مقتل سليم ونحر الجدين والطفلتين بكل هذه البشاعة جريمتان تتبرأ منهما الجاهلية ومجتمع ما قبل الأديان وما قبل الحضارة، ذلك أننا لم نسمع أن أحدا من عرب الجاهلية تلذذ بالقتل والدم على النحو، الذى جرت به الأمور فى كترمايا، لكن ما حدث بعد الجريمتين أعادنا مباشرة إلى ممارسة أحط أنواع الجاهلية حتى ولو كنا فى أزياء فرساتشى وبيير كاردان، نحن للأسف جاهليون فى كامل الأناقة العصرية.. مرتدون بكل قوة إلى قيم الصعاليك، فلا اعتراف بقانون ولا اعتبار لدولة أو سلطة أو تشريعات تنظم حياة البشر، وطبيعى هنا أن نستخرج من أعماق التراث كل مفردات التنابذ والتناحر والتناعر القبلى الممجوج. بعض الجاهليين منا يصرون على أنه لو كان الشاب الذى مثلوا بجثته غير مصرى لما حدث ما حدث، وبعض الجاهليين منا أيضا مصممون على أن الجريمة الجماعية، التى ارتكبها عدد من سكان كترمايا مبررة كرد فعل على الجريمة الأولى، وكأننا نعيش فى غابة يعلو فيها الزئير والنهيق والنعيق والثغاء على صوت العقل والحس الإنسانى، كأن اختراعات اسمها الدولة والقانون والعدالة لم تصل إلى علمنا بعد. فى الصورة أيضا ساديون ومازوخيون يتلذذون بمشاهد النحر والدم ويتبارون فى ترويجها على أوسع نطاق، ومدسوسون يريدونها حربا أهلية جديدة على نطاق أوسع مما جرى فى الداخل اللبنانى، لتشمل الخارطة العربية كلها، فتجد الأصوات القبيحة ذاتها تردد «العرب يكرهوننا» وبالمرة يتم استدعاء مهزلة حرب الكرة بين مصر والجزائر، وتنضم إليها أصوات أكثر قبحا تعاير اللبنانيين بسنوات الاحتلال والقصف الصهيونى الهمجى، وأخرى تعاير المصريين بكامب ديفيد فى دائرة جهنمية من الهجاء الجاهل. مرة أخرى ما حدث فى كترمايا جريمتان يخجل منهما تاريخ البشرية، لكن الجثة المعلقة فى عمود الفراغ لم تكن جثة مصر، كما يلهو البعض بالكلمات، تماما كما لم ترتكب مصر جريمة قتل الجدين والحفيدتين. نحن أمام جريمة إنسانية بشعة كان من الممكن أن تدور فصولها فى الصعيد أو فى الموصل أو فى وهران أو حتى فى مكة، لكنها بالتأكيد ليست قتلا على الهوية.