تقبع قسنطينة على ربوة صخرية عالية كأنها جزيرة عائمة وسط بحر من الرمال، تاريخها موغل في القدم. بربر وفينيقيون وبيزنطيون وأتراك وفرنسيون، ولكن العرب هم الذين أعطوا المدينة ملامحها الأساسية. وخلال فترة الاحتلال الفرنسي الطويل ظلت قسنطينة قابضة على دينها محافظة على هويتها. القسم الثقافي تعد قسنطينة اليوم ثالثة مدن الجزائر وتقدر مساحتها نحو19 ألف هكتار، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من 700 ألف نسمة، فهي تبعد عن العاصمة شرقا بنحو433 كيلومترا، وتبعد عن ساحل البحر المتوسط بنحو85 كيلومترا، وهي بدلك تتوسط إقليم الشرق الجزائري الذي يعد أحد الأقاليم الاقتصادية والعمرانية للجزائر. فهي تعد بوابة شرق الجزائر والمنفذ الرئيسي للصحراء. وهي واحدة من أجمل مدننا العربي قاطبة، فهي بجبالها ووديانها الخضراء السحيقة وشوارعها الملتوية التي تربطها الجسور المعلقة، وأشجار الصنوبر المحيطة بها ترسم أجمل لوحة فنية طبيعية قد يشاهدها الإنسان في حياته. .. مدينة الجسور المعلقة .. تضاريس وعرة ووديان عميقة وقد اشتهرت قسنطينة بأنها مدينة الجسور المعلقة، ونظرا لتضاريسها الجبلية الوعرة ووديانها العميقة، ولتأمين وصول الأهالي إلى مناطقها المختلفة، أقيمت في المدينة سبعة جسور لتيسير وتسهيل وربط ضواحيها المختلفة بعضها بالبعض الآخر .ويعد جسر سيدي مسيد أو الجسر المعلق واحدا من أكبر هده الجسور، حيث يبلغ طوله 168 مترا فوق واد عميق يبلغ 175 مترا، وهو أعلى جسور المدينة، وقد تم بناؤه عام 1912 ليصل بين المدينة القديمة وضاحية سيدي مسيد الجديدة ن أما ثاني هده الجسور فهوجسر سيدي راشد الذي يعد أعلى جسر حجري في العالم. ويتكون من 27 قوسا يبلغ قطر أكبر هده الأقواس 70مترا حيث يلتف على شكل نصف دائرة وهدا الجسر يربط بين وسط المدينة ومحطة سكة الحديد. أما طول هدا الجسر فيبلغ 447 مترا وارتفاعه 105 أمتار، كما يبلغ عرضه 12 مترا. ثم جسر ملاح سليمان وهوجسر حديدي مخصص للمشاة فقط ويبلغ طوله 105 أمتار، كما يبلغ عرضه مترين ونصف متر، ويربط هدا الجسر بين المدينة القديمة ووسط المدينة التجاري. وبالإضافة إلى الجسور السابقة توجد جسور أخرى وهي جسر الشلالات وجسر باب القنطرة وهومن أقدم جسور المدينة الذي بناه الأتراك، وعندما احتل الفرنسيون مدينة قسنطينة بعد مقاومة باسلة من أهلها بقيادة الحاج أحمد ياي دامت سبع سنوات هدموا هدا الجسر وبتوا على أنقاضه الجسر القائم حاليا الذي أعيد فتحه لحركة المرور عام 1860 . .. سيرتا المدينة التي ارتبطت بالرقم سبعة كثيرة هي المعالم التاريخية والحضارية التي تزخر بها قسنطينة، وعديدة هي الآثار التي تنام عليها عاصمة الشرق التي تتميز عن باقي المدن في العالم بمجموعة من الصفات كلها ترتبط بالرقم 7 الأخير ينتهي عنده الحساب في كل ما يوجد بالمدينة من معالم، فسيرتا التي تقع على قمتي جبلين تربطها 7 جسور من عدة نواحي و7 أبواب كانت تعد قديما نافذة المدينة على العالم الخارجي ويوجد بها 7 مغارات و7 أولياء صالحين... وغيرها من الأماكن والطقوس المرتبطة أساسا بالرقم .7 هذه الأماكن والمعلومات قليلون فقط من سكان المدينة من هم على اطلاع ومعرفة بها -بكل بساطة لأن غالبية هذه المعالم منسية ومهمشة- وحتى الجسور التي لا يمكن تجاهلها لأنها صفة تردد كثيرا كلما جاء أي لسان على ذكر قسنطينة ثلاثة منها يجهل القسنطينيون حتى مكان تواجدها لأنها بعيدة عن الأعين ولا تستعمل في حركة السير عكس الأربعة جسور المتبقية. محمد، طالب جامعي قال: ''ما أعرفه عن معالم المدينة هوأنه توجد بها خمسة أوستة جسور، بالإضافة إلى ضريح الأموات ''المونيمون'' والسويقة باعتبارها المدينة القديمة. أما المغارات والأبواب وغيرها من المعالم التي ذكرتها، فأنا لا أعرفها''. وإذا كانت هذه شهادة أحد سكان المدينة، وهي تعبّر عن نفسها، فإن الأبواب التي كانت تؤدي وظيفة التحصين وحماية المدينة هي أول ما تم طمسه خلال الحقبة الاستعمارية