تفاءل الجمهور الجزائري خيرا بمستقبل المنتخب الوطني يوم عيّنت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم عبد الحق بن شيخة مدربا ل"الخضر"، غير أن ذلك التفاؤل سرعان ما تحول إلى تشاؤم ما إن تكبد الرجل أوّل خسارة له مع المنتخب خلال تنقله إلى إفريقيا الوسطى، قبل أن تتكسّر تلك الأحلام في "مراكش" بعدما أذّل المنتخب على يد نظيره المغربي برباعية نظيفة ضاعت معها أحلام الوصول إلى نهائيات كأس إفريقيا 2012، وها هو اليوم الجمهور الجزائري يتطلع إلى مرحلة ما بعد بن شيخة، وبالضبط إلى مرحلة "الفرانكو – بوسني " وحيد حليلوزيتش الذي سيحل بأرض الوطن هذا الجمعة حاملا معه عقلية وأفكارا جديدة يسعى إلى توظيفها كي ينهض بهذا المنتخب من جديد على أقدامه، ومثلما هو مرشح للنجاح، فإن مصيره مرشح كي يكون شبيها بمصير "الجنرال". بن شيخة رفع التحدي وفشل قبل مجيء من يوصف ب"الديكتاتور" رفع "الجنرال" التحدي، وقال إنه يحمل أحلام الملايين من الجزائريين للنهوض بالمنتخب الوطني من جديد بعد مجرد كبوة فقط أمام منتخب تانزانيا أدت إلى انسحاب المدرب رابح سعدان، لكن بن شيخة سقط سقوطا حرا في أول خرجة له بإفريقيا الوسطى، ورغم تداركه لتلك السقطة بفوز من دون إقناع على المغرب، إلا أنه عاد ليسقط من جديد، سقوطا بالضربة القاضية هذه المرة بعد الخسارة من المنتخب المغربي برباعية نظيفة عجلت برحيله وهو يتكبد فشلا ذريعا. قال "ما تحڤروش وليد بلادكم" وسقط وكان بن شيخة يوم تعيينه مدربا للمنتخب الوطني خلفا لسعدان، قد أبدى تفاؤلا شديدا لقيادة المنتخب إلى بر الأمان، حيث أعرب عن استعداده التام لتولي المهمة لوحده دون أي مساعدة من المدرب الأجنبي الذي كان روراوة يرغب في تعيينه إلى جانبه، بل أنه وعد بالوصول إلى نهائيات كأس إفريقيا 2012 وقال بصريح العبارة: "ما تحڤروش وليد بلادكم....أنا قادر عليها" وفعلا لا أحد فينا سواء صحفيين أو مناصرين احتقر ابن بلده، حيث قدم له الجميع يد العون بدليل أن قندوز قال لنا يوما: "لم يسبق لي وأن رأيت مدربا استفاد من دعم الصحفيين والجمهور مثل بن شيخة" وفي النهاية تجلى أنه لم يقدر عليها رغم الأفكار الجديدة التي حاول أن يفرضها داخل المجموعة، رغم العديد من الأشياء الجديدة التي جلبها بقدومه. اللاعبون أعجبوا ورحبوا به... وبعدها خذلوه كلامنا هذا لا يعني أن بن شيخة مسؤول لوحده عما حصل للمنتخب، بل إن المسؤولية يشترك فيها معه لاعبون نتذكر شخصيا أنهم يوم قدومه راحوا يتفنون في إطلاق عبارات المدح والثناء حول بن شيخة وحول طريقة العمل معه، فلم نجد لاعبا واحدا منهم قال إن بن شيخة يشبه سعدان في عمله مثلا، أو بن شيخة مدرب عاد مثله مثل كافة المدربين، بل أن الجميع شكروه وأثنوا عليه ومدحوه، وفي نهاية المطاف خذلوه بما أنهم كلّفوا مدربهم الإقالة وكلّفوا منتخبنا خسارتين تاريختين أمام إفريقيا الوسطى المغمورة والمغرب التي لم يسبق لها وأن فازت على الجزائر بنتيجة ثقيلة كهذه. بودبوز ينقلب اليوم وينتقده عبر وسائل الإعلام لأنه لم يقحمه وليت أن اللاعبين تحملوا مسؤولياتهم وقالوا إنهم السبب فيما آل إليه منتخبنا وما حدث لمدربهم، لكنهم تهربوا من كل مسؤولية باستثناء البقية في صورة عنتر يحيى الذي قالها يومها بصريح العبارة: "لا نستحق أن نمثل ألوان الجزائر"، والأخطر من ذلك أن البعض منهم صار يطل علينا اليوم عبر الصحافة المحلية والأجنبية بتصريحات ينتقد فيها خياراته ويحمله مسؤولية تلك الخسارة على غرار ما قاله بودبوز لإحدى اليوميات الفرنسة، عندما اتهمه بارتكاب أخطاء عديدة كلفت الجزائر تلك الخسارة، لا لسبب سوى أن بن شيخة لم يقحمه أساسيا في مراكش....