الخليج الإماراتية ونحن نبحث أثر احتكاك العرب بالحضارة الغربية في انبثاق مشروع النهضة العربية الأول في القرن التاسع عشر، سنقف، قبل كل كل شيء، على مؤلف رفاعة الطهطاوي «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، الذي كان ثمرة مشاهدات الرجل في فرنسا فترة إقامته فيها للدراسة ضمن البعثة العلمية التي أرسلها محمد علي باشا إلى هناك عام 1826 لدراسة العلوم والمعارف الإنسانية، في الإدارة والهندسة الحربية، والكيمياء، والطب البشري والبيطري، وعلوم البحرية، والزراعة والعمارة والمعادن والتاريخ الطبيعي. وبالإضافة إلى هذه التخصصات كان على المبتعثين أن يدرسوا اللغة والحساب والرسم والتاريخ والجغرافيا. ومع أن رفاعة الطهطاوي كان ثالث ثلاثة من أئمة الأزهر حرص محمد علي باشا على أن يرافقوا أفراد البعثة لإمامتهم في الصلاة ووعظهم وإرشادهم، حرصاً على أعضائها من الذوبان في المجتمع الغربي، إلا أن الطهطاوي رأى في فرنسا إسلاماً من غير مسلمين، بينما واقع الحال في بلداننا العربية يظهر وجود مسلمين لكن دون إسلام. والمقصد بذلك أن ما رآه من تنظيم ودقة وانضباط وحرص على العمل، وهي قيم حث عليها الإسلام ودعا إليها، موجودة في غير بلاد المسلمين، الذين هجروها واستمرأوا الكسل والجهل. والحق أن الاحتكاك بالحضارة الغربية لم يبدأ بهذه الرحلة العلمية، إنما سبق ذلك ما تركته الحملة الفرنسية على مصر، رغم مراميها الاستعمارية البيّنة، من آثار في مجال اكتشاف سبل الحضارة الحديثة. ولم تكن مصادفة أن شيخ الأزهر حسن العطار الذي اقترب من العلماء الذين رافقوا نابليون في حملته على مصر هو من رشّح اسم تلميذه النجيب رفاعة الطهطاوي لمحمد علي باشا لمرافقة البعثة العلمية المصرية إلى فرنسا فيما بعد. لكن ثمة سؤال، أكان الاحتكاك بالغرب وحده هو من أثار أسئلة النهضة في مصر وفي بلاد الشام يومها، أم كان للالتفات إلى تراث التنوير العربي المغفل دافع آخر لم ينل ما هو جدير به من انتباه عند بحث بواكير مشروعنا النهضوي؟ سنجد بعض الإجابة في الاهتمام الذي ناله في تلك الفترة المبكرة عبدالرحمن بن خلدون، مؤسس علم الاجتماع وصاحب الرؤية العقلانية بعيدة النظر. ومن مظاهر هذا الاهتمام أن الطهطاوي بالذات، لا غيره، هو من قام بإعادة طباعة كتاب ابن خلدون الشهير «المقدمة»، فيما وضع خير الدين التونسي مؤلف «أقوم المسالك» الذي نتبين فيه آثار ابن خلدون الفكرية، وقام الإمام محمد عبده بتدريسه في مواجهة الفكر المحافظ السائد، وفي وقت لاحق سيصبح ابن خلدون موضوعاً لأطروحة طه حسين للدكتوراه. غاية القول إن جذور التنوير العربي موجودة أيضاً في التراث العربي.