ودفنت في الوقت الحالي لأن لا أحد تحرك لإحيائها وتبيان معالمها وشباب المدينة لم يسمعوا عنها. هذه الأبواب هي على التوالي: باب الحنانشة ويسمح بالخروج من شمال المدينة عبر وادي الرمال ويؤدي إلى الينابيع التي تصب في أحواض مسبح سيدي مسيد باب الرواح ويمتد عبر سلّم مثير للدوار يؤدي إلى الناحية الشمالية من وادي الرمال ويوصل هذا الباب إلى منابع سيدي ميمون التي تصب في المغسل. أما باب القنطرة فيصل المدينة بالضفة الجنوبية لوادي الرمال، في حين ينفتح باب الجابية على الطريق الممتد إلى سيدي راشد ويقع على ارتفاع 510م باب الجديد ويقع شمال ساحة أول نوفمبر وقد هدم سنة .1925 باب الواد ''أوباب ميلة'' ويسمح بالوصول إلى روابي كدية عاتي، وقد كان يوجد بمكان قصر العدالة حاليا باب سيرتا، وهوالباب الذي بنى الفرنسيون فوقه سوق بومزو للخضر والفواكه، حيث يقال أن هذا الباب كان مدخلا للمدينة في عهد الرومان، ويعود تاريخ اكتشافه إلى عام 1935 وحسب بعض الدراسات فإن هذا الباب كان معبدا بني حوالي سنة 363م. .. معالم صنعت التاريخ تعاني في صمت عرفت قسنطينة كغيرها من المدن والعواصم العالمية بمختلف المظاهر التي تميز كل حضارة ممثلة في معالم وآثار، أهم ما نجد منها بقسنطينة مقابر عصر ما قبل التاريخ التي تتميز بقدر كبير من الفخامة أهمها تقع بقمة جبل سيدي مسيد في المكان المسمى ''نصب الأموات'' تحت كهف الدببة، وأخرى بناحية بكيرة. كما توجد مقابر أخرى بمنطقة الخروب بالمواقع المسماة خلوة سيدي بوحجر، قشقاش وكاف تاسنغة ببنوارة... وتعود كلها إلى مرحلة ما قبل التاريخ، غير أنها وإلى غاية اليوم لا تزال مهمشة ومتروكة للعوامل الطبيعية للعبث بها وإتلافها قبل اندثارها نهائيا بالرغم من أنها فريدة من نوعها في العالم، لأن النموذج العام لهذه المقابر يكون على شكل منضدة متكونة من أربع كتل صخرية عمودية وطاولة يشكلون غرفة مثلثة الشكل وعادة ما يكون الدولمان محاطا بدائرة من حجارة واحدة، وفي بعض الأحيان من دائرتين أو ثلاث أو أربع، وقد كان سكان المنطقة القدامى يستعملونها لدفن موتاهم بهذه الطريقة المحصنة لحمايتهم من كل الأخطار من جهتها، الحدائق الفخمة القديمة تعاني نفس الوضعية، وبعد أن كان انتشارها واسعا وأشجارها مورقة وتعم مختلف أرجاء المدينة وتلطف جوها في الوقت الحالي مشاريع التحديث أتت على غالبيتها، وبينما تم مسح حديقتين بالمنظر الجميل تعبيدا لمسار الترامواي أهم حديقة وهي حديقة الأغنياء أو حديقة بن ناصر حاليا، والتي تعود لعهد أحمد باي وتتوسط المدينة، أقل ما توصف به هو أنها في وضعية كارثية، وإذ تملأ الأوساخ مختلف أرجاءها ويعزف الزائر عن الجلوس فيها في الليل، تتحوّل الحديقة إلى وكر لممارسة مختلف طقوس الفساد، وعند طلوع الفجر تعود الأمور إلى سابق عهدها. أما أسواق المدينة المتخصصة فهي لا تزال تحتفظ سوى بتسمياتها مثل الجزارين والحدادين بسوق الغزل... وغيرها. أما ما هو موجود بها من نشاط، فهو مغاير تماما ولا يمت بصلة لطبيعة هذه الأسواق التاريخية أو حتى المعمارية كونها تحوّلت إلى بازارات ومحلات كبرى، وخير مثال نجده برحبة الصوف ورحبة الجمال وهناك معالم أخرى لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم منها حمامات القيصر التي توجد في المنحدر بوادي الرمال مقابلة لمحطة القطار، غير أن العوامل الطبيعية أتلفتها، وقد كانت هذه الحمامات الرومانية تستقطب العائلات والأسر للاستحمام بمياهها الدافئة والاستمتاع بالمناظر المحيطة بها خاصة في فصلي الربيع والصيف كما نجد بقسنطينة إقامة صالح باي التي تعد منتجعا للراحة يقع على بعد 8 كلم شمال غرب قسنطينة، وهي مهملة تماما بدليل أن منزل الباي الذي كان موجودا بها اختفى تماما وكذلك الحال بالنسبة للحدائق التي كانت تزين المنحدر حتى وادي الرمال وكذلك الحال بالنسبة للقبة القديمة التي كانت بمثابة محجّ تقصده النساء لممارسة بعض الطقوس التقريبية التي تعرف باسم ''النشرة''.