تعتبر المكتبات العامة أحد المرافق الحيوية التي تقدم خدماتها العلمية والثقافية للمجتمع، حيث تتوفر على كل المصادر العلمية التي يعتمد عليها طالب العلم في تحصيله المعرفي، وكلما تطور التعلم وزادت كفاءته الداخلية والخارجية، برز دور المكتبة في الإسهام في تحقيق هذا التطور وذلك عن طريق خدماتها وأنشطتها المتنوعة، ولكن منذ سنوات قليلة أصبحت تشكو المكتبات، قلة زائريها من المثقفين والطلاب وهذا لا يعود إلى عدم كفاءة هذه المكتبات أو نقص في مراجعها، بل بسبب اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه العلم والثقافة، فأغلب طلاب المدارس والجامعات أصبحوا يرتادون مقاهي الانترنيت لقضاء الوقت لا أكثر، على العكس من مكتبات العلم التي كان يمنع فيها الحديث بصوت مرتفع حتى لا يؤثر في بقية المطالعين. ولم يكن الكتاب حاله هكذا في تلك السنوات الذهبية لعصره أي ما قبل غزو الإنترنت عالمنا والدخول في متاهات المتعة المضطربة في عالم التسفيه وعولمة الثقافة، ومن خلال آراء اختلفت بين تدني الوعي لأهمية الكتاب وقراءته وبين تأثير العولمة واجتياح الإنترنت مجالات حياتنا، وعليه ارتأت " الحياة العربية " إلى استطلاع بعض الآراء لقياس طبيعة الوعي بأهمية الكتاب في حياتهم. .. مكتبات عامة خالية على عروشها ولعل المتجول في بعض المكتبات الوطنية والتابعة للبلديات، يتصادف بذلك الإقبال المنعدم للقراء، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تدني الوعي لأهمية الكتاب، هذا ما أخبرتنا به كريمة، مهندسة وأستاذة جامعية حيث قالت "في وقت مضى لم تكن هذه المكتبات تخلو من الحركة الكبيرة والوفود الهائلة التي تقبل على عمليات الاستعارة والتداول والقراءة بين مريدي العلم والباحثين عن الكتب المتنوعة من تاريخية وعلمية وأدبية ومصادر بحثية في مجالات أخرى، ولكن للأسف تغير إيقاع الحياة بالكامل حتى أثر هذا على الكتاب وقرائه فدخول عالم الإنترنت حياتنا وسيطرته على أهواء طلاب العلم والباحثين ربما لضيق الوقت وسرعة الحياة من جانب والعولمة الثقافية من جانب آخر، أثر بشكل سلبي على القراءة وأهمية الكتاب في حياتنا وحياة أبنائنا". أما سامية.د، وهي مدرسة تعليم ابتدائي فقد أوضحت أن هناك جملة أسباب أدت إلى ابتعاد الطلاب عن المطالعة الخارجية واكتفائهم بالدروس المدرسية فقط، منها عدم اكتراث المواضيع التدريسية للتقارير وعدم تعليم الطلاب كيفية كتابة البحوث، لاسيما في ظل وجود التقارير والبحوث الجاهزة التي تباع في الأسواق ومكاتب الانترنت عن طريق الأقراص المدمجة، فما إن نطلب من الطالب بحثا أو تقريرا حتى يرجع في اليوم الأخر ومعه مجموعة أوراق، لا يعرف ما مكتوب بداخلها ويحفظ العنوان فقط ويقدمها كتقرير قام هو بانجازه. وعلى العكس في أيامنا التي كنا نجلس فيها بالساعات في أروقة المكتبة، لنبحث عن المعلومات والمصادر والأفكار التي نتبادلها مع القراء الموجودين في المكتبة، ليس المقصود أن نقلل من شأن ثقافة البرمجيات، واستخدام الحاسوب الذي أصبح وسيلة تخاطب العصر، لكن في المقابل لا يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى اعتماد الحلول الجاهزة بشكل دائم ومستمر للطلبة والقراء، مما يصعب عليهم المسائل ويعقدها عندما يجدون أنفسهم في المستقبل أمام مهمة تعليم الأجيال اللاحقة. .. عدم الاكتراث بالثقافة الموسوعية سبب ابتعاد الشباب عن الكتاب وقد تحدث العديد من الذين قابلناهم، عن أسباب ابتعاد الشباب بصورة عامة عن الكتاب واللجوء إلى بدائل ذات الطابع الترفيهي، وفي هذا السياق قال الأستاذ سليم