أضحت الواحدة منّا لا تستطيع المشي في بعض الشوارع والطرقات خصوصا في المدن الكبرى لوحدها أو مع صديقاتها، بسبب معاكسات مرفوقة بالإكراه، في محاولة على إجبار فتيات على قبول صداقة الشاب بالإكراه وفي حال إصرارها على الرفض، يشهر سلاحا أبيضا محظورا، ويشوّهها أو يطعنها ويفرّ هاربا. مريم.ع سلمى فتاة تبلغ من العمر 18 عاماً أعترض طريقها ثلاث شباب هي وصديقتها في الشارع، انهالوا عليهن بالمعاكسات والكلمات غير اللائقة وسط لا مبالاة من المارة، عاتبته بأنّ تصرفاته هو وأصدقاؤه غير محسوبة، وعندما حاول لمسها صفعته على وجهه، استشاط غضباً وأظهر لها سلاح أبيض فصرخت واستغاثت، وتطوّر الأمر إلى أن تحوّل الأمر إلى معركة أصيب على إثرها شخص جاء لإنقاذ سلمى بجرح في يديه. والنتيجة الطبيعية لسلمي كانت قرار صارم من الأهل بعدم خروجها بمفردها أبداً، فهل هذا يعتبر حلاً يا ترى؟ هذا الأمر حلّ لمشكلة تتكرّر في الشارع مع غياب الأمن والقوانين التي تحمي المرأة؟ وظهور شكل جديد من السلبية غريب على الشارع في ظلّ غياب "الرجلة" وتفشي عبارة "تخطي راسي" ، والصورة الشائعة الآن أنّ المعاكسات لم تفرّق بين المحتشمة وغيرها كما يظن البعض، وهذا الأمر حاولت - الحياة العربية- التأكّد منه من البنات والشباب. .. فتيات ينزعجن من المعاكسات وأخريات يعتبرنها معيارا لجاذبيتهن وجمالهن سألنا (محمد.و) 22 سنة طالب، عن الموضوع وقال السّبب هو أنّ الشعب، مكبوت ومحروم جنسياً وثقافياً والرجل رجل غير مسؤول والمسألة ترجع إلى التربية والمدرسة والمجتمع بكامله لكنّ الذنب الأكبر على المرأة لأنّها لا تحترم المجتمع بطريقة لباسها المستفزة أحياناً وهناك منهن من يشعرن بسعادة عندما يعاكسهن الرّجل لأنّهن يشعرن بجاذبيتهن وأنّهن مرغوبات ، وأشار إلى أنّ تقليد الغرب هي أحد العوامل التي أدّت إلى تفشي هذه الظاهرة وبالرغم من أنّ بإمكاننا أن نثري ثقافتنا العربية بالمفيد منهم . أما (إلهام .ع) 25 سنة موظفة، فأكّدت أنّها لا تشعر أبداً بالأمان في الشّارع بشهادة أصدقائها وأقاربها بالرّغم من أنّها فتاة ملتزمة بالحجاب الفضفاض، ولكنّها تشكو هي الأخرى من مضايقات لا تجد تبريراً لها سوى أنّ الناس أصبحت لا يشغل تفكيرها سوى الأذى، وتعتقد أنّ السّبب يرجع إلى أنّ الأسر أهملت تربية أبنائها ولا يعلم الآباء أين أولادهم ومع من، ولو فكّر كلّ شخص في الشارع أنّ من تتعرض للمعاكسة أمّه أو أخته لن نرى مثل هذه التصرفات في ظل غياب الثقافة الدينية السليمة. من جهته لا يقتنع (سليم.ص) 33 سنة عامل حرّ، بأنّ ظاهرة المعاكسات تتعلّق بالملابس أو بالحجاب بدرجة كبيرة لكنّه متعلق بالأخلاق وغياب النخوة عن الرجال، و يشير إلى أنه لا يصحّ أن نجد مبرراً للمعاكسات و التحرّش و نلقي باللوم على الطرف الآخر حتى لو كان غير محافظ على الشعور العام، وعلى كلّ واحد منا أن يسلك السلوك الصحيح بغض النظر عن سلوك الآخر. .. الظروف الاقتصادية.. تكنولوجيات الإعلام وانعدام النخوة وراء تفشيها وتنزعج (وفاء. م) 18 سنة طالبة من معاكسات من كبار السنّ وأكّدت أن هذه الظاهرة انتشرت بصورة كبيرة وخاصة في أسوأ اختراع "الحافلات" بحدّ تعبيرها، وتقول أنّ السبب يرجع إلى الأفلام والكليبات الإباحية التي تقدّمها الفضائيات والانترنت، وعدم قدرة الشباب على الزواج في ظلّ الظروف الاقتصادية السيئة. وتقول (راضية.ش) 35سنة متزوجة هذا العصر انتهى منه الأمان ، ولم يبق لنا فيه سوى الخوف حتى في الأمور الإنسانية، عندما أشاهد شخص مصاب أخاف أن أذهب لمساعدته وتقديم الدعم له، نفس الشيء مع المعاكسات، إذا شاب رأى فتاة يعترضها أحد الشباب لا تأخذه النخوة للدفاع عنها أو مساعدتها، ولا أجد وسيلة عندما أتعرض لمعاكسات الشباب إلا أن أقول "ربي يهديه" في زمن بلا أخلاق ولا أمان.