق تركه لتقنية البلوتوث مشغلة. أمّا بالنسبة للأشخاص الذين يستخدمونها بغرض الابتزاز كالمطالبة بالأموال أو غير ذلك فأكّد لنا المحامي أنّها حالات صعبة جدّا، فلا يتم التحقيق والمتابعة فيها إلا في حالة تقديم شكوى من الطرف المتضرّر (الضحية)، ومن بين مائة حالة هناك عشرة حالات فقط من تشتكي، والابتزاز في حدّ ذاته يعتبر جنحة بنظر القانون، وأكّد أنّ حالات الابتزاز تكون عن طريق المساومة بالأموال أوالقيام بالفعل المخل بالحياء أوالتهديد بالفضيحة، وهنا تخضع الضحية للأمر دون تقديم شكوى فتستمر الجريمة. ..الفراغ الروحي الدافع الأساسي لها قال الشيخ أبو الحسن الجزائري في اتصال مع ال"الحياة العربية" عن موضوع حيازة الفيديوهات والصور الخليعة في الهواتف النقالة أنّ سببها الرئيسي هو غياب الوازع الديني في النفوس، إضافة إلى المجاهرة بالفاحشة فالرّسول عليه الصّلاة والسّلام يقول في حديثه "كلّ أمتي معافى إلا المجاهرون"، فهؤلاء الذين في نفوسهم مرض يحوزون مثل هذه الأمور ويقومون بإرسالها، لنشر الرذيلة والأخلاق البذيئة في المجتمع. وأضاف المتحدّث أنّ الشّباب له طاقة كبيرة يجب أن تستغل في الأمور الايجابية وتشبع بالأخلاق الحميدة كما قال امير الشعراء حافظ الابراهيمي "إنّما الأمم الأخلاق...". وأكّد المتحدث أنّ التوعية في المنازل والمدارس والمساجد هي الحلّ الأنجع لمنع هذه الأمور من الانتشار في أوساط أولادنا. تسجيل 55 قضية تتعلّق بحيازة أفلام ومقاطع إباحية في 2012 بسطيف تعتبر قضايا ترويج وحيازة الأفلام الإباحية من بين أهم القضايا التي تعالجها مختلف مصالح الأمن عبر كامل التراب الوطني، ولطالما اقترنت بقضايا حيازة وترويج المخدرات، خصوصا في الأعوام الأخيرة، هذا ما أكّده مصدر أمني مقرّب ل"الحياة العربية". وذكر المصدر ذاته أنّ حيازة الأفلام والفيديوهات الإباحية، ترتبط في أغلب الأوقات بالابتزاز والنصب والاحتيال، وفي بعض الأحيان تقع الفتيات ضحايا لمثل هذه الألاعيب التي ساهم التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال في تعزيزها. وأضاف المصدر الأمني أنّ مصالح الأمن عالجت العديد من القضايا التي تتعلّق بهذا الموضوع، ففي ولاية سطيف على سبيل المثال لا الحصر، سجلت مصالح الأمن الولائية العام الفارط 55 قضية تتعلّق بحيازة أفلام ومقاطع خليعة، تورّط فيها 58 شخصا من بينهم 4 من جنس أنثى و54 ذكرا، أحيلوا كلّهم أمام العدالة، وأدع منهم 13 شخصا الحبس المؤقت. من جهتها أكّدت الملازم أوّل عن خلية الإصغاء بأمن دائرة بوزريعة براكتية شفيقة، أنّ المدمن على المخدّرات له علاقة وطيدة مع مختلف الجرائم، لاسيما الجرائم اللاأخلاقية، وحيازة الصور ومقاطع الفيديو تدخل في الجانب اللاأخلاقي، فهناك نقطة مشتركة، حيث أنّ الإنسان المدمن يتغيّب عقله، يعني ليس العقل هو المتحكّم فيه، وإنّما الغريزة الحيوانية، هاته الأخيرة تطغى على تصرفاته بحيث تجعله غير مدرك لمدى خطورة وعواقب ما يقوم به.