بعد غياب عن الساحة الإعلامية ل 3 سنوات كاملة عقب سجنه في قضية “الخليفة”، قرّر المدرب الوطني السابق مزيان إيغيل أن يدلي حصريا بأول حوار له بعد خروجه من السجن لجريدتي “الهدّاف“ و”لوبيتور“ مؤكدا خلال كل الحوار الذي جمعنا به على أن يجيب على كل الأسئلة مهما كانت محرجة، ووجدنا مرة أخرى أن الرجل لم يفقد شيئا من بساطته وحيويته في الإجابة على الأسئلة التي دارت حول العديد من الأمور التي تخص ما حدث له سواء في سجن البويرة أو حول مستقبله بعد أن قضى هذه العقوبة. “ليس لدي ما أخفيه وأنشروا كل الحوار الذي دار بيننا” خلال الحوار الذي جمعنا بمزيان إيغيل لم يتردد الرجل في القول لنا: “أنشروا كل ما أقوله ليس لدي ما أخفيه وهذا رغم أن الحديث عن السجن لا يمكن لأحد أن يفخر به لكنها مرحلة من حياتي والمكتوب أراد أن أمر عليه“. وبهذه العبارات تأكدنا أن مزيان بقي نفس الرجل الذي عرفناه مدربا وخاصة إنسانا لنكتشف صراحة هذا المدرب المعروف بشخصيته القوية في هذا الحوار الذي يخرج عن المألوف... تابعوه. ------ “في السجن كنت دائما اسمع أن المستشفى والحبس عنصران يجب التعايش معهما لأن أي إنسان معرض في فترة من حياته للمرور عليهما” “في البداية نشكرك على قبولك محاورتك حصريا ولأول مرة منذ عودتك للساحة، رغم الطلبات العديدة التي وصلتك من مختلف وسائل الإعلام؟ لا شكر على واجب، أعتقد أنه من الطبيعي أن أختار جريدة رياضية محترمة مثل “الهداف“ و“لوبيتور“، لأني أنتمي لهذا العالم منذ سنوات طويلة، كما لا يمكن أن أنسى العديد من الالتفاتات التي قامت بها جريدتكم نحوي ونحو عائلتي أيضا خلال فترة غيابي وخلال المرحلة الصعبة، التي مررت بها والتي أثرت في كثيرا، لهذا كان من الطبيعي أن تكون عودتي إلى الساحة الإعلامية من خلال “الهداف”. هل شعرت أنك لم تجد الدعم المعنوي اللازم خلال فترة سجنك؟ أظن أنه في البداية تلوم كل العالم وتشعر أن الجميع خذلوك، لكني أدركت فيما بعد أنني حصلت على دعم معنوي كبير من أصدقائي و حتى من أشخاص لا أعرفهم، من أعز صديق لي إلى أبسط مناصر، الكل عبر لي عن مساندته لي في تلك الفترة الصعبة عن طريق عائلتي أو أصدقائي الذين نقلوا لي تحيات هؤلاء في كل زيارة، أعترف أن الوسط الرياضي وقف إلى جانبي في الأزمة التي مررت بها. كيف كان شعورك أثناء عودتك إلى المنزل؟ شعرت بسعادة تغمرني وأنا أستعد للخروج، حيث كنت محروما من أسرتي، عائلتي وأصدقائي رغم الزيارات الأسبوعية التي حظيت بها وكنت أستمتع بلحظات اللقاء والحرية المسترجعة لا شيء يساوي لقاء الأحباء، انتابني مزيج من الفرحة والقلق، كما اختلطت الدموع بالضحكات، كان الأمر قويا جدا لكنها لحظات مؤثرة ولا تنسى. هل تذكر آخر يوم قضيته في السجن؟ (يبتسم)، ربما كان اليوم الأطول على الإطلاق، ليلة خروجي وحتى خلال الأيام التي سبقتها كنت أفكر دون توقف في لقائي مع أسرتي والعالم الخارجي، لكن التفكير كان أعمق في اليوم الأخير وشعرت به طويلا جدا، حيث لم يغمض لي جفن، انتظرت بقلق شديد الصباح حتى أكون أخيرا حرا لألتقي أسرتي وأصدقائي، لقد كانت المشاعر قوية لأن ذلك اليوم كان يعني بالنسبة لي نهاية مرحلة مزعجة وصعبة جدا لي، بعد أن غادرت المكان وأغلق باب السجن ورائي شعرت أنني أغلقت الباب على مرحلة أرفض العودة إليها لكني أفتحه لكم حصريا هذه المرة. من وجدت في استقبالك لحظة خروجك من السجن؟ كل عائلتي بالإضافة لبعض المقربين مني، ولو أني كنت سبقت الأمر لما طلبت من أسرتي إعفاء الأصدقاء من التنقل إلى السجن من أجل استقبالي، لأني أردت أن يكون اللقاء خاصا بأسرتي فقط، حتى أعيش تلك اللحظات الحميمية معها. بالعودة للوراء ماذا يكون شعورك لما تتذكر مع كل مشاهد القضية من المحامين للقضاة، الشرطة، المحاكم، الفضوليين، الإعلام وغيرهم؟ الأمر كان صعبا علي وكل من مر بمثل هذه الظروف سيقولون لكم الكلام نفسه، بأنها ظروف صعبة للغاية، ستجد نفسك تفكر في الكثير من الأمور حتى في الأسوأ. نداء استغاثة أم ماذا؟ على كل، حينما نعيش في ظروف معينة، ونكون فيها بعيدين عن الأحداث، تجدنا نفكر في كل الحلول الممكنة التي تخرجنا من الوضعية التي نجد نفسنا فيها، ومن أهمها الفرج أو الخلاص وهذا أيضا يجعلنا نأمل في شيء واحد في تلك اللحظات وهو إنهاء وطي القضية بشكل سريع ونهائي. عدم الفهم، اللا عدالة، الخداع... كيف تسميها اليوم؟ لا أعلم...أعتقد أنها قدر محتوم أو بمعنى أصح أسميها قضاء وقدر، لأن كل شخص فينا مكتوب له أمور في حياته تمتحنه، كما نسميها نحن “المكتوب”...لا يمكنني أن أحتج حاليا أو أتحدث عن الأمور بأكثر تفصيل لأنه وبكل بساطة القضية لم تنته بعد. ولماذا؟ بكل بساطة لأنني طعنت في الحكم وأنا أنتظر اتضاح الأمور في المستقبل. إذن القضية لم تطو بشكل نهائي حتى اليوم؟ لا ليس بشكل نهائي. وما الذي تنتظره بطعنك في الحكم؟ أتمنى أن تكون الأمور أكثر وضوحا بمجرد أن نتلقى جوابا في القضية، وأيضا أن تكون مسؤولية كل واحد واضحة في الأمر، كما يكون فيها توجيه البطاقات والمسؤوليات موزعا بشكل طبيعي، بين الأشخاص الذين ارتكبوا أخطاء وبين أولائك الذين لم يقترفوا شيئا، بين الأشخاص الذين خَدعوا وبين من خُدعوا، وعلى كل حال كما قلت سابقا لا أريد الحديث كثيرا في هذه القضية لأنها ما تزال تعرف تطورات، وأقول ببساطة أنني أتمنى أن تكون الأمور أكثر وضوحا ومن ليس لديه مسؤولية في هذه القضية يجب أن تسترجع حقوقه وهذا كل شيء. ما تزال تأمل أن تسترد حقك؟ هذا أكيد، لأنني أعتبر أنني في هذه القضية لم أقل كل ما كنت أريد قوله، فحينما نمثل لأول مرة أمام القاضي، ليس لنا سوى رغبة واحدة في الرأس وهي أن نرى القصة تنتهي بشكل سريع... وعلى العموم فإننا نعيش تلك اللحظات منقبضين وأنفاسنا مشدودة، نعيشها ألم وحزن، ونكون لحظتها متضايقين ومنزعجين كثيرا ونحن نجد أنفسنا معروضين على الناس والوضعية تزداد صعوبة وتعقيدا، خاصة أن الأمور تطورت بعدها ووصلت إلى درجة لم نكن نتوقع أن نعيش مثلها، وهذا الأمر ما جعلنا نبحث عن الخلاص وإنهاء الأمر بشكل سريع. خاصة حينما تم عرضك بتلك الطريقة كما تقول؟ نعم، فحينما عرضنا بذلك الشكل، كانت قاسية جدا.. في غالب الأحوال كانت قضيتي تعرض في وسائل الإعلام بشكل إيجابي، سواء مع النادي أو مع المنتخب الوطني، لكن الأمور بالنسبة لي كانت صعبة وصعبة جدا إلى درجة لا يمكن أن يتصورها أحد، وقد كان من الصعب تحمل ما عشته، لأنني في رأسي وفي حياتي وما فعلته في مشواري لم أكن أتصور أو أتوقع أن يقودني القدر إلى الوضعية التي كنت فيها ولا إلى الحالة التي وجدت نفسي عليها، بل لم أكن أتخيل نفسي طوال حياتي أن أصل إلى ذلك الأمر، وعلى كل حال هذا هو القدر والمكتوب... الحياة تقودنا بهذا الشكل رغم أنني أدرك جيدا أنني لا أستحق ما حدث معي، فحينما كنت في السجن يقولون لي “المستشفى والسجن عنصران لابد على كل واحد أن يتعامل معهما، لأننا لا يمكن أن نعرف ما يمكن أن يحدث في هذه الحياة، كلنا معرضون للمرور عبر هذين المكانين”. هي أمور يمكن أن تحدث لأي شخص وفي أي وقت. ما الذي جعلك تصمد ولا ترتكب ما لا يمكن إصلاحه؟ الإيمان بالله، هذا هو الأمر الذي سمح لي بالنهوض والعودة، والإيمان بالاستمرارية في الحياة، لأنها لن تتوقف بمصيبة، بل يجب أن ندير ظهرنا ونفتح صفحة جديدة، أعرف جيدا أنه ليس من السهل الخروج من الحالة التي كنت فيها، ولكن بفضل إيماني بالله فقد نجحت في الخروج مما كنت فيه، وهذا ما سمح لي بوضع نفسي في الطريق السليم. عليّ هنا ألا أنسى الدور الكبير الذي لعبته زوجتي وأبنائي طيلة الفترة التي قضيتها في السجن، فقد أحاطوني بكل حبهم وبدعمهم وقد منحوني الكثير من الشجاعة، ولهذا فقد كنت أفكر فيهم كثيرا، كل وقتي، كل اللحظات، كل الساعات كنت أرى صورهم في مخيلتي وكانوا يمنحونني الشجاعة، فقد كانت عائلتي تزورني في كل أسبوع، وهذا ما جعلني بالضرورة أكافح من أجلهم، أكافح لأمنح بناتي الثقة بالنفس وبأبيهم ليواصلوا دراستهم، لإبني أيضا ليؤمن كثيرا في الحياة، ليواصل ويستمر بالصراع، ولهذا بقيت أتمنى أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، خلال تلك اللحظات المظلمة والسوداء في حياة إنسان لم يكن في يوم يتوقع أن يعيش في ظروف بتلك القساوة والصعوبة، ولكن في الأخير يجب أن نعيش ونتعايش مع هذه الأوضاع، واليوم يمكنني أن أتحدث عن الماضي. لنعد قليلا إلى الوراء، هل شعرت في قضية الخليفة أنه تم التخلي عنك في آخر منعرج من الدعوى القضائية؟ لا أبدا، ومن جهة أخرى أقول إني شعرت دائما أني مواطن عادي، منذ الطفولة لم أفارق أبدا الحي ولا المحيط الذي عشت فيه، عموما عشت دائما في الوسط الذي تأقلمت فيه، عالم الرياضة وكرة القدم بشكل خاص. لم أصبح صناعيا ولا رجل أعمال، عشت دائما في مجالي، رغم أن المجال الرياضي في بعض الأحيان يسمح بدخول مجالات أخرى ليست لها علاقة بالرياضة. كنت دائما إنسانا عاديا وعادلا، لا أرفض خدمة لأي أحد، لكن إلى حد الآن لم أعرف كيف دخلت هذه القضية. الأمور كانت سريعة بالنسبة إليك قبل الحكم النهائي، أليس كذلك؟ سريعة جدا، لقد دخلت في دوامة كبيرة بشكل سريع، ثم جاء الحكم النهائي، لم أكن أنتظر أبدا أن يصدر بذلك الشكل. هل بإمكانك أن تروي لنا كيف عشت تلك اللحظة؟ في البداية كنت مع المنتخب الأولمبي خارج البلاد، ولما اتصلت بعائلتي، أعلموني بأنه تم إرسال ظرف لي من المحكمة، ومباشرة بعد نهاية الألعاب الأولمبية، دخلت الديار قبل الجميع لأجل معرفة محتوى هذا البريد الذي جاءني من المحكمة، فاستجبت للاستدعاء الذي جاءني من طرف القاضي بشكل عادي، لكن الأمور سارت بسرعة كبيرة. لقد طلبوا منك أن تمثل على شكل شاهد في أول الأمر، أليس كذلك؟ نعم، كشاهد بسيط، في البداية لم أكن أعرف الإجراءات اللازمة التي يجب اتباعها في المحكمة، كنت أظن أنه علي أن أدلي بشهادة عادية، بين كل الذين كانوا معنيين بقضية الخليفة. كنت في ذلك الوقت رئيس نادٍ (نصر حسين داي) وكانت تمولنا الخليفة، فكنت أجيب على كل الأمور بشكل عادي جدا، وبعد ذلك تعقدت الأمور وسارت القضية بسرعة البرق. وهذا ما أريد أن أفهمه، وأتمنى أن تتضح لي الأمور في يوم ما. هذا ما يمكنني قوله في الوقت الحالي، لأنه ليس المكان المناسب للقيام بذلك، وبما أن هناك سبيلا لمتابعة القضية، فأظن أن هناك أملا في أن تتضح الأمور جيدا هذه المرة، على الأقل فيما يخصني أنا شخصيا، لأن قضية الخليفة اكتشفتها خلال الحكم. في أي وقت شعرت بأن الأمور أصبحت أكثر جدية؟ لم أفكر يوما أن الأمور ستصبح معقدة بالنسبة إلي، كل شيء كان متناقضا بالنسبة لي، كنت أفكر دائما بأني في مكان ما كان لي أن أكون فيه. في هذه القضية شعرت أني دخيل على قضية مماثلة وما كان علي أن أتدخل فيها أبدا، لكن الأمور انتهت بشكل مغاير تماما عما كان من الضروري أن تنتهي به. لا أدري، لكن عموما المحكمة اتخذت القرار النهائي، ولسوء الحظ أن هذا الحكم لم يكن في صالحي، وسأطالب بنقض الحكم عسى أن تتحسن الأوضاع. هل أنت على دراية بالنتائج التي يمكن أن تؤول إليها المطالبة بنقض الحكم؟ نعم، إذا وافقت المحكمة على هذا المطلب سيكون هناك حكم آخر، ثم تعاد القضية من جديد ويتم شرح كل شيء، يمكن أن يقال لي إن الحكم لن يتغير، وبإمكانهم أن يمددوا لي الحكم، كما بإمكانهم أن يخلوا سبيلي وأخرج براءة. بما أنك تعلم كل هذه الإجراءات، ألا تظن بأنك مقبل على خوض مغامرة؟ لا، أنا جد واعٍ بكل ذلك، كثيرون من نصحوني بالتخلي عن هذه القضية نهائيا، لأنه يمكنني أن أستفيد من العفو في يوم ما، لكن أنا أشعر بأني ظُلمت في هذه القضية، وأريد استفسارات عن كل ما حدث لي حتى يفهم الجميع وضعيتي، لأني فعلا شعرت بالظلم في هذه المسألة. هل تشعر كأنك ضحية لحكم غير عادل؟ لا، لا يمكنني أن أقول مثل هذه الأشياء، ليس لدي الحق في أن أقدم تقييما أو رأيا في حكم قضائي، أريد القول إنه حسب رأيي لا أستحق أن أتعرض إلى عقاب مماثل.