الاتحاد الإماراتية ذهبت إلى معرض أبوظبي للكتاب، وتابعتُ وقائع احتفالية جائزة أو جوائز الشيخ زايد للكتاب، ورأيتُ أنّ أهمَّ وقائع الجائزة لهذا العام: حصول الكاتب والروائي المعروف أمين معلوف على جائزة مثقف العام، وحصول الدكتور جمال سند السويدي على جائزة التنمية وبناء الدولة عن كتابه «السراب». وحصول الدكتور رشدي راشد على جائزة الفكر العربي باللغات الأجنبية عن نصٍّ في الرياضيات العربية القديمة، وحصول دار «الساقي» على جائزة النشر، وحصول ترجمة كتاب «معنى المعنى» ل«أوغدن وريتشاردز» على جائزة الترجمة. والواقع أنّ هذا التميز يبشر بثقافة عربية جديدة، فأمين معلوف، اللبناني الأصل، ينتج بالفرنسية منذ ثلاثين عاماً روايات ذات أصول عربية وإسلامية، وذات إشكاليات عربية وإسلامية. نحن نعرف الكثير عن نظريات الرواية التاريخية، وأعمال معلوف هي أكثر من ذلك، وتمضي باتجاه ماركيز حيث يُصبح المتخيَّل حاضراً وتاريخياً في الوقت نفسه. أما عمل رشدي راشد الطويل حول تاريخ الرياضيات العربية، فليس بعيداً عن عمل أمين معلوف، والفرق بينهما أنّ أعمال رشدي راشد الشديدة الأكاديمية عن العلوم الإسلامية القديمة، تُظهر الخطَّ الناظم بين كلاسيكيات العلوم، والحلقة العربية الإسلامية فيها، والرياضيات الحديثة، فتأريخ راشد هو إمكانيةٌ تحققت وصارت واقعاً وتاريخاً، بينما روايات معلوف هي فتح إمكانية أُخرى لقراءة التاريخ. أما عمل جمال السويدي «السراب»، فهو عن الحركات الإسلامية الحديثة، وكيف عملت خلال أكثر من خمسة عقود على شرذمة المشهد العربي والإسلامي، تارةً بوعي عابث، وتارة لعبثيات فوضوية سوداء يغيب عنها الوعي كلياً. نحن نشهد في السنوات الأخيرة الحصاد المر لبعثيات أكثر من خمسة عقود. أما «معنى المعنى» فهو كتاب شهير وقديم في نظرية الأدب، وتأويليات اللغة ولسانياتها، وقد قرأتُ قديماً ترجمات أُخرى لكتب لريتشاردز، وسمعتُ من إحسان عباس وجابر عصفور كثيراً عن ريتشاردز وأوغدن وكتابهما. وقد جاءت الترجمة رائعة على صعوبة الكتاب. وأحسب أنّ كهول الدراسات الأدبية سيفيدون منه كثيراً حتى ولو كانوا يعرفون اللغة الإنجليزية. وحصلت دار «الساقي» اللبنانية جائزة جَودة النشر. وكتب دار «الساقي» أنيقة بالفعل، وترجماتها مشهودة منذ سنوات، لكنها تستحق الجائزة أيضاً للجرأة والفكر التنويري. هل هذه هي الثقافة العربية الجديدة؟ هذه هي بالفعل ولعدة أسباب. فهناك من جهة هذا الإتقان الذي يميز الأسلوب العربي القشيب، والذي صارت مصطلحاته الكبرى الحداثية واحدة أو متقاربة. وهناك الإبداع في الموضوعات، سواء لجهة الرواية أو لجهة التاريخ، أو لجهة المناهج، أو لجهة توجه المستقبليات. وهناك أخيراً وليس آخراً النزوع العالمي الذي تفرضه الجودة ويفرضه الإبداع، فأعمال رشدي راشد حلقة مهمة وجديدة في تاريخ الرياضيات والعلوم. وأعمال أمين معلوف إضافة لافتة في فن الرواية التاريخية غير التسجيلية، وعمل الدكتور جمال السويدي سُيقرأ بالعربية ومترجماً ليكشف إحدى ترديات ونكسات التاريخ الديني والثقافي الحديث. ما الذي ينقص الثقافة العربية؟ الواضح أنّ هذه الأعمال التي عرضناها فيها جانبٌ إبداعي بارز. وباستثناء كتاب السويدي، ليس بينها عملٌ من أعمال الفكر الحاضر. نحن محتاجون إلى مضامين وبدائل للحاضر والمستقبل، تصرفنا عن هوامات ومستنقعات القتل والتهجير، وتفتح للعقل آفاقاً مستقبلية. وهذه أمورٌ يفيد فيها اجتراح الإبداعات كثيراً. بيد أنّ العقلنة والتعقيل وطرح البدائل غير السحرية، كل ذلك يمكن أن يكون عموداً مقابلاً في صنع المستقبل الآخر. إنه بقدر احتياجنا للإبداع الروائي، والوصل التاريخي بقيام حضارات العلم والمعرفة، نحن محتاجون إلى أسفار مفتوحة على مستقبل التفكير والتقدير والتدبير. ولندع أعمال الجائزة للحظة، ولننظر في الخمسمائة ألف كتاب ومنشور بمعرض أبوظبي. الدور العالمية والعربية تتنافس بالفعل في التجويد وفي التأليف والإنشاء والحلة القشيبة، بيد أن الكتاب الورقي رغم الجماليات الكبرى ما عاد جذاباً، وإلى ذلك فالعرب قليلاً ما يقرؤون، وهذه مشكلة أُخرى لا شأن لمعلوف ولا لراشد ولا للسويدي بها.