الحلقة 09 أبو العباس برحايل ومع قدوم الشتاء واشتداد البرد يأمرنا سيدنا بالذهاب للاحتطاب؛ فنذهب تحت وطأة الصقيع جماعيا ويستطيع الكبار أن يشكلوا رزمهم ونبقى نحن الصغار باكين وقد تجمدت أصابعنا من زمهرير ذلك الصقيع فلا نستطيع أن نفعل شيئا ويضطر أولئك الكبار لمساعدتنا في تلفيق حزم صغيرة رمزية لا تعني شيئا؛ وتشير فقط إلى أننا شاركنا في الاحتطاب.. ومن حين لآخر كنت أقدم على الجامع في الصباح الباكر مبتلا ليس بسبب المطر، فلا مطر هناك وإنما الصقيع، واقترب من النار طلبا للدفء والتي يكون قد أشعلها أوائل المبكرين.. فقد كنا نذهب مبكرين للجامع بقصد محو لوحة الأمس وصقلها بالصلصال وتجفيفها على النار إعدادا لكتابة السورة أو الآيات الجديدة.. ويلاحظ زملائي علي ومن تحت اللوحة أن قندورتي المخيطة من أوخم قماش منسوج من القش الباياص.. وهي كل ما كان ملبسي تحت البرنس الصغير؛ يلاحظون أنها تفور ببخار كثيف؛ ويسألونني عن سبب الابتلال فأزعم لهم أن ابن عمي الصغير يكون قد تبول عني أثناء النوم.. والواقع أني تبولت بنفسي في الفراش! بكل بساطة..والمشكلة أن الفراش لم يكن فراش بيتنا، بل هو فراش بيت عمي.. وكنت في هذه الفترة أتبول على نفسي أثناء النوم؛ والسبب أني كنت أراني في المنام أني صحوت وذهبت للتبول في الخلاء؛ وإذا البول يغمرني تحت الفراش دافئا في البداية تم سرعان ما يبرد بي؛ وأعلم أني تبولت تحتي مثل الرضع من الصبيان؛ وأعاني الأمرين من الخجل و تأنيب الضمير من جهة رغم أنه لا إرادة لي في ذلك الفعل المخزي ومن البلل والبرد من جهة ثانية .. لقد كنت في هذه الفترة أذهب كل ليلة مع إحدى العجائز التي اعتادت أمي أن تكتريها لتنسج معها برنسا إلى بيت عمي للمبيت مؤانسة لزوجة عمي التي كانت وحدها مع أبنائها الصغار؛ إذ كان عمي في المغترب ..وكان خوفي شديدا أن أتعرض للعقاب بسبب ذلك التبول اللاإرادي؛ لكن العقاب جاء من طريق آخر لم يكن في الحسبان .. فقد كنا نحن الصبية أحيانا نردد ألفاظا لا نعرف دلالاتها بدقة؛ فطلب مني أحد أعمامي المعتوهين أن أقف أمام زوجة عمي وأردد لفظة "أزلاط" التي تعني على العموم عرف الغصن، أو قضيب غصن، ولكن بالتأكيد لها معنى مجازي يحيل على دلالة عضو الذكورة .. وذلك ما أراد المعتوه أن تفهمه زوجة عمي وهو ما لم أكن أدركه إلا بصورة مبهمة جدا .. غضبت زوجة عمي مني غضبا شديدا وأنا أتلفظ أمامها ذلك اللفظ اللعين "آزلاط" الذي لم يكن متداولا في عرشنا؛ بل كان متداولا بمعناه البريء في عرش آخر.. وفي خضم غضبها الساطع توعدتني المرأة بأنها ستخبر والدي.. وأنجزت الحرة ما وعدت؛ وأقبل علي والدي في الضحى يسلقني سلقا ب"طريحة" حمراء، بل راح يفتح مطويته التي أخرجها من جيبه وهم أن يضع شفرتها الحادة على رقبتي مزمعا ذبحي؛ لولا أن تداركني الله كما تدارك إسماعيل بذبح.. بأن سارعت عمتي وانتزعتني من بين مخلب أبي الذي بدا لي في تلك اللحظات وحشا ضاريا خالصا…