حتى المتزوجات لم يسلمن منها. .. المعاكسات نابعة من منظمة ثقافية مرتبطة بالهيمنة الذكورية وحلّلت الأستاذ في علم الاجتماع سميرة بن عميروش، هذا الأمر بأنّنا أصبحنا في زمن مختلف قلّ فيه الشعور بالأمان بدرجة كبيرة بدليل ارتفاع معدلات الجريمة وأصبحت أكثر بشاعة، وبالتالي زادت ظاهرة المعاكسات والتحرّش والتعرّض للفتيات بشكل جماعي كما حدث من قبل، وبالتالي انعكس هذا الخوف على أسر الفتيات التي وضعت بعض القيود حرصاً عليهن ممّا قد يعترض طريقهن أثناء التواجد خارج المنزل، وكلّ ردود الأفعال السلبية تجاه هذه الأمور تدلّ على أنّ هناك واقع مختلف عن زمان وشعور عام بغياب الأمان، وكلّها ردود مترتبة على الخوف من واقع مغاير عمّا اعتدنا عليه. وتقول الأستاذة سميرة بن عميروش، من الملاحظ أنّه دائماً يقع اللوم على البنت بالرغم من أنّ الذكور هم من يعاكسون، تتحرّش وتغتصب والحقيقة أنّ الرجل هو من يقع عليه المسؤولية كاملة نتيجة الهيمنة الذكورية السائدة على المجتمعات العربية بشكل عام بمعنى أنّ الرجل لديه شعور دائماً بأنه الأقوى والمسيطر ومن ثم يعتبر نفسه صيّاد والبنت فريسته ، وهناك بعض الثقافات ترى أنّ مغازلة البنات هي الرجولة، وهنا يجب أن نضع في الاعتبار أنّ المعاكسات نابعة من منظمة ثقافية مرتبطة بالهيمنة الذكورية وأضافت، هناك نوعين من الحماية حماية على المستوى البعيد "مجتمعية" وهي أننا نربي البنت كالولد دون تفرقة في المعاملة، وأن تتخلى بعض الأسر عن تربية البنت على أنّها لديها نقص أنثوي لا يكتمل إلا برجل يحميها، وتأخذ نصيبها من التدريب والتأهيل للخوض في الحياة العامة مثلها مثل الرجل، وبالتالي تختلف نظرة الرجل ويراها مساوية له في القوة والسيطرة في المجتمع، ولن يقدر على التجرؤ على تصرف غير محسوب أو بدافع أنها ضعيفة، وبذلك تتغير النظرة إليها من قبل الرجال وقبل نفسها أيضاً، وسيكون هناك انحصار لهذه الظاهرة . أما المعالجة على المستوى القريب "الآني" إذا تعرضت البنت للمعاكسة أو التحرش عليها أن تستغيث بالمارة وتطلب المساعدة وأن تتفادى المشي بمفردها في الشوارع الهادئة والمظلمة حرصاً على نفسها. " أنا واش دخلني" سببها الخوف من المساءلة القانونية أو التعرّض للمشاكل وعن اللامبالاة التي أصابت الرجال في الشارع أضافت المختصة الاجتماعية أنّ هذا السلوك نابع من الخوف من أي تصرّف همجي من قبل الشخص المعاكس أو المتحرش وحتى لا يعرّض نفسه للمشاكل يقول "وانا واش دخلني"، حيث أصبحت اللامبالاة في تنامي كالمجتمعات الصناعية المتقدّمة خوفاً من المسائلة القانونية أو التعرّض للمشاكل دون داع ونحن نجنح الآن إلى هذه النوعية من المجتمعات، فكلّما اتسم المجتمع بالتحضّر قلّت الشهامة والرجولة وكلما اتجهنا إلى الأحياء الشعبية سنجد أنّه مازالت هناك مساندة أكثر للبنت. أمّا الأسباب فأرجعتها المختصة إلى الفراغ والبطالة والملل فكلّ هذه الأمور تدفع الشباب إلى تصرّفات عديدة غير محسوبة منها المعاكسة، أيضاً التفكّك الأسري نتيجة إيقاع الحياة المختلف، واختفاء الحوار بين أفراد الأسرة فأصبحوا لا يجلسون على مائدة واحدة كما كان من قبل، وعدم متابعة أخبار الأبناء في ظل وجود الكمبيوتر والانترنت، إضافة إلى الخرس الذي أصاب معظم الأسر وهنا عجزت الأسرة عن تربية عنصر إيجابي فعال في المجتمع يحترم ذاته قبل أن يحترم الآخرين. ومن الناحية القانونية قالت الأستاذة سميرة بن عميروش إلى أنّه يجب أن يكون هناك اتساق بين المجتمع (علماء الاجتماع) وما بين السياقات القانونية لحماية النساء، ويجب أن ينبع القانون من الواقع المجتمعي، وللأسف ما يحدث مغاير تماماً ونجد أنّ هناك قوانين كثيرة لا تفعّل ولا ينظر إليها ولا تعبّر عن الواقع الذي نعيشه.