تغوص الرواية الأولى للكاتبة أمل بوشارب "سكرات نجمة"الصادرة عن منشورات الشهاب في عوالم حكايات الرموز التاريخية والأساطير والأوهام الساكنة في مخيلة المجتمع. تدعوالكاتبة في هذه الرواية التي جاءت بعد مجموعة قصصية صادرة عن نفس الناشر في 2014 القارئ إلى الغوص في مسألة الاغتيال الغامض للبطل والمشاركة في فك الرموز وكذا طلاسم حكايات تعود لأزمنة غابرة وذلك عبر ال429 صفحة التي تحويها الرواية المليئة بالمفاجآت والتقلبات. بنيت هذه الرواية المكتوبة بأسلوب تشويقي على شخصية الياس ماضي الرسام العالمي الذي يعود إلى بلده الأصلي بعد لقاء غريب مع شيخ صوفي بمعبد بوذي بمدينة يبزا بايطاليا حيث كان يقيم. لكن في خضم تفاعل أحداث الرواية التي تقترب من اللون البوليسي تظهر شخصيات أخرى في الساحة إلى جانب الرسام ومفتش الشرطة المكلف بالتحقيق في الجريمة. تستحضر الروائية شخوص عدة تساعد في استقاء معلومات عن تيارات دينية يشوبها الكثير من الغموض وتيارات عقائدية سرية بل وحتى طقوس شيطانية. ويؤكد هذا الإبحار في أعماق الثقافات السالفة والمعتقدات المثيرة للدهشة لبعض المجتمعات الجهد الكبير الذي بذلته أمل بوشارب ذات ال32 ربيعا في البحث في معاني رموز مازالت سائدة في بعض المناطق مثل "الخامسة". لم تكتف الروائية بالبحث في معاني الرموز وتأثيراتها في حياة الإنسان بل ذهبت إلى حد بناء تخمينات مثيرة حول المعتقد الديني لبعض المشاهير مثل كريستوف كولومبوس وحقيقة قصص الآلهة عند الوثنيين بشمال إفريقيا وأيضا تاريخ الصوفية. وإلى جانب غزارة وثراء مراجعها التاريخية تتميز الرواية بتوظيف أسلوب سخري لاذع خاصة عند وصف المؤلفة لبعض الشخصيات على غرار مسؤولي مؤسسات عمومية وكذا بعض السياسيين. ومن بين هؤلاء شخصيات مثيرة للتعجب مثل "موسيوأمزيان" مدير أكادمية الفنون الجميلة الذي "اشترى" شهادة الدكتوراه وأيضا "السيدة صفري"مديرة معهد متخصص في البحوث المصابة بجنون العظمة والتي قامت بسرقة أدبية وسطت على بحوث لغيرها لكسب إعجاب الآخرين. ومن بين شخصيات التي تثير الاستهزاء أيضا "الدكتور شنيت" الذي يحظى بدعم على أعلى مستوى وهونائب ورئيس جمعية غير حكومية تدعى "أنا (NA)". ويصل هذا النقد الاجتماعي إلى أقصى حد عندما تستحضر الكاتبة رائعة كاتب ياسين "نجمة" من خلال إدراجها لعدة مقاطع في "سكرات نجمة" بغرض الموازنة مع الحقائق التي وصفتها روايتها وأيضا المساهمة في فك ألغازها. تتميز الكاتبة إضافة إلى الحبكة في بناء شخوصها بتفوقها في استعمال تقنيات التمويه وزرع الشك لدى القارئ وجعله يلهث وراء تطورات أحداث القصة المليئة بالمفاجآت حتى النهاية. وقد اعتمدت الروائية التي اختارت لغة بسيطة تقسيم العمل إلى فصول (84) قصيرة يحمل كل واحد شحنة من التشويق تدفع القارئ إلى المضي قدما في هضم كل الصفحات. كل هذه العناصر وأيضا مستويات القراءة العديدة التي تطرح في النص تنبئ بمكانة بارزة لهذه الكاتبة في عالم الرواية وضمن جيلها من الشبان.