جرأة أبان عنها اللاعب بعد رحيل "الجنرال" لا عندما كان موجودا. ما قيل عن بن شيخة يقال الآن عن حليلوزيتش والعبرة بالخواتيم نهاية قصة بن شيخة مع المنتخب، والتي لم يكن يتصورها أحد، تجعلنا اليوم نتساءل عن مصير "حليلوزيتش" الذي يقال عنه تقريبا نفس الكلام الذي قيل عن بن شيخة، يقال عنه إنه لا يعترف بالأسماء، وأنه لا يتلاعب بالانضباط داخل المجموعة، وأنه يتحكم في أي مجموعة كانت حتى لو كانت كلها نجوم وأسماء لامعة، وأنّه قوي الشخصية، وأنّه "ديكتاتور" وأنّه لا يميّز بين المحليين والمحترفين، و هو نفس الكلام الذي قيل عن بن شيخة الذي سمّي "بالجنرال" وألّفت حوله أجمل عبارات المدح والثناء، قبل أن يسقط سقوطا حرا في نهاية المطاف، وها هي البداية بالنسبة للمدرب الجديد "حليلوزيتش" توحي أنها ستكون شبيهة ببداية ابن جلدتنا بن شيخة، لكن مع الوقت سنرى إن كان سيناريو الرحيل مشابها له أم لا، لأن العبرة بالخواتيم لا بأن يقال عنك "جنرال أو دكتاتور". مع لاعبين كهؤلاء قد يسقط "الديكتاتور" ورغم أنّ خبرة البوسني حليلوزيتش تفوق خبرة بن شيخة من حيث الأندية التي دربها وحقق معها نتائج كبيرة أو حتى من حيث حصيلته الإيجابية على رأس المنتخب الإيفواري الذي حقق معه مسيرة جيدة من دون خسارة في لقاء رسمي إلى غاية سقوطه أمام الجزائر، إلاّ أنّ كلّ شيء يبقى متوقفا على طريقة تعامل البوسني مع جبور وحاشيته، على إمكانية التحكم في هؤلاء والقضاء على التكتلات التي يقال إنها موجودة داخل المجموعة، على كيفية تشغيل الماكينة من جديد وجعلهم يسترجعون مسار تحقيق الانتصارات، وهو المسار الذي ضلّوه هو وطريق المرمى منذ فترة طويلة....ومن المؤكد أن البوسني إذا ما تحكم في كل هذه الأمور فسيعبد لنفسه طريقا للنجاح، أما إذا ما فشل سيكون مصيره السقوط مثلما كان عليه الحال مع بن شيخة. التحكم في زياني ورفاقه أصعب من دروغبا وباوليتا؟ وقد يستفيد حليلوزيتش كثيرا من خبرته وتجربته مع أسماء لامعة وثقيلة الوزن من قبل مع الأندية والمنتخبات التي سبق له وأن دربها، وكم هي كثيرة نذكر منها نجوم "الفيلة":" دروغبا، يايا توري، كولو توري، كالو، جيرفينهو... وغيرهم" وكذلك نجوم باريس سان جرمان الذين أشرف عليهم كالبرتغالي " باوليتا" والفرنسي "روتان"، ومن المؤكد أن من يتحكم في هؤلاء ويحقق معهم نتائج جيدة، سيسهل عليه مهمة التحكم في لاعبينا الدوليين، غير أن البوسني مطالب بتوخي الحذر والحيطة مع لاعبين يرحبون بالمدربين في البداية، ويثنون عليهم ويمدحونهم، قبل أن يخذلونهم في النهاية وتنتهي بذلك قصة هذا المدرب. مهمة "الديكتاتور" صعبة للغاية لكنها ليست مستحيلة إن هو.... ومهما يكن فإن المؤشرات توحي بأن الأرض لن تفرش ورودا للبوسني لدى مجيئه، لأن الرجل سيكون أمام تحديات صعبة للغاية، سنتأكد من خلالها إن كان المدرب الذي من شأنه أن يعالج داء هذا المنتخب، أم أن لقب "دكتاتور" الذي أعطي له في الخارج مجرد لقب فقط كالذي منح لبن شيخة قبل سقوطه، فهل سيقدر حليلوزيتش على التحكم في المجموعة، وعلى فرض الانضباط بين لاعبين تجاوزوا الحدود في عهد سعدان وبن شيخة معا، وهل يقدر أيضا على تعليم هؤلاء اللاعبين أبجديات كرة القدم، لأنّ المشكلة أعمق مما نتصوّر حقيقة مع جيل من المغتربين ليسوا قادرين على تمرير ثلاث كرات فيما بينهم، فما بالك أن نتحدث عن عجزهم عن تحقيق الفوز والوصول إلى مرمى المنافسين؟ أسئلة قد يجيب عنها البوسني إن هو أشهر سيف الحجاج في أوجه هؤلاء اللاعبين مستقبلا. ----------------------- "جابلانيكا" المدينة الحربية التي ينحدر منها مدرب "الخضر" حليلوزيتش ينحدر مدرب المنتخب الوطني الجديد وحيد حليلوزيتش من مدينة "جابلانيكا" البوسنية، فهو من مواليد هذه المدينة الحربية التي عاشت الجحيم في الحرب العالمية الثانية وشهدت دمارا شبه كامل لكنها الآن أصبحت من بين أكثر المدن الأوروبية استقطابا للسياح بالنظر إلى الآثار والأماكن السياحية المتواجدة فيها، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي وبحيرتها الشهيرة في أوروبا "جابلانيكا لاك"، وقد تعوّد حليلوزيتش على التنقل إلى هناك عدة مرات في السنة لزيارة أهله وأقاربه. جرت فيها معركة "نيريتفا" الشهيرة في الحرب العالمية الثانية كما أشرنا إليه من قبل فإن المدينة التي ينحدر منها وحيد حليلوزيتش معروفة بأنها حربية وجرت فيها خلال الحرب العالمية الثانية معركة "نيريتفها" الشهيرة على ضفاف النهر الكبير "نيريتفا"، وفي تلك المعركة تم إسقاط الجسر الكبير هناك ويبقى هذا الجسر المهدم كمعلم تاريخي شاهد على تلك الأحداث في الحرب العالمية الثانية، وهناك عدة معالم أخرى في هذه المدينة الحربية التي أصبحت مدينة سياحية يأتيها السياح من مختلف أرجاء العالم خاصة في فصلي الربيع والصيف. مدينة صغيرة، عدد سكانها 6500 وغالبيتهم مسلمين تعتبر مدينة "جابلانيكا" من بين أصغر المدن في البوسنة حيث تبلغ مساحتها 12691 كيلومتر مربع فيما بلغ عدد سكانها حوالي 6500 نسمة عام 2009، أما عن الديانة التي يعتنقها سكان هذه المدينة فإنّ نصفهم مسلمون فيما البقية من المسيحيين واليهود وديانات أخرى، وكما يعلم الجميع فإن وحيد حليلوزيتش مدرب "الخضر" الجديد الذي تم تعيينه مؤخرا من طرف الاتحادية الجزائرية فإنه يعتنق الإسلام وهي نقطة غاية في الأهمية تخدم هذا المدرب ومن شأنها أن تساعده كثيرا على الاقتراب من رفاق بوڤرة، زياني والبقية. حليلوزيتش عاش الحرب هو الآخر لم تعش مدينة "جابلانيكا" الدمار في الحرب العالمية الثانية فقط بل شهدت بعض الأحداث في الحرب الأهلية في العشريتين السابقتين، وكان حليلوزيتش يعيش في "جابلانيكا" وعايش الحرب هو الآخر وهو ما دفع الإعلاميين الفرنسيين إلى تلقيبه بالمحارب نظرا لارتباط شخصيته القوية بالروح الحربية التي اكتسبها من المدينة التي نشأ فيها، مع الإشارة إلى أنّ المدينة ذاتها ينحدر منها اللاعب الشهير حسان صاليحميزيتش الذي صال وجال في البطولات الأوروبية من بوابة بايرن ميونيخ الألماني وجوفنتوس الإيطالي. حصل على الجنسية الفرنسية وأصبح فرانكو- بوسني يعشق حليلوزيتش كرة القدم منذ نعومة أظافره حيث التحق بالفريق الأول لمدينة جابلانيكا نادي توربينا أين كان من بين أحسن عناصره قبل أن ينتقل إلى نادي "موستار"، أمّا المنعرج الحاسم في حياته فكان تحوّله للعب في البطولة الفرنسية مع نادي نانت الذي قضى معه خمسة مواسم ومن هناك انطلقت قصته مع فرنسا هذا البلد الذي أخذ جنسيته في بداية التسعينات وتخلّص من الجحيم والعنصرية التي لاحقته كثيرا في فرنسا ليصبح فرانكو- بوسني، وهي الجنسية التي سهّلت له العديد من الأمور حيث أشرف على تدريب عدة أندية فرنسية على غرار ليل، باريس سان جرمان، ستاد بوفي، ستاد رين وغيرها من الفرق التي دربها وحققها معها نتائج متباينة.