مدرس لغة عربية، "لا يوجد تنسيق بين وزارة التربية والمكتبات العامة من أجل تعليم الطلاب كيفية عمل التقارير والبحوث وزيارة المكتبات العامة وعدم اكتراث المدرسين في المدارس بأهمية الثقافة الموسوعية من خلال تكليفهم بالبحوث أو التقارير التي تجبر الطالب على الاستعانة بالكتب والمصادر التي قد تفتح شهيته إلى ما هو أكثر من ذلك". ودعا المتحدث، إلى ضرورة إقامة المهرجانات والمسابقات بين المدارس والجامعات في مجال كتابة البحوث والقصة وتكريم الفائزين من أجل تحفيز الطلاب على المطالعة التي تؤثر بشكل كبير في شخصية الفرد. أما بالنسبة لحال الكتاب وقرائه وكيف أصبح اليوم -يضيف ذات المتحدث- "لكل زمان وقعه وناسه وذائقته يختلف باختلاف الرؤية للأشياء وقد يكون التطور التكنولوجي له وقع سلبي على هذا الجانب، فبمقاييسنا نحن الجيل الأكثر تشبثا بالقراءة والكتاب نجد الخواء يدب بين أركان الكثير لابتعادهم عن الاطلاع والقراءة وهذا ليس بحكم عام، فهناك من هذا الجيل باحث للمعرفة والقراءة وهم القلة ولكنها نقطة ضوء في عتمة كبيرة". أما قضية عزوف الشباب عن قراءة الكتاب فسببه الأول هو الانترنت، حيث أصبح النت بديلا عن الكتاب الذي كان صديقا عزيزا على قلوبنا نقضي معه أوقاتاً طويلة وكان يجالسنا في خلواتنا نشكو إليه أرقنا وسهرنا في متعة غاية في الفائدة، واليوم بات الشباب بعيدين كل البعد عن الثقافة والاطلاع والقراءة لهذا لا تجد عند كثير منهم عمقاً ثقافياً أو عمقا معلوماتيا في جوانب الأدب أو الشعر أو التأريخ القديم، وهذه هي الكارثة الحقيقية، إذا ما تم التدقيق في حيثياتها. .. مكتبات البلديات تتحول إلى قاعات أفراح ونظرا لخلو المكتبات الموجودة على مستوى العديد من البلديات، تحولت هذه الأخيرة إلى قاعات تقام فيها الأفراح ومؤدبات العشاء، خاصة وأنها فارغة على طول السنة خاصة في فترة العطلة، لذا نجد الكثير من الناس يفضلون إقامة أفراحهم فيها بعد موافقة من البلدية، ناهيك عن سعر كرائها المنخفض مقارنة بقاعات الأفراح الخاصة، وللأسف هذا هو الحال الذي آلت إليه المكتبات في الجزائر بسبب انعدام ثقافة المطالعة وحب العلم التي غابت تماما في الذهنيات اليوم. وبما أننا على مشارف الدخول المدرسي، نرى من خلال هذا الموضوع، أن التحديات التي تواجه الباحثين في هذا المجال تتلخص بإمكانية المحافظة على قراءة الكتاب من قبل الجيل الجديد وتشجيعهم في الولوج إلى عالم المتعة القرائية بعيداً عن الدخول في عالم التسلية السطحية الالكترونية، وعليه نحن في مسؤولية مشتركة لإعادة الحياة للمكتبات والكتاب، من خلال حملة ثقافية نخبوية للوقوف عند أسباب الابتعاد وإيجاد مخرج صحيح لها. .. الكتاب الالكتروني يبعد الشباب عن القراءة وقد أرجع البعض أسباب ابتعاد الشباب عن القراءة إلى انشغالهم بقراءة الكتب الإلكترونية عن طريق الإنترنت، ولكن ليس كل من يطالع الانترنيت هو يقرأ كتابا، فأغلب عمليات تصفح المواقع لأغراض اللهو والثرثرة الفارغة، والمفروض أن يكون هناك اهتمام إعلامي لتحفيز الشباب على القراءة، سواء عن طريق الإعلانات التلفزيونية أو الإعلانات الإذاعية، فالإعلام له دور واضح وبارز في هذا الأمر، وهو قادر على توجيه وتغيير أنماط التفكير لدى الشباب، لاسيما أن معظم الشباب يقضون ساعات طويلة في مشاهدة التليفزيون وغيرها من الوسائل الإعلامية الأخرى كما يجب تسليط الضوء على المعوقات الأساسية التي تحول دون قيام المكتبات المدرسية بوظائفها في التعليم والتثقيف وأسباب افتقارها إلى المقومات الأساسية التي تمنع من جذب القراء إليها.